GIL24-TV 500 مليون درهم لملعب الناظور… ولكن هل تنهار طفرة البنية التحتية أمام أزمة الحوكمة وسوء التدبير؟

يكشف هذا التحليل المفصل عن التناقض الصارخ الذي تعيشه الرياضة في جهة الشرق بالمغرب، حيث يتم ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية، أبرزها مشروع ملعب الناظور الجديد بتكلفة تصل إلى 500 مليون درهم (نصف مليار درهم)، والمصمم وفقاً لأحدث معايير الفيفا وبطاقة استيعابية تقارب 20,000 متفرج، وذلك استعداداً لاستضافة أحداث عالمية مرتبطة بكأس العالم 2030. هذا المشروع العملاق يُعتبر بياناً نوايا لوضع الناظور والجهة على الخريطة الرياضية والسياحية.
أزمة الحوكمة والتدبير (الوجه الآخر للمشروع):
على الرغم من هذه الاستثمارات الكبيرة، يُشير التقرير إلى وجود أزمة هيكلية عميقة في الحوكمة والتدبير في المنظومة الرياضية. وتتمثل مظاهر سوء التدبير في ثلاث نقاط رئيسية:
1. سوء توزيع الدعم المالي والتحكم: حيث تُوجه الأموال العامة لأندية معينة على حساب أخرى، وغالباً ما يتم ذلك لأهداف شخصية أو سياسية (شراء الولاءات وإسكات الأصوات المعارضة).
2. مركزية التمويل والقرار: تتصرف الاتحادات الرياضية الوطنية (المركز) في الميزانيات بشكل مباشر، مما يضعف قدرة العصبات الجهوية على التخطيط الاستراتيجي المستقل.
3. تهميش العنصر البشري: يواجه الرياضيون والمدربون غياباً شبه كامل للحماية القانونية، حيث لا يتم تطبيق قانون العقود (القانون 039) بصرامة، مما يعرضهم لتأخر الرواتب وضياع حقوقهم.
وقد ظهر أول مؤشر على الخلل الإداري بوضوح في مشروع ملعب الناظور ذاته، عندما أقدم مجلس جهة الشرق، الشريك الأساسي، على تأجيل حصته البالغة 100 مليون درهم (20% من التكلفة الإجمالية) إلى عامي 2026 و2027، مما يهدد الجدول الزمني للمشروع ويخلق ضغطاً على الشركاء الآخرين.
نموذج سوس ماسة كخارطة طريق للإصلاح:
يقدم التقرير جهة سوس ماسة كنموذج إقليمي ناجح للمقارنة. وقد اعتمدت سوس ماسة على:
• الشراكة الاستراتيجية الملزمة: توقيع اتفاقية إطار طويلة الأمد (2023-2027) لربط الرياضة بالتعليم، مما يوفر تمويلاً مستداماً ومنظماً.
• البعد الاجتماعي والتضامني: إطلاق مبادرات مثل “قافلة إيمواط” التي تصل بالتدريب والتجهيزات الرياضية والكشوفات الطبية إلى المناطق النائية والمهمشة، مما يؤكد أن الرياضة أداة للتنمية المجتمعية المتكاملة.
روشتة الإصلاح لجهة الشرق:
يقترح التقرير خريطة طريق عملية وموجهة لـ “جمعية رياضه وصداقة لجهة الشرق” للتحول إلى جهة رقابية فعالة (Watchdog). تتضمن هذه الخطة ست توصيات عملية لمواجهة أزمة الحوكمة:
1. إنشاء مرصد الشفافية الرياضية الجهوية: لإصدار تقرير سنوي مفصل يوضح كيفية توزيع الدعم العام والنتائج المحققة.
2. حماية حقوق الرياضيين: عبر إنشاء منصة إلكترونية أو مكتب لحل النزاعات وتوفير الدعم القانوني للاعبين والمدربين.
3. إطلاق قافلة الصداقة الرياضية: لاستنساخ نموذج “قافلة إيمواط” والوصول للقرى النائية في جرادة وفيكيك وغيرها.
4. الدعوة لشراكة استراتيجية إقليمية: للضغط لتوقيع اتفاقية إطار ملزمة وطويلة الأجل تربط المنشآت الجديدة ببرامج التكوين القواعدي.
5. الإدارة الرقمية للمنشآت: تطوير نظام رقمي ذكي لضمان كفاءة تشغيل وصيانة المنشآت الكبرى، مثل ملعب الناظور، لمنع هدر الموارد.
6. التكوين المتخصص لرؤساء الأندية: تنظيم دورات تدريبية متخصصة في الحوكمة الرشيدة والإدارة المالية والتسويق الرياضي لبناء الكوادر البشرية المؤهلة.
الخلاصة: إن التحدي الحقيقي في جهة الشرق ليس في بناء الحجر، بل في بناء الثقة والكفاءة والأنظمة التي تضمن أن تتحول الاستثمارات الضخمة من عبء مالي محتمل إلى رافعة تنموية حقيقية ومستدامة.









