تقرير صادم للجمعية المغربية لحقوق الانسان بوجدة حول المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بوجدة

  تقديم عام.

بناء على ما تم تداوله إعلاميا حول الاختلالات التي يعرفها المركز الاستشفائي الجامعي بوجدة وكذلك ما تضمنه بيان المكتب المحلي للقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الطب والصيدلة بوجدة، نصدر هذا التقرير لعرض نتائج البحث والتقصي الذي قمنا به في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قصد الوقوف على حقيقة هاته الاختلالات وكذا واقع الوضع العام بالمستشفى في حدود ما استطعنا الوصول اليه من معطيات، ومدى مساهمة هذا المركز الاستشفائي الذي تضخ له ميزانيات ضخمة في احترام وحماية وإعمال الحق في الصحة كما هو منصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والذي تعرفه منظمة الصحة العالمية بأنه : ” حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، وليس مجرد الخلو من المرض”. (أنظر ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية)

كما تنص الفقرة 1 من المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على : ” لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية”.

وانطلاقا من استراتيجية عمل الجمعية في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ومنهجية اشتغالها في متابعة ورصد خروقات حقوق الإنسان؛ قمنا باعتماد هذا التقرير بناء على المنهجية التالية :

-1 استقصاء المعطيات والمعلومات المنشورة عبر وسائل الإعلام.

-2 الاتصال والتشاور مع مختلف المتدخلين الفاعلين المرتبطين بالمستشفى الجامعي.

-3 مراسلة  المدير العام للمركز الاستشفائي الجامعي بوجدة بتاريخ 16 أبريل 2022، قصد طلب عقد لقاء بخصوص ما نشر في وسائل الاعلام حول المستشفى، الا انه وللأسف لم تتجاوب ادارة المستشفى مع مراسلتنا.

 خلاصات حول الوضع الإداري والتدبيري بالمستشفى الجامعي.

 تعتبر المادة 12 الفقرة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية(1966) الذي صادق عليه المغرب، أنه من بين أهم التدابير اللازمة لضمان الحق في الصحة:  تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.

وحيث أن التسيير الإداري والتدبير الجيد للمؤسسات الصحية، يدخل في نطاق تأمين الخدمات والعناية الطبية، فقد سجلنا من خلال نتائج البحث والتقصي مجموعة من الاختلالات الإدارية بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس، نجملها في ما يلي :

     –  ضعف تدبيري وتواصلي للمدير العام للمستشفى الجامعي، نجد مثاله البسيط في عدم التجاوب مع المراسلات والشكايات والملاحظات المقدمة من مجموعة من العاملين بالمستشفى، وعدم رده على هذه المراسلات في الآجال القانونية المطلوبة، احتراما للقانون.

     – غياب هيكلة استشفائية ضامنة لفعالية أكبر وجودة في خدمات المستشفى بكل من : مستشفى التخصصات، مستشفى الام والطفل، مستشفى الامراض النفسية والعصبية، مستشفى الحسن الثاني لأمراض السرطان (الانكولوجيا).

     – توفر المستشفى الجامعي منذ تشييده سنة 2014 على مصلحة واحدة للإنعاش والتخذير، وهو ما يشكل استثناء وطنيا بالمقارنة مع باقي المراكز الاستشفائية الجامعية عبر الوطن، وهو ما فتح المجال أمام نوع من البيروقراطية والهيمنة من طرف رئيس مصلحتها أدت في الكثير من الأحيان إلى تعطيل عمل مجموعة من الأساتذة الأطباء وبالتالي حرمان مجموعة من المواطنين/ت من حقهم في العلاج.

      – غياب مصلحة خاصة بجراحة القلب والشرايين (حاليا مدمجة مع مصلحة الامراض الصدرية) التي  من شأنها أن تساهم في الاستجابة لحاجيات المواطنين/ت، وتأمين أكبر لحقهم في الاستفادة من هذا التخصص الهام والحيوي خاصة العمليات الجراحية ذات التكلف الباهضة الثمن بالمصحات الخاصة، بحيث أن لوازم العملية الجراحية الواحدة تتطلب اكثر من 10000 درهم كما يؤكد ذلك ذوي الاختصاص.

     – عدم انعقاد المجلس الإداري للمستشفى الجامعي منذ سنة 2019، الذي من المفروض أن ينعقد مرتين في السنة، وله مهام مهمة في تسيير وتدبير المركز الاستشفائي كما يحدد ذلك القانون 70 -13 المتعلق بالمراكز الاستشفائية الجامعية، الشيء الذي فسح المجال أمام عمل غير مؤسساتي وانفراد المدير العام بالتسيير والتدبير وتغييب المقاربة التشاركية،  مما ساهم في تفاقم الاختلالات الإدارية والمالية وتعثر تسييره بالشكل الجيد والمطلوب.

     – عشوائية في تدبير وتسيير الصيدلية العامة بالمستشفى(تقدر ميزانيتها حسب المعطيات المتوفرة لدينا بين 15 و 20 مليار سنتيم) ، حيث أقر جميع المشاركين في اللقاءات التشاورية على أن هناك العديد من المعدات والأدوية التي انتهت مدة صلاحيتها، والتي تم التخلص من كميات كبيرة منها في الشهور الماضية، وهو ما يشكل تبديدا للمال العام وحرمان لمرتفقي المستشفى من هاته المعدات والأدوية، وتركهم عرضة لمضاربات الشركات العاملة في المجال.

      – غياب لجنة الأدوية بالمستشفى منذ أكثر من سنتين، وهي المكلفة بضبط السياسة الدوائية للمستشفى.

    – غياب مكلف مختص بوحدة تعقيم المعدات الطبية، على غرار ما هو معمول به في باقي المستشفيات وضعف المراقبة بها، مما نتج عنه تسجيل الكثير من حالات سرقة المعدات الطبية الخاصة بالمستشفى أثناء عملية تعقيمها (تقدر بمبالغ مالية مهمة)، وكذلك معدات خاصة ببعض الأطباء، كل هذا دون فتح تحقيق وتحديد المسؤولين عن هاته الأعمال، ورجح البعض احتمال وجود شبكة بالمركز الاستشفائي تنشط بهذا الخصوص.

      – شبهات بالفساد وسوء التدبير في العديد من الصفقات  العمومية، ومنها ما تم خلال مرحلة تدبير جائحة كوفيد 19، خاصة وأن المستشفى الجامعي تلقى دعما ماليا مهما خلال هاته الفترة من إحدى المؤسسات العمومية.

خلاصات حول الممارسة الطبية بالمستشفى الجامعي :

    يؤكد التعليق العام رقم 14 بخصوص المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنه : ” يجب أن يفهم الحق في الصحة على أنه الحق في التمتع بمجموعة متنوعة من المرافق والسلع، الخدمات، والظروف الضرورية لبلوغ أعلى مستوى ممكن من الصحة”.

        كما يؤكد ذات التعليق على أنه من بين العناصر الأساسية للحق في الصحة، نجد عنصر التوافر الذي يعني : أن توفر الدولة الطرف القدر الكافي من المرافق العاملة المعنية بالصحة العامة والرعاية الصحية، وكذلك من السلع والخدمات والبرامج…

       وقد وقفنا من خلال نتائج البحث على مجموعة من النواقص والاختلالات التي تعتري الممارسة الطبية بالمركز الستشفائي الجامعي بوجدة، نرصدها أساسا في ما يلي :

–    عدم توفر المستشفى على أبسط المعدات الطبية مثل القفازات التي لا يتجاوز ثمنها ثلاث دراهم بأسعار الجملة و محاليل طبية (Bitadine ، ومشارط جراحية…وغيرها، والتي تتم كتابتها ضمن الوصفات الطبية التي ترهق جيوب المواطنين/ت وبتعليمات من إدارة المستشفى كما من بعض الاساتذة الالتجاء الى المحسنين لاقتناء لوازم العمليات الجراحية رغم ضخامة الميزانية المرصودة للمستشفى ، مقابل اقتناء معدات بأثمنة باهضة غير ضرورية ولا يتم استعمالها مثل : Robot de Pharmacie، جهاز تفتيت الحصى، جهاز  neronavigati …

– عدم توفر مصلحة جراحة القلب والشرايين على مركب جراحي خاص كما لا تتوفر على مجموعة من الأجهزة والمعدات الطبية المستعملة جراحيا، رغم طلبها من إدارة المستشفى وبالرغم من أن توفيرها ممكن بالنظر الى الحجم الكبير لميزانية المستشفى، ويبقى المتضرر الأول من هذا التدبير هو المواطن بسبب تقليص عدد العمليات الجراحية.

– اختلالات في مصلحة الأشعة، بحيث تشهد المصلحة تراكم المواعيد وطول مددها بالنسبة للمواطنين/ت وبيروقراطية تعوق تسهيل ولوجهم لخدمات المصلحة، كما تشهد المصلحة ضعف كبير في فحوصات سرطان الثدي بحيث تجري فقط ثلاث أو أربع فحوصات في الأسبوع، عوض 10 أو 15 فحصا في اليوم. كما وقفنا على عدم تشغيل المصلحة لإحدى آلات الكشف المبكر المتطورة منذ اقتناءها (Multicare).

– عدم تشغيل قسم الأشعة بمستشفى الأم والطفل رغم جاهزيته، والذي من شأنه المساهمة في تخفيف الضغط على المصلحة، وذلك لأسباب مجهولة ودون مبررات معقولة وموضوعية من طرف إدارة المستشفى.

– ظروف عمل غير مناسبة بمستشفى أمراض السرطان (بناية مهترئة ومكاتب بئيسة للأطباء والاساتذة) وحرمان طلبة الطب من مواكبة وتأطير الاساتذة في هذا التخصص المهم، وتعطل بعض معداته الأساسية مثل آلة التنفس الاصطناعي التي تعطلت لأزيد من سنتين دون إصلاحها إلى حدود نشر هذا التقرير، واستعانة المستشفى بأحد المحسنين الذي استطاع توفير الآلة المطلوبة. فهل يعقل أن ترتهن مؤسسة صحية عمومية لالتفاتات البر والإحسان؟ مع العلم ان الادارة تقوم في المقابل بإبرام صفقات حول معدات باهضة الثمن.

– عدم تقنين وضبط عمل الأطباء في القطاع الخاص، وهو ما يفسح المجال أمام إهمال بعض الأطباء لواجبهم المهني داخل المستشفى لحساب العمل في القطاع الخاص.

– مضايقة عمل الكثير من الأساتذة من طرف إدارة المستشفى وكذا رئيس مصلحة الإنعاش والتخذير، مما يعوق تأدية نشاطهم المهني بأريحية وإبداعهم في تأدية الواجب المهني، خاصة وأن لهم مهام متعددة، تتنوع بين علاج المرضى وتأطير الطلبة والتدريس بالكلية والبحث، وهو ما أدى إلى فقدان المستشفى الجامعي بوجدة للكثير من الكوادر الطبية التي اختارت إما الهجرة خارج الوطن أو الانتقال إلى مدن أخرى أو اختارت العمل لحسابها الخاص.

 التوصيات.

إننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وانطلاقا من مبدأ الترافع على ضمان التمتع بحقوق الانسان ومنها الحق في الصحة، وبناء على المشار إليه أعلاه نوصي بما يلي :

– ضرورة التدخل العاجل لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، للوقوف على مجمل الاختلالات التي يعرفها المستشفى الجامعي بوجدة، وترتيب المسؤوليات لضمان سير ناجع وجيد لهاته المؤسسة الصحية البالغة الأهمية.

– ضرورة فتح تحقيق من طرف المجلس الأعلى للحسابات وكذا الوزارة الوصية وهيئات الحكامة، بخصوص الشبهات التي اعترضت الصفقات العمومية للمستشفى، وخاصة في فترة تدبير جائحة كوفيد 19، مع ضرورة الاستماع لكافة المتدخلين.

– التعجيل بعقد المجلس الإداري للمستشفى، مع التأكيد على ضرورة تحمل المسؤولية في ذلك من طرف كل من : السيد رئيس الحكومة، السيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، السيد والي الجهة الشرقية…، من أجل الوقوف على حجم المشاكل المتراكمة ومعالجتها.

– ضرورة تقنين العمل في القطاع الخاص وتشديد الرقابة في ذلك، بما يضمن السير الفعال والجيد للمستشفى باعتباره مرفقا عموميا حيويا.

– التسريع بمراجعة شاملة لعمل الصيدلية العامة بالمستشقى، ووقف نزيف تبديد المال العام الذي تسبب فيه التسيير العشوائي للصيدلية .

– توفير مناخ عمل وظروف اشتغال جيد لكافة الأطر الصحية بالمستشفى يسوده احترام القانون، والاستجابة لحاجياتهم الأساسية والبسيطة، قصد ضمان ممارسة طبية مواطنة تستجيب لتطلعات ساكنة الجهة الشرقية.

– ضرورة إعمال المقاربة التشاركية في تدبير ومعالجة الإشكالات المطروحة، واشارك كافة المعنيين من : النقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الطب والصيدلة، التمثيليات النقابية للعاملين بالمستشفى، فعاليات المجتمع المدني والمتتخبين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى