بين قمع “البروفا” وصمت السلطة: هل بات الاستقرار في المغرب مُهدداً بأزمة عدالة؟

مرة أخرى، تتحول شوارع المدن المغربية، مثل شارع محمد الخامس في الرباط والدار البيضاء، إلى مسرح لاستنفار أمني كبير ومطاردات قاسية. والضحية هذه المرة هو جيل جديد، يُطلق عليه “جيل زد”، الذي نزل إلى الشارع بناءً على دعوات غير تقليدية عبر تطبيقات مثل “ديسكورد”، حاملاً مطالب معيشية أساسية لا تقبل التأجيل.

يريد هذا الجيل الشاب، العابر للتصنيفات التقليدية، ببساطة: خدمات صحية أفضل بعد فضائح المستشفيات في أغادير ومدنانية، تعليمًا جيدًا، ومحاربة للفساد الذي يرونه رأي العين، وإصلاحًا للقضاء. هذه ليست مطالب “ترفيهية”؛ بل هي حقوق جوهرية لأي مواطن.

صوت الحق يواجه التوقيف والمنع

بدلًا من الحوار، كان الرد حاسمًا وقاسيًا: استخدام للقوة والمنع لفض تجمعات وُصفت بأنها سلمية. تطرح المصادر تساؤلاً جوهريًا ومؤلماً: “ليه أي احتجاج بيتشاف على أنه بلبلة أو تهديد للنظام العام؟”. وهل العبرة في أن “الشرطة نزلت وسيطرت على الموقف” أم أن هذا في الأصل “عنوان لأزمة أعمق وفشل في التواصل”؟.

لم يقتصر المنع على الشباب، بل طال شخصيات لها تاريخ في الدفاع عن الحقوق، ما يثير الشكوك حول طبيعة التعامل الأمني. فقد تم توقيف المناضل المخضرم عبد الحميد أمين، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والذي قضى 12 عامًا سجنًا أيام الملك الحسن الثاني. كما شملت التوقيفات المحامي فاروق المهداوي، مستشار فيدرالية اليسار.

هذه المشاهد “المؤلمة وغير المريحة”، تُفقد الدولة هيبتها في نظر الناس وتجعل الشباب يشعرون أنه “مالوش مكان في البلد دي”.

فساد الكبار وصمت المؤسسات: القانون يطبّق على الضعيف؟

تنتقل الأزمة من الشارع إلى صميم المؤسسات، مع الكشف عن اتهامات خطيرة بالفساد تطال أعلى المستويات. تركز المصادر على اتهامات نُشرت في موقع برلماندوت كوم ووجهت بشكل مباشر إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، باستغلال منصبه. وتشمل الاتهامات تدخله المزعوم لأخيه في صفقة مع صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، ومنحه أراضٍ لزوجته.

إن الأخطر والأكثر استفزازًا للمواطن، هو غياب أي رد رسمي أو نفي من وزارة الداخلية على هذه الاتهامات الكبرى. هذا الصمت “بيزود الشكوك وبيهز ثقة المواطن في المؤسسات”. ويتساءل المنتقدون: كيف يمكن للدولة أن تتجاهل اتهامات بهذا الحجم وهي تتحدث عن محاربة الفساد؟.

هيبة القضاء بين الإهانة والمحاسبة الانتقائية

تتفاقم أزمة الثقة لتطال صميم العدالة. فالمصادر تعبر عن قلق كبير حول استقلالية القضاء وهيبته. حيث يلاحظ وجود “معايير مزدوجة”: الصحفي الذي نشر خبر فساد الوزير هو الذي حُوسب، في حين تُوجه إهانات خطيرة وسباب “بألفاظ نابية جداً” لوكلاء عامين وقضاة في فيديوهات ووكالات أنباء، دون متابعة قضائية لهؤلاء.

هذا التناقض الصارخ يغذي الشعور العام بالإفلات من العقاب، وأن القانون قد يطبق على “بوست بسيط على فيسبوك”، بينما يفلت منه أصحاب النفوذ، ما يدق ناقوس خطر حقيقي على فكرة المساواة أمام القانون.

“النهاردة كانت مجرد بروفا”: فشل القنوات الرسمية

ما يحدث في الشارع، من وجهة نظر التحليل، هو أعراض لأزمة ثقة عميقة ومؤسساتية. فالقنوات التقليدية – كالأحزاب والبرلمان والحكومة (التي وُصفت بأنها “بعيدة عن نبض الشارع”) – لم تعد قادرة على استيعاب مطالب جيل جديد.

في تعليق قوي ومحذر، نقلت المصادر عن الكاتب خالد البكاري، بعد ملاحظته للوجوه الجديدة التي ظهرت في الاحتجاجات، عبارته الشهيرة: “النهاردة كانت مجرد بروفا”.

هذا هو السؤال الذي يجب أن يشغل بال كل مسؤول: إذا كان الاستقرار يُبنى على القمع وتجاهل المطالب وفقدان الثقة في القضاء، فما هي تكلفة كل هذا على المدى البعيد؟. إن الاستقرار الحقيقي والدائم لا يأتي بالخوف والقوة الأمنية فقط، بل “بيتبني على أسس قوية من العدل والحقوق والمواطنة الكاملة”. تجاهل صرخة هذا الجيل ودفعه لليأس لن يخلق إلا مشاكل أكبر بكثير في المستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!