الفريق الاشتراكي يحذر من “أزمة آفاق” للشباب: مشروع الميزانية يكرس الاختلالات والتفاوتات المجالية
نواقص استراتيجية ورقمنة معطوبة في قطاع الشباب والثقافة والاتصال

الرباط، 11 نونبر 2025 – (مقر مجلس النواب)
وجه الدكتور اعنان عمر، باسم الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، انتقادات لاذعة لمشروع الميزانية الفرعية لقطاع الشباب والثقافة والاتصال برسم سنة 2026، مؤكداً أن المشروع “يعيد إنتاج نفس الاختلالات التي رُصدت في السنوات الماضية“. جاء ذلك خلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمقر مجلس النواب لمناقشة المشروع المذكور.
غياب الرؤية الشاملة وتشتت المبادرات
استهل الدكتور عمر مداخلته بالإشارة إلى أن مشروع الميزانية يأتي في سياق يتزايد فيه “منسوب الانتظارات” ويتعمق فيه الإحساس الاجتماعي بثقل الهشاشة وغياب الآفاق، خصوصاً لدى فئة الشباب التي تشكل أكثر من ثلث المجتمع المغربي.
ورغم احتواء المشروع على أرقام ومؤشرات توحي “بحركية معينة“، إلا أن الفريق الاشتراكي يرى أنه يفتقر لـ “رؤية استراتيجية وطنية واضحة”. كما سجل ضعف الالتقائية بين البرامج واستمرار التفاوتات المجالية، وتشتت المبادرات دون إحداث “أثر ملموس على أرض الواقع”.
وأوضح النائب البرلماني أن الحكومة تتحدث عن دعم الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب والنساء وعن تطوير الرقمنة، لكن البرامج المقدمة متفرقة، لا يجمعها إطار استراتيجي موحد، ولا تحدد أهدافاً قابلة للقياس، ولا تقدم تقييماً دقيقاً لنجاعة البرامج المنفذة بين سنتي 2022 و2025.
جواز الشباب: 400 ألف مستفيد من 1.5 مليون تحميل
قدم الدكتور عمر “جواز الشباب” كمثال بارز على ضعف النجاعة، مشيراً إلى أنه رغم تسجيل مليون ونصف تحميل للتطبيق، لم يصل عدد المستفيدين فعلياً إلا إلى 400 ألف مستفيد فقط. وخلص إلى أن هذا يعني أن “ثلاثة من كل أربعة شباب لم يجدوا في التطبيق ما يكفي من جاذبية أو من فعالية” للاستثمار في استعماله.
كما انتقد الفريق الاشتراكي مركزية هذا البرنامج، حيث يعاني شباب العالم القروي وعدة مدن بعيدة عن المركز من ضعف الولوج الرقمي وغياب البنيات التحتية، مما يجعل الحديث عن رقمنة الخدمات “كلاماً جميلاً لا ينعكس على الواقع”.
أزمة الشرق: بطالة تتجاوز 22% وإهمال لـ “دور الشباب”
سلطت المداخلة الضوء على الوضع في جهة الشرق، وخاصة مدينة وجدة، معتبرة أن وضع الجهة يعكس “مدى عمق الأزمة“. فالجهة تعيش حالة اقتصادية واجتماعية صعبة، حيث تتجاوز نسبة البطالة في صفوف الشباب 22%، وتنعدم فرص الشغل تقريباً في ظل غياب أي سياسة حكومية منصفة تعطي للجهة ما تستحقه كـ “مجال حدودي له خصوصياته”.
وفي غياب الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية الحقيقية، يجد شباب وجدة أنفسهم في مواجهة “فراغ قاس“، يدفعهم إلى التسكع في الشوارع أو الجلوس في المقاهي، مترصدين أي فرصة للهجرة مهما كانت مخاطرها، بعدما فقدوا الأمل في سياسات لا تضعهم في “قرب اهتماماتهم”.
الأخطر من ذلك، حسب الدكتور عمر، هو أن “دور الشباب” التي من المفروض أن تكون مراكز للتأطير والإبداع، أصبح بعضها ضحية للإهمال وانعدام الحكامة. وقد استشهد بحالة دار الشباب سيدي معفوج بوجدة التي باتت مغلقة في وجه الشباب بشكل “غير مبرر”، وتم حرمانهم من ولوجها والاستفادة من خدماتها الأساسية.
مقترحات لترسيخ ثقافة الاعتراف واللامركزية الثقافية
لم تقتصر المداخلة على النقد، بل شملت مقترحات عملية:
1. دعم المقاهي الأدبية: دعا الفريق الاشتراكي إلى تقديم دعم مؤسساتي للمقاهي الأدبية التي تلعب دوراً محورياً في الإشعاع الثقافي، وتعتبر “تجربة مغربية متميزة تحتدى في الفضاء العربي”.
2. تكريم الرموز: اقترح التفكير في إطلاق أسماء الفنانين والكتاب المغاربة الراحلين الذين تركوا بصمات عميقة في الذاكرة الوطنية على بعض دور الشباب ودور الثقافة، كـ “خطوة نبيلة في اتجاه تكريم رموزنا وترسيخ ثقافة الاعتراف”.
3. تدوير المهرجانات الكبرى: انطلاقاً من الإيمان بأهمية اللامركزية الثقافية وضمان عدالة الولوج، اقترح تدوير تنظيم المهرجان الوطني للفيلم (المقام بطنجة) والمهرجان الوطني للمسرح (المنظم بتطوان) بين مختلف مدن المملكة.
دعوة إلى تجاوز المقاربة التجزيئية
في الختام، شدد الفريق الاشتراكي على أن الاستثمار في الشباب والثقافة “ليس نفقات إضافية، بل هو استثمار في مستقبل المغرب واستقراره”. ودعا الحكومة إلى تجاوز “المقاربة التجزيئية الحالية” والانتقال إلى “رؤية وطنية شاملة تضع الشباب في قلب النموذج التنموي”.
وطالب الفريق بضمان العدالة المجالية وإعادة الاعتبار للبنيات الثقافية والشبابية، وربط البرامج بأهداف قابلة للقياس وتوفير آليات تقييم فعلية وشفافة. كما حث على اعتماد سياسات خاصة للجهات الحدودية، وعلى رأسها جهة الشرق، التي تحتاج إلى برامج مستعجلة تعالج جذور الأزمة وتفتح آفاقاً جديدة أمام شبابها. مؤكداً أن الشباب المغربي لا يحتاج إلى المزيد من الوعود، بل إلى “مبادرات جادة… ورؤية حكومية تضمن له المشاركة والتمكين والكرامة والأمل في المستقبل”.








