إضراب عام في إيطاليا تضامنًا مع غزة: الأسباب والمآلات

في خطوة وُصفت بالتاريخية، شهدت إيطاليا يوم الإثنين 22 سبتمبر 2025 إضرابًا عامًا شاملًا، شاركت فيه مختلف القطاعات العامة والخاصة، تضامنًا مع قطاع غزة الذي يعاني من حرب إسرائيلية متواصلة منذ أكتوبر 2023. هذا الإضراب، الذي دعا إليه عدد من النقابات العمالية، على رأسها الاتحاد العام الإيطالي للعمل (CGIL)، لم يكن مجرد احتجاج عمالي تقليدي، بل تحرك سياسي وإنساني يعكس تصاعد الغضب الشعبي في إيطاليا إزاء ما يُوصف بـ”الإبادة الجماعية” في غزة. في هذا المقال، نستعرض أسباب هذا الإضراب، دوافعه العميقة، وتداعياته المحتملة على المستويات المحلية والدولية.

أسباب الإضراب: دوافع إنسانية وسياسية

  1. التضامن مع غزة: السبب الأساسي للإضراب هو الرغبة في إظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، الذي يواجه حربًا مدمرة أسفرت عن استشهاد أكثر من 64,964 فلسطينيًا وإصابة 165,312 آخرين، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية. النقابات، بقيادة CGIL، أكدت أن الإضراب يهدف إلى الاحتجاج على الحصار الإسرائيلي المستمر، الذي منع وصول المساعدات الإنسانية، مما تسبب في مجاعة أودت بحياة المئات، بما في ذلك 146 طفلًا.
  2. دعم أسطول الصمود العالمي: الإضراب جاء أيضًا دعمًا لـ”أسطول الصمود العالمي”، وهي مبادرة دولية تهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي على غزة عبر إرسال سفن محملة بالمساعدات الإنسانية. جزء من هذا الأسطول انطلق من موانئ إيطالية، مما عزز الشعور بالمسؤولية لدى النقابات والنشطاء الإيطاليين لدعم هذه المبادرة.
  3. الضغط على الحكومة الإيطالية: تسعى النقابات إلى دفع الحكومة الإيطالية لتبني موقف أكثر حزماً ضد إسرائيل، من خلال مطالب واضحة تشمل: وقف التدخلات العسكرية في غزة والضفة الغربية، فتح الممرات الإنسانية، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتعليق التعاون التجاري والعسكري مع إسرائيل. ماوريتسو لانديني، الأمين العام لـCGIL، أشار إلى أن الموقف الإيطالي “متردد وضعيف” مقارنة بدول أوروبية أخرى مثل إسبانيا، مما دفع النقابات إلى تصعيد تحركاتها.
  4. رفض اقتصاد الحرب: الإضراب لم يقتصر على القضية الفلسطينية، بل شمل رفضًا لما أسمته النقابات “اقتصاد الحرب”، حيث انتقدت زيادة الإنفاق العسكري واستغلال العمال في ظل غياب سياسات اجتماعية وصناعية فعالة. هذا الربط بين القضايا الإنسانية والاقتصادية عزز من مشاركة شرائح واسعة من المجتمع الإيطالي.

المشاركة والتنظيم: حراك شعبي واسع

الإضراب شمل قطاعات حيوية مثل التعليم، النقل العام، الموانئ، الرعاية الصحية، وخدمات الإطفاء وسيارات الأجرة، مما تسبب في شلل واسع في البلاد. على الرغم من ضمان نقابات السكك الحديدية فترتي خدمة (من 6:00 إلى 9:00 صباحًا ومساءً)، استمر الإضراب من منتصف الليل حتى 11:00 مساءً، مما أثر بشكل كبير على حركة القطارات، الطائرات، السفن، والحافلات. في توسكانا، نفذ العمال إضرابًا كاملاً لمدة 8 ساعات، مصحوبًا بتجمعات حاشدة في مدن مثل فلورنسا وسيينا وليفورنو.

إلى جانب الإضراب، شهدت الساحات الإيطالية مظاهرات واسعة، حيث رفع المتظاهرون أعلام فلسطين وشعارات مثل “الحرية لفلسطين” و”أوقفوا الإبادة الجماعية”. هذه الفعاليات عكست حراكًا شعبيًا متناميًا، يمتد من المساجد والمراكز الإسلامية إلى الجامعات والبلديات، كما شاركت روابط الصحفيين الإيطاليين والأجانب لتسليط الضوء على ما يحدث في غزة.

المآلات: تداعيات محلية ودولية

  1. تأثير محلي: الإضراب أثار جدلًا داخل إيطاليا، حيث هاجم نائب رئيس الوزراء ووزير النقل ماتيو سالفيني الإضراب، متهمًا منظميه بأنهم “نقابة شعبية يسارية متطرفة”، وحاول التقليل من تأثيره بزعم أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 7% في قطاع النقل. ومع ذلك، أقر بتوقف 25% من القطارات الإقليمية، مما يشير إلى تأثير ملموس. في المقابل، أظهرت مشاركة آلاف الأشخاص، بما في ذلك 15 ألف متظاهر في تظاهرات سابقة دعمًا لأسطول الصمود، قوة الحراك الشعبي.
  2. ردود فعل الجالية اليهودية: الإضراب أثار استياء الجالية اليهودية في روما، التي اعتبرت دعوة النقابات للاحتجاج ضد “حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية” استفزازية. هذا التوتر يعكس الانقسامات داخل المجتمع الإيطالي حول القضية الفلسطينية، خاصة في ظل اتهامات للنشطاء بمعاداة السامية، وهي تهمة رفضها المتظاهرون معتبرين أن تضامنهم ينبع من دوافع إنسانية.
  3. تأثير دولي: الإضراب يعزز من مكانة إيطاليا كمركز للحراك التضامني مع فلسطين في أوروبا، خاصة مع مشاركة مدن مثل بولونيا، التي تُعرف بثقافة السلام والتضامن الدولي. تصريحات رئيس بلدية بولونيا ماتيو ليبوري، التي أكدت على واجب الحكومات المحلية في الدفاع عن حقوق المدنيين، تعكس هذا التوجه. كما أن دعم أسطول الصمود، الذي شارك فيه نشطاء من دول مثل جنوب إفريقيا وإسبانيا، يضع إيطاليا في قلب شبكة تضامن عالمية.
  4. ضغط سياسي محتمل: الإضراب يزيد الضغط على الحكومة الإيطالية لإعادة تقييم سياستها تجاه إسرائيل. مطالب النقابات بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ووقف التعاون العسكري والتجاري قد تدفع إلى نقاشات برلمانية، خاصة مع تصاعد الإدانات الدولية لإسرائيل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، الموقف “المتردد” للحكومة الإيطالية، كما وصفه لانديني، قد يحد من تأثير هذه الضغوط على المدى القصير.

خاتمة

الإضراب العام في إيطاليا تضامنًا مع غزة يمثل لحظة فارقة في الحراك الشعبي الأوروبي لدعم القضية الفلسطينية. من خلال ربط القضايا الإنسانية بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية، نجحت النقابات في حشد شرائح واسعة من المجتمع الإيطالي. وعلى الرغم من التحديات، مثل الانتقادات الحكومية وردود الفعل المعارضة، فإن هذا الإضراب يعكس تصاعد الوعي الشعبي بمعاناة غزة، ويرسل رسالة قوية إلى المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف الحرب وكسر الحصار. إن استمرار مثل هذه التحركات قد يعيد تشكيل المواقف السياسية في إيطاليا وأوروبا، ليصبح التضامن مع فلسطين ليس مجرد شعار، بل فعل مقاومة يومي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!