مؤرخ مغربي يوجه “تحية سبعينية” لـ”جيل Z”: الاستبداد والزبونية متجذران منذ 70 عاماً

الدار البيضاء: 17 أكتوبر 2025

في رسالة مفتوحة معنونة بـ “إلى شباب جيل Z”، وجه المؤرخ المصطفى بوعزيز، تحية “سبعينية” إلى الشباب، مُشاركاً إياهم خلاصة تجربته كمناضل يساري ومؤرخ للحركات الاجتماعية. وقدّم بوعزيز تحليلاً رصيناً للبنية السلطوية في المغرب، مؤكداً على استفحال جذور الاستبداد والفساد منذ عقود، معبراً عن أمله في أن يكون جيل الشباب الحالي هو “المستقبل المنتظر”.

جذور الأزمة وتراكم الغضب

يشير بوعزيز إلى أن القضايا الجوهرية المتعلقة بالتعليم والصحة والشغل والحريات ليست وليدة اليوم، بل لها جذور في الماضي القريب. فمنذ بداية اهتمامه بالشأن العام سنة 1971، كان يندد بالاستبداد والقمع واللامساواة والامتيازات الممنوحة لعمالء الاستعمار سابقاً.

ويصف المؤرخ المشهد السياسي بأنه صراع مستمر منذ سبعين سنة بين “مغرب المحظوظين والمستغِلين والمستبدِّين” و “مغرب المحرومين والمهمَّشين والمقموعين”. وتظل مطالب الشعب بالحقوق الجوهرية حلماً يتسع عاماً بعد عام.

ويُرجع بوعزيز السبب الرئيسي لاستمرار هذه الأزمة إلى أن جذور العجز البنيوي تكمن في الثقافة والذهنيات المتحكمة، وليس فقط في السياسة. وقد أدى تراكم الغضب في أعماق المجتمع إلى ظهور حركات احتجاجية، لكن هذا الغضب سرعان ما يُجهَض أو يعود إلى مرارته المزمنة.

المخطط التنموي الجديد والذهنية المحافظة

يحلل المصطفى بوعزيز خيارات الدولة الكبرى التي لم تتغير جوهرياً على مدى سبعين سنة، والتي تُطرح حالياً في “المخطط التنموي الجديد”. وتلخص هذه الخيارات في محاور رئيسية:

1. الارتكاز على قوة الدولة: وإعطاء الأولوية لجهازَي الأمن والقضاء.

2. التوجّهات العمودية: حيث تُبلور التوجهات الكبرى ضمن دائرة ضيقة، مع غياب الحوار الديمقراطي وتجاهل الحريات.

3. تمركز القطاع الخاص: مقابل خضوعه الدائم للسلطة، ويهدف هذا النموذج تدريجياً إلى إفراغ القطاع العام من مضمونه.

4. الدولة الاجتماعية: بالرغم من القول بالتغطية الاجتماعية، إلا أن هذا القول يظل “مجرد ارتجاج” لغياب رصد الموارد المالية الكافية والآليات الناجعة للتنفيذ.

ويندرج هذا النموذج التنموي في إطار ثقافة محافظة مؤسَّسة على الطاعة والخضوع والامتثال للأوامر، وهو ما يشكل المنبع الرئيسي للاستبداد والزبونية والفساد.

فشل البديل وغلبة الأحادية

على الرغم من محاولات التغيير التي سجلها التاريخ، إلا أن نظام الاستبداد والزبونية استطاع إعادة إنتاج نفسه. ويعزو المؤرخ ضعف قوى المجتمع (قوى الشعب المغربي)، التي كانت تحمل مشاريع بديلة، إلى عدم قدرتها على الصمود أمام الثقافة المحافظة.

ويؤكد بوعزيز أن المشكلة الرئيسية تكمن في الذهنية الجماعية المحافظة المهيكَلة على منطق ثنائي (أو عقلية أحادية). هذه الذهنية الأحادية، التي تُعد طريق الفاعل القادر على الفعل الاستراتيجي الوحيد، لا تستوعب الاختلاف بل شيطنته.

وقد نتج عن هذه الذهنية ظاهرة التشتت والانقسامات والنزوع إلى الإقصاء والمواقف الاستئصالية. وبالرغم من التباينات الراديكالية بين الخطابات (السلفية، الماركسية، الإسلاموية، التقنوية… إلخ)، فإن ممارساتها الاجتماعية والسياسية تظل واحدة على أرض الواقع، تتجلى في ضعف الإنصات وسطحية الحوار. وتبقى معادلة “الوحدة والتعدد” تنتظر حلاً ذكياً.

أمل في “جيل Z”

يختتم المؤرخ رسالته بتجديد الأمل الذي انطلق به منذ نهاية شتنبر، حينما قام بمساندة حراك 2011. ويخاطب الشباب، وهم الذين يثبتون أن “الشعب المغربي ليس عاقراً”، داعياً إياهم إلى الانتقال نحو “مجتمع منتج وديمقراطي عادل ومتكافئ”.

ويعبر المصطفى بوعزيز، الذي يدرس الحركات الاجتماعية في الجامعات، عن أمنية صادقة بأن يكون الشباب هم “المستقبل المنتظر”، لكي لا “يُغلَق القوس وتعود غصّة المرارة” ويعاد إنتاج نظام الاستبداد والزبونية والفساد من جديد.

إلى-شباب-جيل-z

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!