أزمة “جيل زد” الدستورية: هل الاستقالة هي المسار الأمثل لرئيس الحكومة المغربي؟

وجهة نظر فقط
تشهد الساحة السياسية المغربية حاليًا جدلًا دستوريًا عميقًا على خلفية احتجاجات “جيل زد” الشبابية، التي بدأت بمطالب اجتماعية واقتصادية، ثم تطورت للمطالبة بإسقاط حكومة عزيز أخنوش. يضع هذا التصعيد الحكومي/الشعبي المؤسسات الدستورية أمام تحدٍ حقيقي حول الآليات المتاحة لإنهاء مهام رئيس الحكومة، مع ضرورة الموازنة بين الاستقرار المؤسساتي والاستجابة لمطالب الشعب المشروعة.
المسارات الدستورية لإنهاء مهام رئيس الحكومة
يحدد الدستور المغربي لسنة 2011 عدة مسارات دستورية يمكن اللجوء إليها لإحداث تغيير على رأس السلطة التنفيذية. أبرز هذه المسارات هي:
1. الاستقالة الطوعية لرئيس الحكومة: يتمتع رئيس الحكومة بحق تقديم استقالته الطوعية إلى الملك. ويُعد هذا المسار دستوريًا “واضحًا وسليمًا”. وقد أشارت بعض الآراء في التعليقات إلى أن الاستقالة في ظل هذه الظروف “ليست ضعفًا، بل قد تكون تصرفًا شجاعًا يعبّر عن نبل سياسي”.
2. ملتمس الرقابة: يخول الدستور لمجلس النواب أن يعارض في استمرار الحكومة من خلال “التصويت على ملتمس رقابة” (بأغلبية الأعضاء مما يجعل هذا السيناريو مستبعد تماما)، مما يعطي مسارًا برلمانيًا لمُحاسبة الحكومة.
3. حل البرلمان: يمكن للملك أن ينهي ولاية البرلمان، وهو ما يؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة.
الجدل حول شرعية الضغط الشعبي
أثارت مطالب “جيل زد” برحيل الحكومة خلافًا دستوريًا حول مدى شرعية هذا المطلب الشعبي.
يرى الرأي الأول، الذي يمثله المحلل السياسي محمد شقير، أن المطالبة بإقالة الحكومة تُعد “اختراقًا سياسيًا” لا ينسجم مع المطالب الأصلية بإصلاح منظومتي التعليم والصحة. ويؤكد هذا الرأي أن الدستور ينص على مسارات خاصة لإقالة الحكومة، تقتصر إما على تقديم رئيس الحكومة لاستقالته أو تقديم ملتمس الرقابة، مما يعني أن المسارات الدستورية هي الأطر الوحيدة المعتمدة.
في المقابل، يرى الرأي الثاني، الذي يدعمه أستاذ العلوم السياسية عبد الحفيظ اليونسي، أن مطلب رحيل الحكومة “مطلب سياسي مشروع”. ويشير إلى أن شباب “جيل زد” يبعثون برسالة مفادها أن الحكومة “هي المسؤولة عن تردي خدمات التعليم والصحة”. ورغم أن الدستور لا ينص صراحة على آلية لاستقالة الحكومة تحت ضغط الشارع، إلا أن المنظومة الدستورية تفتح المجال لتأثير الإرادة الشعبية في القرار السياسي.
الخيارات الدستورية المطروحة وآثارها
في خضم الأزمة، برزت عدة سيناريوهات ذات آثار دستورية محتملة:
• السيناريو الأول: الاستقالة وتشكيل حكومة جديدة: يعتبر هذا المسار احترامًا كاملًا للمسار الدستوري وتجسيدًا لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”. ومن الآثار المحتملة له أنه قد يُكرس سابقة دستورية حول تأثير الضغط الشعبي على القرار السياسي. الاستقالة الطوعية تؤدي إلى تكليف رئيس حزب آخر بتشكيل الحكومة، أو اللجوء إلى انتخابات مبكرة في حال تعذر التشكيل.
• السيناريو الثاني: الاستمرار في الحوار وتسريع الإصلاحات: أعلنت الحكومة عن استعدادها للحوار مع الحركة، ناقلة النقاش من العالم الافتراضي إلى “حوار داخل المؤسسات”. هذا المسار يتناغم مع مبادئ الديمقراطية التمثيلية والحوار الاجتماعي. ومع ذلك، تواجه هذه الاستراتيجية تحديات وشكوك حول جدواها. الاستمرار دون نتائج ملموسة يحمل خطر تضاعف الاحتقان.
• السيناريو الثالث: الحل البرلماني وانتخابات مبكرة: يُعتبر هذا الخيار “الأكثر جرأة دستوريًا”، لكن تحقيقه صعب عمليًا ويتطلب توافقًا سياسيًا واسعًا في ظل التوازنات السياسية القائمة.
الخلاصة والتوصية الدستورية
يؤكد التحليل الدستوري على ضرورة تفعيل آليات المحاسبة والمساءلة، والتأكيد على التوازن الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. إن القرار الأمثل في هذه الظروف يجب أن يوازن بين احترام المساطر القانونية والدستورية من جهة، والاستجابة للحاجات الملحة للمواطنين من جهة أخرى.
الدرس المستفاد من هذه الأزمة يبرز أهمية تطوير آليات دستورية أكثر مرونة للاستجابة للحراك الشعبي السلمي في الفترات الفاصلة بين الانتخابات، مع التأكيد أن الاستقرار الدستوري لا يعني الجمود، بل القدرة على التكيف مع المتغيرات الاجتماعية. وعليه، يُقترح كمسار متوازن تسريع وتيرة الإصلاحات في قطاعي الصحة والتعليم، وتفعيل الحوار المؤسساتي.