الندوة الدولية السادسة حول “الأسرة والصحة النفسية” تناقش تحديات الواقع ورؤى المستقبل في الدار البيضاء

الدار البيضاء، أكتوبر 2025
اختتمت فعاليات الندوة الدولية السادسة حول موضوع “الأسرة والصحة النفسية: الواقع والتحديات والرؤى المستقبلية” التي نُظمت على مدى يومين، 22 و 23 أكتوبر 2025، في المكتبة الجامعية محمد السقاط بالدار البيضاء. وقد نُظمت هذه الندوة الهامة بجهود مشتركة من مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون بالتعاون مع معهد الدوحة الدولي للأسرة، وبشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة وجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.
سياق الندوة وأهدافها
تأتي هذه الندوة في ظل وضع صحي نفسي معقد على الصعيدين العالمي والعربي. وتشير الإحصاءات إلى أن ربع سكان العالم يُصابون باضطرابات نفسية خلال حياتهم، مما يؤدي إلى تأثير كبير على العجز والإعاقة. كما يواجه العالم العربي وشمال إفريقيا ارتفاعاً في معدلات الاكتئاب والقلق، خاصة بين النساء والشباب، ونقصاً في الموارد البشرية والطبية المتخصصة. بالإضافة إلى ذلك، يسلط السياق الضوء على التأثير المدمر للحروب والصراعات على الصحة النفسية للأفراد والأسر.
تهدف الندوة إلى تبادل الخبرات ومناقشة التحديات ووضع استراتيجيات مستقبلية لدعم الأسرة والصحة النفسية، وصولاً إلى إعداد مذكرة اقتراحية للمساهمة في توجيه السياسة العمومية في هذا المجال. وأكدت رئيسة مركز الدراسات الأسرية، الدكتورة خديجة مفيد، أن الأسرة تُعد متلازمة بنيوية للصحة النفسية، وأن تحقيق مقاصدها يعتمد على حسن تمثل الأدوار وضبط الوظائف.
الأسرة كركيزة للوقاية والدعم
أكدت الدكتورة شريفة العمادي، المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة، على الدور المحوري للأسرة في الوقاية والدعم والعلاج. وقد تناول الخبراء على مدار اليومين أربعة محاور علمية رئيسية.
1. الجلسة العلمية الأولى: صعوبات وتحديات الصحة النفسية الأسرية ركزت هذه الجلسة على التحديات التي تواجه الأسرة، ومن أبرز المداخلات دراسة للدكتور حمود فهد القشعان من جامعة الكويت حول العقم وعلاقته بالصحة النفسية والاكتئاب في الأسرة. وأظهرت النتائج أن مستويات الاكتئاب كانت أعلى لدى الزوجات المصابات بالعقم مقارنة بغير المصابات، ويزيد الاكتئاب لديهن بسبب عوامل ديموغرافية مثل عدم عمل المرأة وطول مدة العلاج. كما تناولت الدكتورة سارة بميرة من مونتريال (كندا) تأثير العائلات والتمثلات الاجتماعية على المرض النفسي من التشخيص إلى العلاج، مقارنة بين النموذج الغربي التقليدي والمفاهيم الإسلامية القديمة. كما تم إبراز الدور الحيوي للدعم الأسري كركيزة في علاج مرضى الاكتئاب.
2. الجلسة العلمية الثانية: الصحة النفسية للأسرة في وضعية صعبة سلطت هذه الجلسة الضوء على الأسر التي تعيش تحت ضغط. ومن المواضيع المطروحة تأثير صعوبات الانتباه والتعلم على دينامية العلاقات الأسرية، حيث يجد الوالدان أنفسهما تحت ضغط متزايد مما يؤثر على التواصل والتوازن العاطفي. كما تم مناقشة الأسر وتحديات وضعيات الإعاقة. ففي المغرب، تصل نسبة الإعاقة إلى 6.8%، مما يعني أن أسرة واحدة من بين كل أربع أسر تضم شخصاً في وضعية إعاقة. وتطرقت المداخلات إلى دور الأسرة في تشكيل الصحة النفسية للطفل والمراهق، حيث يمكن أن تكون الأسرة حاضنة وقائية أو مصدراً للاضطرابات نتيجة أنماط التربية القاسية أو المهملة. بالإضافة إلى ذلك، تم بحث حالة أطفال الآباء الذين يعانون من اضطرابات نفسية، حيث يزيد لديهم خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية بحوالي 2.5 مرة، مع الإشارة إلى ظاهرة “الأبوة” (Parentification) حيث يتحمل الأطفال مسؤوليات غير مناسبة لسنهم.
3. الجلسة العلمية الثالثة: سياسات الصحة النفسية ومقارباتها البينية ركزت هذه الجلسة على الأبعاد السياساتية، حيث قدمت الدكتورة هالة الأحمدي، مدير السياسات الأسرية بمعهد الدوحة الدولي للأسرة، تحليلاً لـ تأثير الحروب والهجرة الإقليمية على الصحة النفسية للأسرة العربية. وأشارت إلى أن الأوضاع الكارثية (مثل النزوح القسري الذي بلغ 123.2 مليون شخص عالمياً حتى نهاية 2024، وأزمة غزة والسودان) تؤدي إلى اضطرابات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة وتفكك الروابط الأسرية. وأبرزت المداخلة أهمية تطوير سياسات مستجيبة وداعمة للتماسك الأسري. كما نوقشت الاضطرابات القلقية وكيفية فهمها والتعامل معها، وأهمية المناعة النفسية واستراتيجيات تعزيزها داخل الوسط الأسري.
4. الجلسة العلمية الرابعة: العلاج الأسري والصحة النفسية شهدت هذه الجلسة مداخلات دولية متخصصة. تناولت فابيان فورتين (فرنسا) برنامج “دعم العائلات والأبوة” (PSFP)، وهو برنامج وقائي مدعوم بأدلة علمية لتعزيز الكفاءات الوالدية والنفسية-الاجتماعية للأطفال والآباء. كما قدم الدكتور زين العابدين بن زوية (المغرب) مداخلة حول المقاربة الروحية والنسقية في العلاج النفسي الأسري، مؤكداً أن هذه المقاربة لها دور محوري وجوهري في مواجهة الاضطرابات النفسية الأسرية. وتناولت الدكتورة سعاد السبع (المغرب) العلاج الأسري والمنهج التكاملي، مؤكدة أن الأسرة هي نواة للصحة النفسية، وأن العلاج الأسري يحول الأسرة من عامل خطر إلى عامل حماية. كما ناقش الدكتور محمد حميدة (مصر) الصحة النفسية الأسرية في السياق العربي، مقترحاً نموذج تدخل سريع منخفض التكلفة يدمج الفحص السريري والبروتوكولات التدريبية.
وتضمنت الجلسة الختامية مناقشة وقراءة للتوصيات وتوزيع الشهادات والدروع.
الخلاصة: أكدت الندوة على أن الصحة النفسية الأسرية هي ركيزة أساسية لاستقرار المجتمع، وأنها تعكس قدرة الأسرة على التواصل الفعال وإدارة الضغوط. ودعا المشاركون إلى ضرورة دمج البرامج الوقائية والعلاجية في الممارسات النفسية والاجتماعية، وإدراج التربية النفسية الأسرية في المقررات الدراسية والحملات التحسيسية للمجتمع.