عمر اعنان | رسوم التسجيل على طلبة الدكتوراه الموظفين… هل يتجه التعليم العالي نحو “منطق تجاري”؟

(الرباط، 12 أكتوبر 2023)

أثار القرار الأخير لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والقاضي بفرض رسوم تسجيل على الطلبة الموظفين في سلك الدكتوراه، موجة من الاستياء الواسع في الأوساط الجامعية والطالبية. وينظر الكثيرون إلى هذا الإجراء على أنه يعكس تحولاً مقلقاً في فلسفة التعليم العالي العمومي، ويضع حواجز مالية أمام فئات واسعة من أبناء الوطن الراغبين في تطوير كفاءاتهم العلمية والمهنية، وعلى رأسهم الموظفون.

صراع الفلسفات: من مرفق عمومي إلى منطق الأداء

تؤكد التوجهات الوطنية على أن التعليم العالي والتكوين المستمر هما رافعة أساسية للتنمية الكبرى، ويسهمان في ترسيخ مجتمع المعرفة ودعم البحث العلمي، انسجاماً مع الأهداف الوطنية. ولكن القرار الجديد يرى فيه المنتقدون تحولاً من منطق “الوطن المفتوح للجميع” إلى “منطق تجاري” يربط الحق في التكوين بالقدرة على الأداء.

ويُعد هذا التحول مثار جدل كبير، خاصة وأن الموظف المغربي، بالرغم من تقاضيه أجراً شهرياً “محدوداً في معظم الحالات”، هو في الأصل مساهم فعال في تمويل المرفق العمومي عبر الضرائب والاقتطاعات. وعليه، يصبح من “غير المنطقي” أن يُطالب مجدداً بأداء رسوم إضافية مقابل حقه في متابعة دراساته العليا، خاصة وأن الدولة تسعى في الوقت ذاته إلى الرفع من كفاءة مواردها البشرية وتحفز على البحث والابتكار.

تمييز طبقي وتناقض دستوري

يشير التحليل الوارد في سؤال النائب عمر اعنان إلى أن قرار فرض الرسوم يكرس تمييزاً طبقياً ومجالياً داخل الجامعة المغربية. إنه لا يأخذ بعين الاعتبار التفاوت الكبير في الأجور بين القطاعات، ولا فوارق تكاليف المعيشة بين الجهات. وهذا يجعل القرار “غير منصف في جوهره”، بل ويُعتبر منافياً لمبدأ تكافؤ الفرص الذي يضمنه الدستور.

كما أن ربط تمويل البحث العلمي بمساهمات الأفراد، بدلاً من تعزيز الدعم العمومي وتوسيع الشراكات مع الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات الوطنية، يعكس “مقاربة جباياتية ضيقة”. هذا المنحى يُفرغ سلك الدكتوراه من روحه الأكاديمية ويحول الجامعة إلى فضاء انتقائي لا يستوعب إلا القادرين على الدفع، في وقت “تحتاج فيه بلادنا إلى كل طاقاتها العلمية والفكرية”.

دعوة للمراجعة وبحث عن بدائل تمويلية

بناءً على التداعيات الاجتماعية والقانونية والاقتصادية للقرار، وُجهت تساؤلات مباشرة للسيد الوزير، مطالبة بتوضيحات حول الأساس القانوني والتنظيمي الذي استندت إليه الوزارة لفرض هذه الرسوم والتمييز بين الموظفين وغير الموظفين.

كما تم التساؤل عن تقييم الوزارة للأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذا القرار، خاصة على فئة الموظفين ذوي الدخل المحدود. والأهم من ذلك، طرحت مطالب عاجلة حول:

1. الكيفية التي يتلاءم بها هذا الإجراء مع التزامات الدولة بضمان مجانية التعليم كمبدأ دستوري واجتماعي.

2. البدائل التمويلية الممكنة لدعم البحث العلمي دون المساس بحق الموظفين في التكوين المستمر.

3. إمكانية مراجعة هذا القرار أو تجميده مؤقتاً، في انتظار فتح نقاش وطني موسع حول سبل تمويل الجامعة العمومية وضمان عدالتها الاجتماعية والمجالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!