بوعلام دخيسي: حين يصبح الصدق محراب القصيدة وشاهداً على رحلة العمر

يا شاعرَ الصدقِ، هل للشعرِ من عَصَبِ؟ | إلا فؤادٌ بأسرارِ الهوى اكتسبا

شهدت المحفل الأدبي بوجدة* احتفاءً بتجربة الشاعر بوعلام، في أمسية جمعت بين الشعر الحزين والموقف الإنساني، حيث قدم الشاعر قراءات من مختلف محطات تجربته، بما في ذلك نصوص لم توثق بعد في دواوين. لقد استطاع بوعلام أن يعكس بتجربته الشعرية مراحل زمنية مختلفة، مركزاً على أن الشعر الحقيقي ينطلق من المشاعر الصادقة والعمق الإنساني.

القطار والرحيل.. عناوين التجربة:

تتعدد محاور تجربة الشاعر بوعلام لتشمل قضايا وجودية عميقة، تبدأ من التأمل في قطار العمر الذي يسرع، مستدعياً التوبة ومراجعة الحساب:

قطار العمر تمهل

قطار العمر واجبر فؤادي

فلا زاد عندي ان اتيت حسابي“.

إنه اعتراف بذنوب جسام “لم تطقها جوانبي“. كما يظهر البعد الإنساني واضحاً في قصائده المُهداة للأب، والتي تعكس لوعة الفقد والحاجة إلى رؤية المحيا الغائب: “عد ابي باغت عيوني لحظه واسق النظر“.

ولا يقف شعر بوعلام عند حدود الذات والأسرة، بل يمتد ليعبر عن الموقف الإنساني العام. فالشاعر يرى أن الكتابة عن قضايا مثل أحداث الحوز أو القضايا العادلة كقضية فلسطين تنبع من الإنسانية والتأثر، وهو أمر لا يحتاج فيه الشاعر إلى تصنّع الموقف. بل إن الشاعر يعتبر أن صمت الفن والثقافة والمثقفين أمام ما يجري في الأراضي التي تعاني هو خذلان لشعب وأرض تنتظر منهم هذا التعبير.

صراع الشكل بين العمودي والتفعيلة:

في حديثه عن الشكل الشعري، أشار بوعلام إلى أنه يكتب في شكلين موزونين: القصيدة العمودية ذات الشطرين (قصيدة البيت) والقصيدة التفعيلية. ومع أنه لا يرى مشكلة في استخدام أي من الشكلين، فقد لوحظ لديه وفي تجربة مجموعة من الشعراء التحول من العمودي إلى التفعيلة في السنوات الأخيرة. يعود هذا التحول جزئياً إلى “التحدي الصعيب جداً” الذي يمثله الشعر العمودي، فإيجاد بصمة متفردة في القصيدة العمودية أمر شاق.

وقد وجد بوعلام أن الشعر كان وما زال “عصاي إذا قصرت ساقي“، فهو الصاحب والزاد في الرحلة. لكنه يرفض التصنع أو إرغام النفس على قول الشعر، مؤكداً أن الكتابة تتم فقط في اللحظة التي يشعر فيها أنه “ساكتب صادقا”. وهذا الصدق يمثل “الرضا” الأول عن القصيدة. أما النقص أو التمزق فيأتي إذا شعر بأنه يعيد نفسه أو يكرر أخوات قصائده.

وفي وصف تجربته الصادقة هذه، يحق لنا أن نرى في الشاعر مثالاً للوفاء لروح القصيدة، فنقول فيه مستلهمين من صدق أسلوبه:

يا شاعرَ الصدقِ، هل للشعرِ من عَصَبِ؟ **** إلا فؤادٌ بأسرارِ الهوى اكتسبا

يبني القصائدَ من نارٍ ومن قَلَقٍ **** إذا المشاعرُ فاضت والمدى اِحتَجَبا

فالشعرُ عندكَ ميثاقٌ تُطالِبُهُ **** أن يصدقَ القولَ إن جاءت بكَ النُوَبَا

الخيال والمحراب:

وعن طقوس الكتابة، يوضح بوعلام أنه لا يمتلك طقساً معيناً، فهو يكتب في الليل والصبح والمساء، بل وقد كتب بعض النصوص وهو في العمل وفي الشباك مع الزبائن وسط الضغط. وعادةً ما يأتي “المطلع” أولاً، فهو يعكس “الدفقة” التي تعبر عن الشعور، ثم يبني بقية النص بعد ذلك. وعندما تنتهي ولادة القصيدة التي يرضى عنها، يشعر بالراحة والتحول.

وعلى الرغم من نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يخشى الشاعر من الانجرار نحو التسطيح. فبالنسبة له، وسائل الإعلام الجديدة هي مجرد أدوات، مثل سوق عكاظ في الجاهلية أو المجلات في العصور الحديثة. وهو يكتب النص لنفسه وللقناعة، ولا يهمه “العدد ديال التفاعل”. مستشهداً بمقولة أدونيس التي تفيد بأن كثرة المعجبين بالنص لا تعني جودته، بل قد تعني رداءته في بعض الأحيان.

ويختتم الشاعر تجربته بالإشارة إلى مدينة وجدة، التي يعتبرها “قلعة الشعر” ومحترمة شعرياً ، وتضم أجيالاً أربعة. مؤكداً أن وجدة قدمت إسهامات في المسرح والموسيقى والشعر.


*الإطار التنظيمي والمشاركون:

الضيف والإعداد: كان الشاعر بوعلام دخيسي ضيف الحلقة السادسة من برنامج “ساعة شعر”. وقد قام بوعلام خلال الأمسية بقراءة نصوص من دواوينه ومن أعمال لم توثق بعد.

فريق الإعداد: بوعلام دخيسي نفسه، والشاعر سعيد عبيد، والشاعرة البتول محجوبي . ويُذكر أن الشاعر سعيد عبيد كان حاضراً ومشاركاً في الحوار، حيث أشار إلى أن بوعلام يمتلك بصمة قوية في إنجاح البرنامج وفي استمرارية الحركة الشعرية والأدبية في المنطقة الشرقية. اما الشاعرة البتول محجوبي فقد سيرت اللقاء بحرفية عالية.

الشراكة: تم تنظيم البرنامج بالشراكة مع جمعية “مجموعة تزوري للثقافة والتنمية” .

التغطية والإعلام:

    ◦ تولّت “مجلة الساحة الالكترونية” مهمة تصميم الإعلانات الخاصة بالبرنامج .

    ◦ قامت الجريدة الالكترونية “جيل24” بمهام التصوير والتغطية الإعلامية والتسجيل ، وهو ما يتفق مع اسم القناة التي قدمت مقتطفات من وقائع الأمسية (“GIL24 – Emissions”)

في هذا الإطار، ناقش الشاعر بوعلام دوافعه للكتابة، مؤكداً أن الشعر كان وما زال “عصاي إذا قصرت ساقي”، وأنه يكتب فقط في اللحظة التي يشعر فيها بأنه “ساكتب صادقا”.

المتدخلون الذين طرحوا الأسئلة (حسب ما تم ذكر أسمائهم من قبل الشاعر):

1. إسراء: شاعرة ودارسة في كلية الطب من بركان، وهي من طرحت سؤالاً حول جدوى الكتابة في مواجهة البشاعة والتعامل مع فترات فقدان الأمل.

2. الشاعر محمد العرجوني: تم توجيه الشكر له بعد طرحه سؤالاً يتعلق بالإحساس بالانتهازية عند الكتابة وتوقف بعض الشعراء عن الكتابة لفترة.

3. اما الطيب هكو: فتم ذكره ضمن سياق سؤال عن حظ السرد (كتابة الرواية) في هذا الفضاء، وقد سُئل بوعلام عن رأيه في خوض تجربة السرد.

4. سي سعيد طارق حميد: وجه سؤالاً حول النوع الذي يرتاح الشاعر للكتابة فيه أكثر (العمودي أو التفعيلة)، وعن ظاهرة كتابة عدة قصائد في لحظة واحدة.

5. سي مختار: طرح أسئلة تتعلق بالتحول من الشعر العمودي إلى التفعيلة، ومعايير الرضا عن القصيدة وتمزيقها، وهل يكتب الشاعر للفرح كما يكتب للحزن.

6. سي سعيد عبيد: وهو أحد المُعدّين، طرح سؤالاً حول نشاط بوعلام على وسائل التواصل الاجتماعي وخشيته من الانجرار إلى التسطيح الذي تسببه هذه الوسائل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!