حراك جيل زد بالمغرب: أزمة ثقة بين جيل رقمي وسلطة تقليدية

شهد الشارع المغربي مؤخراً حراكاً احتجاجياً بارزاً وغير مؤطر قادته فئة الشباب المعروفة باسم “جيل زد” (Gen Z)، والتي تُعرف كذلك بـ “جيل زد 212”. وقد عبر هذا الحراك عن عمق أزمة الثقة بين الشباب والمؤسسات السياسية التقليدية، في سياق يطالب فيه الجيل الصاعد بـ “الكرامة” و”الإصلاح الجذري“.

أولاً: هوية الجيل المحتج وأدواته

يُعتبر هذا الجيل مختلفاً تماماً بطبيعته وثقافته، فقد نشأ في عالم رقمي كلياً، وعايش أزمات عدة قبل أن ينضج، مما جعله أكثر استعداداً للتحرك والاحتجاج والمخاطرة مقارنة بالأجيال السابقة.

1. الوعي والطموح: يمتلك هذا الجيل وعياً سياسياً واجتماعياً عالياً ولديه غيرة على الوطن. وتتردد في أوساطهم عبارة مقتبسة من الخارج مفادها: “هذا جيل سيغير المغرب أكثر مما سيغيره المغرب”. ويشعر الشباب بأنهم مكلفون بمهمة وبضرورة ترك بصمة مختلفة عن بصمة جيل آبائهم.

2. أدوات التنظيم والتواصل: يعتمد هذا الجيل بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي كالفضاء الأثير للتعبير والتنظيم، مثل الفيسبوك والتيك توك والإنستغرام. كما استخدموا منصات مغلقة مثل ديسكورد (Discord) لتنظيم احتجاجاتهم، حيث يعلنون أماكن الاجتماع في آخر لحظة أو يغيرونها كتكتيك جديد.

3. رفض لغة الرموز: يرفض هذا الجيل لغة الإشارات والرموز السياسية التقليدية المعمول بها في المغرب منذ زمن طويل، ويكرهون هذا الأسلوب في التواصل. ويطالبون بالوضوح، والصراحة، وحتى “الوقاحة” أحياناً.

ثانياً: المطالب الأساسية وسقف الاحتجاج

بدأ الحراك بمطالب اجتماعية مشروعة، لكنه عكس قناعة بأن الفساد هو جوهر المشكلة.

الصحة والتعليم: تُعد المطالب بتقوية الخدمات الصحية والتعليمية للجميع حقوقاً دستورية وطبيعية. ويشددون على أن إصلاح قطاع الصحة لا يتم بعصا سحرية ويتطلب تفكيراً عميقاً وشجاعة.

الأولويات: رفع الشباب شعارات تشير إلى أن أولوياتهم الحقيقية هي الصحة والتعليم وليس الإنفاق على البنى التحتية أو تنظيم كأس العالم وكأس أفريقيا.

البطالة والكرامة: المطالبة بتوفير فرص الشغل والعدالة الاجتماعية الحقيقية.

تصاعد السقف: شهدت الاحتجاجات في بعض المدن، مثل فاس، تصعيداً في سقف المطالب .

ثالثاً: المقاربة الحكومية وأزمة التواصل

واجهت الحكومة الحراك باتهامات بالبطء واللامبالاة، مما زاد من حدة الغضب.

1. تأخر البيان الحكومي وضعفه: لم تخرج الحكومة ببيان الأغلبية إلا بعد أيام من بدء الاحتجاجات. وقد وُصف البيان بأنه “ساخر جداً” و”بارد مقتول” و”تقليدي” و”مليء بالعبارات الفضفاضة“. كما واجهت الحكومة تناقضاً كبيراً في بلاغها؛ حيث “أحيَت الطموح” الشبابي للإصلاح، وفي نفس الوقت “أحيَت التفاعل المتوازن للسلطات الأمنية”، وهو تناقض وصف بأنه “حماق وتسطية“.

2. لغة السلطة غير المباشرة: بدلاً من خروج الناطق الرسمي باسم الحكومة أو الأمن، تم التواصل رسمياً عبر “خبير أمني مجهول الهوية” بوكالة الأنباء المغربية (MAP). واعتبر هذا الأسلوب محاولة لـ “تبخيس هذه الحركة” وعدم الاعتراف بها كطرف للحوار. كما تضمن البيان الأمني تهديداً مبطناً بأن الدولة لم تستخدم بعد وسائل التدخل الاعتيادية (كالهراوات والقنابل المسيلة للدموع).

3. فقدان الثقة في المؤسسات: يرى الشباب أن الأحزاب السياسية “عاجزة” و”متخوفة” و”فقدت الإحساس بالشارع والواقع“. وهناك شبه إجماع على أن الأحزاب لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل. وقد طالب البعض بأن يقدم المسؤولون الحكوميون استقالتهم (مثل وزير الصحة والتعليم) كإشارة رمزية لاسترداد الثقة المفقودة.

4. الحوار تحت الضغط: أكد الوزير مهدي بن سعيد أن الاحتجاج حق دستوري لكنه يجب أن يتم “بطريقة قانونية” و”في إطار مؤسساتي“. وأقر بوجود “إشكال التوصل” وبأن الإنجازات لا تصل رسالتها للمواطنين. فيما شدد الوزير أنيس بيرو على أن الحكومة “تتحمل المسؤولية” وأنها مدّت اليد للحوار والإنصات.

رابعاً: الانزلاقات نحو العنف والمواجهة الأمنية

تحولت بعض المظاهرات السلمية إلى مواجهات عنيفة في مدن عديدة، وهو ما أدانه المحتجون والسلطات على حد سواء.

1. مشاهد العنف والتخريب: شملت أعمال العنف مهاجمة سيارات الشرطة والقوات المساعدة، وإضرام النار في الممتلكات العامة والخاصة (كالأبناك والمحلات التجارية)، ورجم قوات الأمن بالحجارة. وأكد مشاركون أن التخريب “مضرور بالدولة كلها” و”عيب وعار“.

2. الضحايا والتدخل الأمني: سجلت مصادر متطابقة حوادث دهس شباب بعربات الشرطة في وجدة، مما أدى لوفاة شاب على الأقل. كما شهدت الاحتجاجات إصابات خطيرة، كشاب قطعت رجلاه. وصفت الاعتقالات التي تمت بأنها “جملة” وفي “سابقة من نوعها”، وأن بعض المعتقلين يواجهون عقوبات قد تصل إلى المؤبد.

3. الدعوة للسلمية: طالب النشطاء والمحللون الشباب بشدة بالحفاظ على “السلمية” و”التحضر” كسلاح أخلاقي قوي. وحذروا من أن “العنف لا يصنع التغيير والفوضى لا تبني الأوطان”. كما نبهوا إلى أن التخريب يستفيد منه الفاسدون، حيث سيتم طرح “مارشيات” لإصلاح الأضرار التي لحقت الممتلكات العامة.

خامساً: الدور الملكي وقيادة الأزمة

يؤكد الإجماع السياسي والمؤسساتي على أن القيادة السياسية هي المسؤولة المباشرة عن تدبير الأزمة.

تجنب التدخل: يرى الباحثون أن الملكية يجب ألا تتدخل عند كل مشكل، بل يجب على الحكومة والأحزاب أن تتحمل مسؤوليتها. وقد أشار الملك سابقاً إلى ضرورة أن يقوم الوزراء والأحزاب بدورهم.

إشارات القصر: فُسرت إشارات الملك (افتتاح معرض الفرس ومباركة اليوم الوطني للصين) على أنها تخلٍ عن الحكومة ورئيسها (أخنوش).

موقف النشطاء: أكد نشطاء جيل زد أنهم لن يحملوا المسؤولية للقصر ما دامت هناك حكومة مسؤولة. وأشاروا إلى أنهم لن يطالبوا بتدخل الملك إلا بعد الوصول إلى “أفق مسدود” مع الحكومة.

مأزق الدستور: يُعتقد أن رئيس الحكومة (أخنوش) لم يقدم استقالته، رغم المطالبات، بسبب الإطار الدستوري المعقد الذي يحكم الاستقالة وتصريف الأعمال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!