شرعية السلطة الفلسطينية: جدل الأداء والتحديات المستقبلية

تظل شرعية السلطة الفلسطينية موضوعًا محوريًا في النقاشات السياسية الفلسطينية، خاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها. تأسست السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقية أوسلو عام 1993 كجزء من مسار بناء دولة فلسطينية، واستمدت شرعيتها من إعلان الدولة الفلسطينية عام 1988، الذي حظي باعتراف 160 دولة. لكن، مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي، الانقسام الداخلي، والأزمات الاقتصادية والسياسية، تتعرض هذه الشرعية لتساؤلات متزايدة حول فعاليتها ودورها في تمثيل الشعب الفلسطيني وتحقيق تطلعاته.
أسس الشرعية: قانونية قوية وواقع معقد
تعتمد السلطة الفلسطينية على أسس قانونية متينة، مستندة إلى الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ومؤسساتها التي تمثلها السلطة. هذا الاعتراف يمنحها مكانة كشريك في المفاوضات الدولية، ويتجلى في دعم مؤسسات مثل البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، التي أشادت بجهود الإصلاح الأخيرة، بما في ذلك تشكيل حكومة جديدة، إصدار قوانين حديثة، وتعزيز الرقابة المالية. كما أن وجود السلطة في رام الله، وإصدارها وثائق رسمية مثل جواز السفر الفلسطيني، يعزز من رمزيتها ككيان يمثل الكينونة الفلسطينية.
لكن هذه الشرعية القانونية تصطدم بواقع معقد. يرى منتقدو السلطة أنها تفتقر إلى السيطرة الفعلية على الأراضي الفلسطينية، خاصة في ظل السياسات الإسرائيلية التي تستهدف تقويض مقومات الدولة (أرض، شعب، حكومة، علاقات دولية) وفقًا لاتفاقية مونتيفيديو (1933). إسرائيل، من خلال تفكيك الأراضي، مصادرة الأموال، وتقييد حركة القادة، تسعى لإضعاف أهلية السلطة لتكون دولة مستقلة. هذا الواقع يثير تساؤلات حول قدرة السلطة على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، حيث يرى البعض أن إنجازاتها، مثل جواز السفر، محدودة وقابلة للإلغاء.
اختلاف وجهات النظر: بين الدفاع والنقد
تتباين وجهات النظر حول أداء السلطة الفلسطينية. من جهة، يدافع أنصارها عن دورها الوجودي كضمانة لاستمرارية الكينونة الفلسطينية. يرون أن السلطة، رغم قيود الاحتلال، نجحت في الحفاظ على هوية وطنية وقوانين فلسطينية تمنع تحول الأراضي إلى مستعمرة إسرائيلية. كما يُبرزون إصلاحاتها الأخيرة ودعمها الدولي كدليل على مصداقيتها، حيث أعلنت دول ومؤسسات دولية عن تبرعات مالية جديدة لدعمها. هذا الدعم يعكس ثقة المجتمع الدولي بآليات الرقابة والمحاسبة التي تتبناها السلطة.
من جهة أخرى، يرى منتقدو السلطة أنها “سلطة بلا سلطة”، حيث تفتقر إلى السيادة الفعلية على الأرض وتعاني من ضعف في الأداء السياسي والاقتصادي. الانقسام الداخلي مع حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، يُضعف شرعية السلطة كممثل موحد للشعب الفلسطيني. كما يُشير المنتقدون إلى أن السلطة لم تحقق تقدمًا ملموسًا في مواجهة الاحتلال أو تحسين الأوضاع المعيشية، مما يجعلها تبدو ككيان إداري أكثر منه سياسي.
إدارة غزة: اختبار الشرعية
يُعد قطاع غزة اختبارًا رئيسيًا لشرعية السلطة. هناك توافق على أن عودة السلطة إلى غزة، بعد وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، هي خطوة حاسمة لتعزيز سيادتها. لكن مقترحات الوصاية الدولية على غزة تثير مخاوف من تحويل القطاع إلى “مستعمرة”، مما يُضعف الشرعية الفلسطينية. كما أن الانقسام مع حماس يعيق هذه العودة، حيث تُثار تساؤلات حول أسباب تأخر اللقاءات بين الفصيلين، خاصة في ظل التحديات الأمنية واللوجستية.
مفارقة أوسلو: شرعية هشة
تكمن مفارقة السلطة الفلسطينية في أنها ناتجة عن اتفاق أوسلو، الذي يُوصف أحيانًا بـ”الهزيل”، لكنه أنتج مؤسسات يُخشى انهيارها. هذه المفارقة تُبرز التوتر بين طموح بناء دولة مستقلة والقيود التي فرضها الاتفاق. السلطة، رغم هشاشتها، تمثل رمزًا للكينونة الفلسطينية، لكنها بحاجة إلى تجاوز هذه المفارقة عبر إصلاحات جذرية وتوحيد الصف الوطني.
خلاصات وتوصيات
تتمتع السلطة الفلسطينية بشرعية قانونية ودولية، لكن فعاليتها تتطلب مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. لتعزيز شرعيتها وأدائها، يُوصى بما يلي:
- إنهاء الانقسام الداخلي: تسريع المصالحة مع حماس من خلال حوار وطني شامل، لضمان تمثيل موحد للشعب الفلسطيني.
- عودة السلطة إلى غزة: وضع خطة واضحة لاستعادة السيطرة على القطاع، بالتركيز على إعادة الإعمار وتقديم الخدمات.
- تعزيز الإصلاحات: مواصلة تحسين الأداء الحكومي، الشفافية، والمحاسبة لكسب ثقة الشعب والمجتمع الدولي.
- مواجهة الاحتلال: تطوير استراتيجية دبلوماسية للتصدي لمحاولات إسرائيل تقويض مقومات الدولة.
- تعبئة الدعم الدولي: الاستفادة من الدعم العربي والدولي لتعزيز القدرات المالية والسياسية للسلطة.
ختامًا، تظل شرعية السلطة الفلسطينية ركيزة أساسية للكينونة الفلسطينية، لكنها تتطلب تعزيز الوحدة الوطنية، مواجهة الاحتلال، وتحسين الأداء الداخلي لتحويل هذه الشرعية إلى سيادة فعلية، تحقق طموح الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة.