الصحراء: انتصار دبلوماسي تاريخي للمغرب في مجلس الأمن

شهدت الدبلوماسية المغربية “نصراً دبلوماسياً” تمثل في القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء الغربية. ويُعتبر هذا النجاح بمثابة انتصار شخصي سيخلد فترة حكم الملك محمد السادس.
اعتماد خطة الحكم الذاتي
في خطوة تاريخية، أيّد مجلس الأمن خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء ضمن المملكة المغربية. كانت هذه الخطة قد اقتُرحت منذ عام 2007، ولم يتم اعتمادها بهذه الصيغة من قبل مجلس الأمن سابقاً. وقد تم تمرير القرار بأغلبية 11 صوتاً، مع امتناع ثلاث دول هي الصين وروسيا وباكستان، بينما رفضت الجزائر، وهي عضو غير دائم في المجلس، المشاركة في التصويت.
يأتي هذا الإقرار الأممي تتويجاً لسلسلة من الاعترافات الدولية، بعد أن حصل المغرب بالفعل على اعتراف الولايات المتحدة بـ”مغربية الصحراء” في إطار اتفاقيات أبراهام، تبعتها إسبانيا بعد فترة وجيزة، ثم فرنسا بقرار من الرئيس ماكرون في العام الماضي، بعد أن كانت تلتزم موقف الحياد الملتزم.
وقد أثار هذا الانتصار فرحة عارمة في الشوارع، وشبهه البعض بالانتصار في كأس العالم أو مباراة كرة قدم. بل إن البعض اقترح جعل تاريخ 31 أكتوبر عيداً وطنياً.
استراتيجية وجودية ودبلوماسية نشطة
تُعتبر قضية الصحراء بالنسبة للمغرب “قضية وجودية” وليست مجرد قضية مهمة. فبعد انسحاب إسبانيا ووفاة فرانكو، أطلق الملك الحسن الثاني المسيرة الخضراء لاحتلال هذا الإقليم سلمياً، والذي يطالب المغرب بالسيادة عليه. ومنذ ذلك الحين، يواجه المغرب جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم، وتتلقى الدعم من الجزائر.
كما أثبتت استراتيجية المغرب الدبلوماسية النشطة فعاليتها؛ فبعد انسحابه من الاتحاد الأفريقي لمدة 33 عاماً (في سياسة “الكرسي الفارغ”) بسبب قبول الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، عاد إليه في عام 2017. ويُعتبر هذا العودة “أفضل طريقة” لإثبات وجهة نظره.
اللغة المشروطة ومخاوف الاستقرار
على الرغم من الدعم الواضح للمغرب، فإن القرار الصادر عن مجلس الأمن لا يفرض نهاية حتمية للصراع، إذ يستخدم لغة مشروطة. فالنص يطلب من الأطراف دراسة الخطة المغربية للحكم الذاتي من أجل التوصل إلى “حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين يضمن حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”. ويعتبر مجلس الأمن أن الحكم الذاتي الحقيقي “يمكن أن يمثل حلاً من أكثر الحلول واقعية“.
يكمن جوهر النجاح في أن المجلس بات يرى في خطة المغرب المعتمدة الآن “المخرج الوحيد“. كما يسود تخوف من أن يؤدي إنشاء دولة صحراوية مستقلة إلى ظهور “دولة هشة” قد تكون عرضة للتدخلات الخارجية أو هشة على مستوى الاستقرار.
رد الفعل الحكيم والمستقبل المفتوح
يُعد هذا التصويت “لحظة مفتاحية” للملك محمد السادس لأنه قد يسمح له بدخول التاريخ كالشخص الذي أنهى هذا النزاع، إذا ما اكتملت العملية. وقد كان رد فعل الملك حكيماً، حيث مد يده للصحراويين، بمن فيهم المتواجدون في مخيمات تندوف، مؤكداً أنه لن يكون هناك فرق بين المغاربة. والأكثر أهمية، مد الملك يده للجزائريين، مؤكداً أنه “لن يكون هناك غالب ولا مغلوب“.
لقد اختار المغرب، وهو في موقع قوة، أن يتصرف بذكاء وتفتح، متجنباً “روح الانتصار المفرط” التي كان يمكن أن تزيد من تسميم العلاقات مع الجزائر. لكن في المقابل، رفضت جبهة البوليساريو هذا القرار “بشكل واضح ونهائي“، لأنه يمثل نهاية لوجودها.
بناء السلام الحقيقي
إن الإطار الحالي “موات جداً للمغرب“، ولكنه يتطلب بناء “السلام الحقيقي الذي لم يتحقق بعد”. ولن يُطبّق حل حقيقي إلا إذا لم يكن هناك “روح انتقام” لا لدى الصحراويين ولا لدى الجزائريين. ويجب أن يرى الصحراويون مستقبلهم ضمن حكم ذاتي تحت السيادة المغربية، مع ضمان حقوقهم الثقافية واستفادتهم من التنمية الاقتصادية في المنطقة.
ويجب على الجزائر أن تدرك أن “الرياح معاكسة” وأنه لم يعد بالإمكان التشكيك في خطة المغرب هذه، حتى لو لم يتم قبولها فوراً من قبل السكان المحليين. أفضل حل لجميع الأطراف هو أن تُفتح “مفاوضات التسامح” في أقرب وقت ممكن، لكي يتم التوصل إلى حل يعيد الاستقرار والتعاون بين الجزائر والمغرب.
 
 








