أحمد جواد يديننا جميعا: ما صلاحية الثقافة والنقابة والقناعة والتشارك في الوطن؟

حميد تباتو (جامعي و ناقد سينمائي)

يغادرنا أحمد جواد محروقا جسديا، بعد أن تم نحره نفسيا بالتدريج طيلة سنوات، ويرحل بعد أن لم نستطع فعل شيء لأجله حين استجدى الجميع مساعدته على الحياة ولم نسعفه كأفراد بما يكفي، ليس لأننا لم نمنحه ما احتاجه ليعيش فقط، بل لأننا  لم نتحرك بما يكفي بصيغة حملات، واحتجاجات، وكتابات، ومبادرات لمساندته، وفرض الإنصات له من طرف  المسؤولين الذين توجه إليهم، والذين اعتبرهم سببا في قتله المعنوي والدفع به إلى المحرقة والموت.

يعج الوطن ومجال الفن بنقابات، وجمعيات، كما يعج بمن لهم القدرة على الكتابة، والحاملين للقناعات الصادقة لكن لا جهة  تحركت لتفعيل مبادرة ما داعمة ومساندة، وبذلك كان الجميع يشيعه لقدر موت رهيب سيضاعف من جراح أسرته الصغيرة  وأحزانها بلا حدود. أعرف أصدقاء وفاعلين دعموه حسب إمكانياتهم، لكن ما كان يعانيه كان فضيعا، وبحاجة لتدخلات أكبر لم تتوفر القناعة الكافية لأية  لفعل ما يلزم من أجلها.

ضاع الآن المسرحي والفنان والمواطن والإنسان أحمد جواد بشكل فاجع، وحصل ذلك امام  الجميع، والحزين أنه انتهى بشكل أكثر مأساوية مما عاشه في صراعه من أجل الإنصاف والكرامة، وكل هذا يلزمنا أن نسائل ما نعتبره جميعا، من هذا الموقع أو ذاك، واجب الانتماء المشترك للثقافة والوطن والإنسانية والفن…لقد آمنا دوما كما يقول أحد الكبار، أن أسئلة الثقافة تشتق من أسئلة الوطن، وحين يجبر بؤس علاقات الواقع في الوطن، مواطنا وفنانا على الموت حرقا، والانطفاء التراجيدي، ماذا يسبقى من صلاحيات للثقافة والعمل الفني، وما يرتبط بهما من قناعات…بل ما الذي سيبقى من طعم التشارك في الوطن والوجود الإنساني…أفترض أن لا شيء هناك غير انفتاح جرح آخر في القلب والدماغ، وطبعا انغراس إدانة الراحل أحمد لنا جميعا لأننا لم ننتج ما يبقي بعض الأمل في استمراره في هذا الوجود الكئيب. إنها نهايتك السي أحمد دفاعا عن حقوقك وكرامتك، لكنها فضيحتنا جميعا. ولتوديعك نقول: ليرحمك الله،   وكل الإدانة لمن أكرهك على الموت، ولمن يفني أمل الناس في الحياة بهذا الوطن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى