إصدار “كرونولوجيا الأحداث”: رواية ممتدة لملحمة الصحراء المغربية من وادي المخازن إلى أفق 2025

في نوفمبر 2025، حين يلتقي الماضي بالحاضر في ذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يخرج إلى النور مرجع تاريخي يُعيد صياغة سيرة الأرض والأمة.
كأنها صفحات من مخطوطة قديمة، تُفتح أبواب الذاكرة الجماعية لتكشف عن مسار طويل من الوحدة والكفاح، أصدرت مؤسسة تمغربيت للثقافة والفنون والعلوم، في طبعته الأولى لعام 1447هـ/2025م، كتاباً يحمل عنواناً يلخص جوهر الرواية المغربية: «الصحراء المغربية والمسيرة الخضراء.. كرونولوجيا الأحداث». مؤلفه، الأستاذ خليل بن الشهبة، يقدم في هذه الـ216 صفحة، ليس مجرد توثيقاً زمنياً، بل بياناً في الوفاء لتاريخ يمتد عبر القرون، يبدأ من أصداء معركة وادي المخازن في القرن الحادي عشر الميلادي – حيث انتصرت السيوف المغربية على أساطيل الغزاة – ويصل إلى أحداث نوفمبر 2025، حيث تتواصل بناء الدولة الحديثة على أسس السيادة الوطنية.
يأتي هذا الإصدار كباكورة لسلسلة “موسوعة المسيرة الخضراء“، في سياق احتفاء وطني بالذكرى الخمسينية لتلك الملحمة السلمية التي غيرت وجه التاريخ. وكأن المؤسسة، بقيادة الدكتور عبد الله بوصوف، ترسم لوحة تاريخية حية، حيث يُشرف بوصوف الكتاب بتقديم علمي يُبرز أن قضية الصحراء ليست مجرد حدود جغرافية، بل “قضية وجود وهوية“، ترتبط بجوهر الأمة المغربية. في كلماته، يُعيد بوصوف إحياء الروح الوطنية، مشدداً على دور هذا العمل في صون الذاكرة الجماعية، التي تُشكل الدرع الأقوى أمام التحديات المعاصرة.يتبع المؤلف منهجاً كرونولوجياً دقيقاً، يتتبع الأحداث سنةً بعد سنة، وشهراً بعد شهر، في صيغة تجمع بين الصرامة العلمية والحماسة الوطنية. ينقسم الكتاب إلى خمسة أجزاء رئيسية، كل منها فصل في رواية الوحدة الترابية:
- الجزء الأول: الجذور التاريخية للوحدة الترابية (من القرن 11م إلى القرن 19م)، حيث يعود بن الشهبة إلى جذور السيادة المغربية، مستعيداً عهود الدول الإسلامية التي امتد نفوذها إلى أقاصي الصحراء، وكيف شكلت هذه الجذور أساساً للكيان الوطني قبل أن تُهدد بالاستعمار.
- الجزء الثاني: التحولات الاستعمارية وبروز القضية الوطنية (1912–1956)، يروي فيه المؤلف كيف فرض الاستعمار الفرنسي والإسباني تقسيماً مصطنعاً للأرض، لكن روح المقاومة المغربية بدأت تُعيد رسم الخريطة، مع إشراقة استقلال 1956 كفجر جديد.
- الجزء الثالث: مسار دروب التحرير من خطاب محاميد الغزلان إلى تدويل قضية الصحراء (1957–1974)، يُبرز هنا التحولات السياسية، من الخطابات النارية التي أشعلت شعلة التحرير إلى محاولات التدويل التي سعى إليها الخصوم، في محاولة لفصل الصحراء عن الجسد المغربي.
- الجزء الرابع: المسيرة الخضراء ملحمة وطنية موثقة بالأيام (1975)، الفصل الأبرز، الذي يُعيد إحياء أيام نوفمبر 1975، حين خرج مئات الآلاف من المغاربة في مسيرة سلمية غيرت مجرى التاريخ، محققة الوحدة بقوة الإرادة الشعبية والحكمة الملكية.
- الجزء الخامس: استكمال الوحدة وبناء الدولة الحديثة (1975–2025)، يُغلق الرواية بفصول معاصرة، تُوثق الجهود التنموية والدبلوماسية التي عززت السيادة، وصولاً إلى أحداث 2025، حيث تُكتب صفحات جديدة في بناء الدولة القوية.
لكن الكتاب لا يقف عند الحدود النصية؛ فهو يتضمن ملحقاً فنياً يُضفي لمسة جمالية على الرواية التاريخية. يجمع هذا الملحق صوراً لعشرين لوحة من معرض “المسيرة الخضراء”، أنجزها الفنانان التشكيليان مصطفى حلوان ومحمد الشرقاوي السلامي. هذه اللوحات، التي تجسد رموز الملحمة – من الرمال الذهبية إلى أعلام الوحدة – تأتي كجسر بين التاريخ والفن، احتفاءً بالذكرى الخمسينية. وكأنها تُذكرنا بأن الذاكرة ليست مجرد كلمات، بل ألوان وصور تُحيي الروح الوطنية.
في مقدمته، يُعبر الأستاذ بن الشهبة عن جوهر عمله قائلاً: «هذا الكتاب ليس مجرد سرد زمني للأحداث، بل هو بيان في الوفاء للتاريخ المغربي، واستحضار لِذاكرةٍ جماعيةٍ حيةٍ ترى في الصحراء المغربية رمزاً للكرامة والوحدة والسيادة». هذه الكلمات تُلخص الروح التي يحملها الكتاب، مدعوماً بقائمة شاملة من المراجع والمصادر، تضمن الدقة التوثيقية.
ويُكمل هذا الإصدار جهود مؤسسة تمغربيت في ترسيخ رسالتها، من خلال منصة رقمية بعنوان “مكتبة الصحراء” (sahralibrary.com)، التي تُوفر إمكانية الوصول إلى هذه الرواية للأجيال الجديدة. بهذا، لا يُغني الكتاب المكتبة المغربية والعربية بمرجع يجمع بين الدقة والرؤية الوطنية، بل يُعيد كتابة التاريخ كقصة مستمرة، تُلهم الأمة للحفاظ على وحدتها في وجه العواصف.
في زمن يتسارع فيه الزمن، يبقى هذا الكتاب شاهداً حياً على أن الذاكرة هي السلاح الأقوى، والصحراء ليست أرضاً، بل نبضاً في قلب المغرب.








