الرياحي.. شاعر الأوتار ووهج الذات في زمن التقلبات

محمد فريد الرياحي: شاعرٌ يعيش في القرن الحادي والعشرين، لكن وعيه الشعري منغرسٌ في عصورٍ سابقة، يرفض الانصياع لموجات الحداثة، ويحمل لواء القصيدة العمودية الموزونة، مؤكداً أن الشعر الحقيقي هو الذي يهزّ الوجدان عند سماعه. إنه صوت التفرد والانفراد، وله في الشعر ميزان وموقف وله القصيد الموفق.

ميزان القافية ورفض العصر

يؤمن الشاعر محمد فريد الرياحي بأن الشعر “موزون بأوتاري”، وليس موزوناً بدولار أو بدينار، مما يشير إلى قيمة الشعر الذاتية بعيداً عن الماديات أو الزخرف الزائل. هذا الالتزام نابع من نشأته، حيث تربى على الشعر العمودي الموزون والمقفى.

وبينما يتساءل البعض عن غياب القصيدة الحرة أو قصيدة التفعيلة في تجربته، يوضح الشاعر أن هذا ليس موقفاً فكرياً مسبقاً، بل اختيار تلقائي. ويرى أن كثرة أسماء الشعر المُحدَث (كالشعر المدوّر أو شعر التفعيلة أو الشعر الحر) دليل على اضطراب هذا المسمى وعدم استقراره. وبالنسبة للرياحي، فإن الشعر الحقيقي لا يموت، والشاعر الموهوب هو من يُدرك أن هذا الشعر كالعسل إذا ألهمه الإلهام.

من وحي هذا الالتزام الشعري ورفض الانسياق الأعمى، يمكن استلهام هذه الأبيات:

أنا الشاعرُ الموهوبُ في كلّ رنّةٍ

وشعريَ منْ وهجِ الأنَاغيمِ يُشرِقُ

تَرَكْتُ قَصِيدَ العَصْرِ يبدو مُعَرّباً

أبى الشِّعرُ إلا أنْ بِمِيزَانِهِ يُنْطَقُ

نرجسية الذات وفخر المتنبي

تظهر نرجسية الشاعر والفخر بالذات قوةً في شعر الرياحي. هذه السمة ليست جديدة؛ فالشاعر يرى أن أغلب الشعراء العرب، من امرئ القيس إلى المتنبي، قد ساروا في هذا الاتجاه، اتجاه تقديس الذات وحبها. وهو يصف هذا الشعور بأنه إحساس يعيشه، وليس تمثلاً أو تقليداً للشعراء القدامى، بل هو تلبية لنداء من ذاته.

يؤكد الرياحي أن الشعر ليس مجرد كلمات، بل هو “ما أنت تنوي حين دفقته”، وهو “الفتح الذي دارت مواعد الصبح في طوفانه الجاري”. وفي رؤيته لذاته الشعرية، هو الشاعر الذي “يقول من الإلهام شعراً ويرزق”، وهو “الموزون في كل نغمه”.

جغرافيا الوجدان وبحور الإلهام

تتجسد المشاعر الوجدانية والجغرافيا في قصائد الرياحي، حيث ذكر مدناً مغربية بعينها وجدة وفاس. وقد خصص مجموعة شعرية سينشرها عن وجدة، وأخرى عن فاس. يرى فاس كمدينة “لها من الوصل ألف”، تجلت في الجمال والجلال. أما وجدة، فيبدو فيها الخطر من الحفر، مما يثير أسئلة عن زمانها الغابر وعيون أثرها.

كما يلجأ الشاعر إلى مجاز “ملتقى البحرين”، ويقصد به البحر الشعري وبحر السعيدية الزرقاء، حيث يطربه بحر الشعر ويعجبه بحر الموج. وهو يرى نفسه يغوص في هذا الملتقى، شارباً بالعيون الدافقات السامقات.

وعندما سُئل عن البحور التي يجد ذاته فيها، أكد أن الشاعر الفحل هو من يملك القدرة على احتواء كل البحور الستة عشر. ومع إقراره بأن البحور الخفيفة (كالرمل والخفيف) تستقيم على اللسان في الناحية الإنشادية والغنائية، فإنه يؤمن بأن “الشعر غناء”، والشاعر الذي لا يتغنى بشعره ليس بشاعر.

تحديات العصر الحديث ودور الشاعر

على الرغم من أن الشاعر الرياحي يعيش في زمن الفيسبوك والهواتف الذكية، إلا أنه يرى أن هذا العصر “خطير”، وأن النفس البشرية لا ترتاح لهذه الأشياء الإلكترونية. ومع ذلك، يرى أن دور الشاعر مازال قائماً، فهو يعيش في المجتمع رغم ميله للتفرد.

يوجه الشاعر نصيحة للشباب والشعراء الجدد، قائلاً إن العيب الوحيد فيهم هو أنهم لا يقرأون ولا يثرون تجربتهم. الشاعر الناجح هو الذي يقرأ للشعراء القدامى والفرنسيين والإنجليز، فمن خلال القراءة المتنوعة يجد الشاعر ذاته ويستطيع أن يكون نموذجاً لا يُقلد.

وفي خضم هذه التحديات، يظل الشاعر الرياحي نموذجاً لشاعر يتفرد داخل الكثرة، يكتب عن الإلهام والأسرار، ويؤمن أن الشعر هو القوة الباقية في وجه الزمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!