دعوة ملكية غير مسبوقة تضع الأحزاب أمام تحدي صياغة مقترح الحكم الذاتي للصحراء

الرباط – 11 نزفمبر 2025
في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة، استضاف مقر رئاسة الحكومة في المشور السعيد اجتماعاً هاماً ضم رؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان. جاء هذا اللقاء بدعوة وتوجيهات من الملك محمد السادس، الذي أكد على ضرورة إشراك الأحزاب في صياغة تصور تفصيلي ومُحَيَّن لمقترح الحكم الذاتي للصحراء.
فيما يلي تقرير مستخلص مما جاء حلقة من حلقات “كلام في السايسة” للزميل توفيق بوعشرين:
يتمحور الاجتماع حول “أخطر ملف” ضمن الأجندة المغربية، والذي يحمل طابعاً سياسياً، استراتيجياً، عسكرياً، دبلوماسياً، ووطنياً. ويهدف إلى إعداد مذكرات تعكس تصورات الأحزاب وآراءها واقتراحاتها لهذه الخطوة الكبيرة.
الحضور الملكي والحكومي الوازن 👑
على الرغم من أن الملك محمد السادس لم يكن في المغرب (إذ كان في الإمارات العربية المتحدة)، إلا أن ثقله ومتابعته للملف كان واضحاً من خلال مستوى الحضور والمقاربة التشاركية.
شهد اللقاء حضور جميع الأمناء العامين للأحزاب الممثلة في البرلمان، بما في ذلك أحزاب الأغلبية والمعارضة. ومن الملفت للنظر، حضر عبد الإله بن كيران، الذي لا يحضر عادة هذه الاجتماعات، حيث التقى بعزيز أخنوش، فيما وُصف بـ “سلام بارد”.
تم افتتاح اللقاء من قبل المستشار الملكي المكلف بالملفات الدبلوماسية، الطيب الفاسي الفهري. أما توضيحات السياسة وتأطير النقاش، فقد قام بهما المستشار رقم واحد في الديوان الملكي، فؤاد علي الهمة، والذي وُصف بأنه “رئيس الأوركسترا”. كما حضر أيضاً المستشار عمر عزيمان، المكلف بالشق القانوني والقضائي والحقوقي.
إلى جانب المستشارين الثلاثة، حضر الاجتماع كل من وزير الخارجية ناصر بوريطة ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت.
المهمة والآجال الضيقة ⏳
استغرق اللقاء حوالي ثلاث ساعات، وتمحور حول الدعوة الملكية لتقديم مذكرات. وقد أكد الطيب الفاسي الفهري، نقلاً عن أكثر من مصدر، أن الملك ألحّ على إشراك الأحزاب لتقديم مقترحاتها وتصوراتها لتحيين مقترح الحكم الذاتي الذي سيُقدم للأمم المتحدة.
هذا الإشراك لم يأتِ بمبادرة من الأحزاب، التي لم يسبق لأي منها أن طلبت المشاركة في وضع تصور الحكم الذاتي. بل جاءت المبادرة تلقائياً من القصر الملكي لأجل تحقيق هدفين رئيسيين:
1. الإشراك المباشر في وضع التصور التفصيلي للحكم الذاتي.
2. الحفاظ على جو التعبئة والإجماع الوطني حول القضية الوطنية الأولى، وإعطاء رسالة للرأي العام الداخلي والخارجي بأن الملف يُدار بإجماع وطني.
وبسبب ما وُصف بـ “الاستعجال” وضغط الأمم المتحدة، طُلب من رؤساء الأحزاب إعداد وتقديم هذه المذكرات في فترة زمنية ضيقة تتراوح ما بين 10 أيام وأسبوعين.
ثقة حذرة وغياب للمعلومات التفصيلية 🤔
أشارت الانطباعات الأولية التي نُقلت عن مصادر حضرت الاجتماع إلى أن الأجواء كانت إيجابية، وغلب عليها “الثقة في النفس” ممزوجة بـ “حذر شديد وإرادة جدية وحازمة” للذهاب نحو صياغة مقترح حقيقي للحكم الذاتي يلقى القبول من الأمم المتحدة والشركاء الدوليين.
لكن المعلومة الأبرز كانت أن لم تُعطَ لرؤساء الأحزاب أية معلومات غير معروفة مسبقاً. لم يتم تزويدهم بتصور الدولة لآفاق الحكم الذاتي، توقيته، المرحلة الانتقالية، مداه، أو حتى الخطوط العريضة لاستراتيجية التفاوض مع الأطراف الأخرى (الجزائر/البوليساريو).
وعندما طُرح هذا السؤال من قبل أحد زعماء الأحزاب، أكد المستشارون استعدادهم التام لتقديم أي معلومة أو معطيات أو تدقيقات تطلبها الأحزاب. ويفهم غياب هذه المعلومات التفصيلية في الاجتماع على أنه إفساح المجال للأحزاب لكي تقترح بحرية تامة.
ويُشكل هذا التكليف تحدياً كبيراً للأحزاب، التي اعتادت أن يكون ملف الصحراء حكراً على الدولة، والتي قد تفتقر إلى الخبراء المتخصصين في القانون الدولي أو ملف الصحراء لإنجاز هذه المذكرات في الآجال المحددة.
دلالات المكان وتأكيد الدور الملكي 🎯
كان انعقاد الاجتماع في مقر رئاسة الحكومة بالمنشور السعيد له دلالة شكلية. فرغم أن رئاسة الحكومة هي المكان المخصص لذلك، إلا أن تدبير ملف الصحراء يظل بيد القصر الملكي بالأساس، وليس بيد الحكومة أو الأحزاب. رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، جلس كـ “الآخرين” على نفس الكراسي مع باقي الأحزاب، مما يؤكد أن الملف لا يُدار من طرف الأغلبية الحكومية.
هذا الاجتماع، الذي جاء بعد قرار مجلس الأمن الذي اعتبر مقترح الحكم الذاتي هو المقترح “الأكثر جدية ومصداقية ومعقولية وإمكانية” ليكون أساس حل النزاع، يهدف إلى خلق الإجماع الوطني حول مشروع الحل، وإظهار أن المغرب جادّ في الذهاب نحو حكم ذاتي حقيقي.
كما أن توجيه الأحزاب بالحرص على الوحدة والانسجام وعدم تجاوز حدود معينة في التنافس والصراع خلال السنة الانتخابية القادمة، يؤكد على حساسية المرحلة التي يمر بها الملف.









