بنك المغرب يثبت سعر الفائدة عند 3% وسط تباطؤ التضخم وتدهور “مقلق” في سوق الشغل

الدار البيضاء – تقرير خاص:
في أعقاب اجتماع مطول لمجلس البنك هو الأخير لعام 2023، قرر بنك المغرب الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي (Taux Directeur) دون تغيير عند مستوى 3%. وأكد المجلس أن هذا المستوى “يبقى مناسباً ومشجعاً لعودة التضخم إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار”.
وأشار والي بنك المغرب إلى أن الاجتماع استغرق وقتاً طويلاً (أكثر من 5 ساعات) نظراً لتناول مواضيع عديدة خارج نطاق السياسة النقدية. وقد استعرض المجلس التطورات الاقتصادية الوطنية والدولية، بالإضافة إلى تقديم توقعات البنك على المدى المتوسط.
تباطؤ التضخم ومحور التوقعات
شهد التضخم الوطني تباطؤاً مستمراً منذ مارس 2023. ومن المتوقع أن يبلغ متوسطه 6.1% في عام 2023، بانخفاض عن 6.6% في عام 2022. وتشير التوقعات إلى انخفاض حاد في التضخم ليصل إلى 2.4% في عامي 2024 و 2025.
ويُعزى هذا التباطؤ، جزئياً، إلى الإعلان عن التخفيف التدريجي لدعم بعض المواد ضمن قانون المالية 2024. كما لوحظ أن المنتجات الغذائية المتقلبة، التي كانت المحرك الرئيسي للارتفاع، سجلت أول انخفاض فصلي لها في الربع الثالث من 2023، بعد سبعة أرباع متتالية من الارتفاع.
وعلى الرغم من قرار تثبيت سعر الفائدة، أكد البنك أن القرارات الثلاثة السابقة لرفع سعر الفائدة (إجمالي 150 نقطة أساس) قد انتقلت بالفعل إلى شروط الاقتصاد، ولكن ليس بشكل كامل. فقد ارتفعت أسعار الفائدة الدائنة على الزبائن بمعدل تراكمي بلغ 112 نقطة أساس. ولوحظ أن الأثر كان أقل على القروض الموجهة للأفراد (61 نقطة أساس)، في حين ارتفع على الشركات الكبرى (118 نقطة أساس).
نمو متواضع وتدهور “حساس” في سوق الشغل
من المتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي من 2.7% في 2023 إلى 3.2% في 2024 و 3.4% في 2025. وتستند توقعات 2024 و 2025 على افتراض متوسط محصول زراعي يبلغ 70 مليون قنطار، وهو المتوسط المعتمد للعشر سنوات الأخيرة.
ورغم الخسائر البشرية الفادحة جراء زلزال الحوز، أكدت التحليلات أن التداعيات على النشاط الاقتصادي كانت محدودة. في المقابل، تُبدي المشاريع والأوراش الكبرى (التي هي قيد التنفيذ أو التخطيط) أملاً في إحداث “دينامية جديدة للاستثمار والنشاط الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل”.
لكن التحدي الأكبر يكمن في سوق الشغل، حيث سجلت الأرقام “تدهوراً حساساً” في الربع الثالث من عام 2023. فقد فُقد حوالي 297 ألف وظيفة مقارنة بالربع الثالث 2022، وكان معظم هذا الفقد في الوسط القروي. وقد ارتفع معدل البطالة الإجمالي من 11.4% إلى 13.5%. والأكثر إثارة للقلق هو ارتفاع معدل البطالة بين الشباب ليصل إلى 49.7%.
است الشغل، حيث سجلت الأرقام “تدهوراً حساساً” في الربع الثالث من عام 2023. فقد فُقد حوالي 297 ألف وظيفة مقارنة بالربع الثالث 2022، وكان معظم هذا الفقد في الوسط القروي. وقد ارتفع معدل البطالة الإجمالي من 11.4% إلى 13.5%. والأكثر إثارة للقلق هو ارتفاع معدل البطالة بين الشباب ليصل إلى 49.7%.
استدامة التوازنات الخارجية والتحول الاستراتيجي
فيما يتعلق بالتوازنات الخارجية، من المتوقع أن ينخفض عجز الحساب الجاري إلى 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023. كما ستظل احتياطيات الصرف الرسمية مستقرة، متوقعة عند 360 مليار درهم نهاية 2023، وهي تغطي 5 أشهر ونصف من الواردات، وتبقى ضمن حدود النطاق الموصى به من صندوق النقد الدولي.
وتُعد إيرادات السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ركيزة أساسية:
• إيرادات السياحة: يُتوقع تسجيل رقم قياسي جديد بنحو 106 مليار درهم في 2023.
• تحويلات المهاجرين: يُتوقع أن تواصل الارتفاع لتصل إلى 120 مليار درهم في 2025.
• صادرات السيارات: يُتوقع أن تبلغ صادرات قطاع السيارات 190 مليار درهم في 2025، ما يدل على “الأداء القوي” للقطاع.
استعدادات للقفزة النوعية: استهداف التضخم والعملة الرقمية
كشف الوالي عن اعتماد الخطة الاستراتيجية السادسة للبنك (2024-2028)، التي ترتكز على محورين رئيسيين. وأشار إلى أن التحول الأهم للبنك هو التحضير للانتقال إلى المرحلة الثانية من نظام الصرف، ثم الانتقال إلى “استهداف التضخم” (Ciblage de l’inflation). وشدد الوالي على أن هذا “التحول النوعي الهائل” يتطلب مراجعة نماذج التنبؤ وتوفير بيانات موثوقة وفي الوقت المناسب.
ومن ضمن المبادرات الاستراتيجية الأخرى:
1. العملة الرقمية للبنك المركزي (MNBC): تهدف بشكل أساسي إلى الشمول المالي في المغرب، وتُعتبر عملية طويلة الأمد.
2. الأصول المشفرة (Cryptoactifs): أشار الوالي إلى إحراز تقدم كبير في المشروع، لكنه يُراجع حالياً ليتوافق مع توصيات مجموعة العشرين الأخيرة.
3. تخضير الاحتياطيات: بدأ البنك العمل على رفع نسبة الاستثمارات الخضراء ضمن احتياطياته لتصل إلى 8%، إيماناً منه بضرورة “تخضير” النظام البنكي والاقتصاد استعداداً لمتطلبات التجارة الدولية.
المالية العمومية والدين العام
أشار والي بنك المغرب إلى أن الخسارة التي سجلها البنك في عام 2022 كانت نتيجة “المؤونات التي تم تكوينها بخصوص محفظة استثمارات احتياطيات الصرف” بسبب الزيادات السريعة والقوية في أسعار الفائدة. وتوقع أن ينعكس هذا الوضع إيجاباً على نتائج عام 2023. كما أكد الوالي بشكل قاطع أن البنك “لا يمول الخزينة لا بشكل مباشر ولا غير مباشر”، حيث يتم التمويل عبر مزادات السوق وفقاً لشروطها.
ورداً على المخاوف بشأن استدامة الدين العام في ظل المشاريع الكبرى (550 مليار درهم)، شدد الوالي على أن المغرب يتجه للبحث عن تمويلات خارجية لهذه المشاريع الضخمة (مثل تحلية المياه والموانئ والمشاريع الرياضية)، مؤكداً على أهمية التعبئة على أعلى المستويات.
وأشار الوالي إلى أن المشكلة الرئيسية دائماً تكمن في العملات الأجنبية (القطع)، مؤكداً أن بنك المغرب يلتزم بمعايير صندوق النقد الدولي (IMF) فيما يتعلق بالدين العام واحتياطيات الصرف، داعياً إلى اليقظة الدائمة والصرامة للحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية.