تأجيل مناقشة مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة: علامة على تصاعد الجدل السياسي والمهني في المغرب

الرباط – 20 اكتوبر 2025
في خطوة تعكس عمق الخلافات السياسية والمهنية حول مستقبل الإعلام المغربي، أعلنت رئاسة لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، يوم الاثنين 20 أكتوبر 2025، عن تأجيل ، الى موعد لاحق، اجتماعها المقرر يوم الأربعاء 22 أكتوبر، والذي كان مخصصاً للشروع في المناقشة العامة لمشروع قانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة. وجاء التأجيل بناءً على طلب مشترك من الفريق الحركي، وفريق الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، ومجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)، إضافة إلى المستشارة البرلمانية بنى علوي والمستشار خالد السطي، وذلك وفقاً لمقتضيات المادة 112 من النظام الداخلي للمجلس.

يأتي هذا التأجيل في وقت يشهد فيه المشروع، الذي وافق عليه مجلس النواب بالأغلبية في 22 يوليو 2025 بنتيجة 87 موافقاً مقابل 25 معارضاً و5 ممتنعين، جدلاً واسعاً يتجاوز جدران البرلمان إلى أوساط الصحفيين والمنظمات الحقوقية.

فبعد إحالته إلى مجلس المستشارين في 23 يوليوز الماضي، شهد المشروع يوماً دراسياً في 13 أكتوبر برحاب البرلمان، حيث أعربت هيئات مهنية عن مخاوفها من أن يحول النص المجلس من هيئة تنظيم ذاتي إلى “جهاز إداري خاضع لوصاية السلطة التنفيذية“.

سياق المشروع: إصلاح أم تضييق؟

يهدف مشروع القانون رقم 26.25، كما يُفسر في نصوصه، إلى “تعزيز فعالية المجلس الوطني للصحافة في التنظيم الذاتي للمهنة وتحصين القطاع بكيفية ديمقراطية“، وفقاً لما أعلنته الحكومة في يوليو 2025.

ومن أبرز مستجداته توسيع صلاحيات المجلس عبر إحداث آليات ضبط جديدة، بما في ذلك عقوبات على الانتهاكات المهنية، وتغيير آلية انتخاب أعضائه لتشمل تمثيلاً أوسع للناشرين بناءً على “رقم المعاملاتبدلاً من المقروئية أو التعددية. كما قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة في سبتمبر 2025، داعياً إلى تعديلات تضمن استقلالية المهنة وحماية حرية التعبير.

ومع ذلك، أثار هذا النص موجة من الانتقادات الحادة. ففي تقرير نشرته الجزيرة في يوليو 2025، وُصف المشروع بأنه “يواجه انتقادات واسعة” من نقابات الصحفيين، التي ترى فيه محاولة للتضييق على حرية الصحافة من خلال إدخال آليات انتداب غير مباشرة وتعزيز السيطرة الحكومية.

وفي تصريحات لـ”تلكل“، وصف وزير الاتصال مصطفى العمراني الانتقادات بأنها “زوبعة غير مبررة“، مؤكداً أن النص يوفر “ضمانات ضرورية لحماية الصحفيين وتعزيز التنظيم الذاتي“.

أما فرنسا 24، فقد سلطت الضوء في غشت 2025 على التباين بين الأغلبية الحكومية، التي ترى فيه إصلاحاً ضرورياً، والمعارضة والنقابات التي تتهمه بـ”التحكم في الإعلام“.

أسباب التأجيل: ضغوط مهنية وسياسية

يُعد طلب التأجيل، الذي جاء من جهات تمثل عمالاً (نقابات عمالية/المهنيين) ومستشارين برلمانيين، تعبيراً عن الضغوط المتزايدة على الحكومة لإعادة النظر في المشروع. فالفريق الحركي، الذي ينتمي إليه المستشار خالد السطي، والنقابات مثل UMT وCDT، التي تمثل آلاف الصحفيين، أعربت مراراً عن رفضها لما تراه “مقتضيات تنفيذية” قد تحول المجلس إلى أداة رقابية.

وفي سياق مشابه، أشارت منظمة “الأجندة القانونية” في سبتمبر 2025 إلى أن النقابات “جددت رفضها” للنص، مطالبة بإصلاح أوسع لمنظومة الإعلام يشمل دستورية حرية التعبير.

من جانبها، أكدت المستشارة بنى علوي، في تصريحات سابقة، أن “الورش التشريعي يجب أن يكون فرصة لإنقاذ القانون من التحديات“، مشيرة إلى ضرورة دمج آراء الهيئات المهنية لتجنب “تصعيد التوترات“.

ويُعتقد أن التأجيل إلى “موعد لاحق” سيمنح وقتاً إضافياً للتشاور، خاصة بعد يوم الدراسة الأخير، لكن مراقبين سياسيين يرون فيه إشارة إلى تراجع حكومي أمام الضغوط الشعبية والبرلمانية.

نحو مستقبل غامض للصحافة المغربية

مع اقتراب نهاية 2025، يظل مصير مشروع 26.25 معلقاً بين الإصلاح الموعود والمخاوف من التضييق. ففي حين يدافع الفريق الحكومي عنه كخطوة نحو “حكامة أفضل“،

يحذر المنتقدون من أنه قد يُضعف استقلالية الإعلام في وقت يحتاج فيه المغرب إلى تعزيز حرية التعبير، كما نص عليها الدستور.

وفي ظل هذا الجدل، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيكون التأجيل خطوة نحو توافق، أم مجرد تأخير لتصعيد أكبر؟

عبدالعالي جابري، مدير نشر “جيل24”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!