مغرب اليوم: خارطة طريق لتجاوز التحديات السياسية والاجتماعية في مرحلة دقيقة

عادل راشدي – الحسيمة، 16 غشت 2025
في ظل مرحلة تتسم بالتعقيد الجيوسياسي والتحديات الداخلية، يواجه المغرب اليوم ضرورة اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لاستعادة الثقة بين المواطن والمؤسسات، وإعادة صياغة المشهد السياسي والاجتماعي بما يتماشى مع تطلعات الشعب ومتطلبات العصر. إن التحولات الدولية المتسارعة ودقة الوضع الإقليمي تفرض على المغرب تبني مقاربة شاملة لإصلاح منظومته السياسية والإدارية، مع ضخ دماء جديدة قادرة على مواجهة التحديات الراهنة.
1. إنفراج سياسي وإنساني عاجل
يحتاج المغرب اليوم إلى إنفراج حقيقي يعيد الثقة للمواطنين، من خلال الإفراج عن معتقلي حراك الريف وسجناء الرأي، وتسهيل عودة نشطاء الحراك والمتعاطفين معه إلى أرض الوطن. هذه الخطوة ليست مجرد إجراء قانوني، بل رسالة سياسية قوية تعكس إرادة حقيقية للمصالحة الوطنية وإعادة بناء جسور الثقة.
2. مبادرة سياسية لإدماج نخب جديدة
إن إعادة بناء الثقة تتطلب إشراك نخب جديدة من جيل الحركات الاجتماعية، مثل حراك الريف وفجيج، تمتلك وعيًا سياسيًا واستقلالية فكرية، وتكوينًا أكاديميًا يمكنها من تقديم حلول مبتكرة وواقعية. يجب الابتعاد عن نخب القرابة أو الحلول التقنوقراطية السهلة، والتركيز على كفاءات لها القدرة على مواجهة تعقيدات المرحلة بممانعة وجرأة.
3. إصلاح المنظومة الانتخابية: نحو ديمقراطية حقيقية
إن إصلاح المنظومة الانتخابية أصبح ضرورة ملحة. يتطلب ذلك تحول الأحزاب السياسية من أداة تنتظر التوجيهات إلى قوة اقتراحية، من خلال تعديل مدونة الانتخابات، وتخليق الحياة الحزبية، وإحداث هيئة مستقلة للانتخابات.
كما ينبغي اعتماد التصويت ببطاقة التعريف الوطنية، التسجيل الإرادي في اللوائح الانتخابية، والرقمنة في عملية التصويت، مع تقليص مراكز الاقتراع إلى النصف وتجهيزها بكاميرات مراقبة وتقنيات رصد لمنع التلاعب. من جهة أخرى، يجب رفع مستوى الكفاءة الأكاديمية للمرشحين:
- شهادة البكالوريا كحد أدنى لرؤساء الجماعات القروية،
- والإجازة لرؤساء البلديات، والماستر للعمودية،
- والدكتوراه لرؤساء الجهات.
كما ينبغي إدماج مغاربة العالم في العملية الانتخابية عبر لائحة مشتركة تجمع الكفاءات النسائية والنخب الوطنية بشرط توفرهم على شهادة ماستر على الأقل وتجربة مدنية وسياسية لا تقل عن خمس سنوات.
ملاحظة: يجب أن تكون الشهادات الأكاديمية من التكوين الأساسي المعتمد قانونيًا، وليس من التكوين المستمر الذي يسهل الحصول عليه.
4. إشراك القامات المدنية والفكرية
ندعو القامات المدنية والفكرية المستقلة، التي لم تستفد من هيئات الحكامة خلال العقدين الماضيين، إلى إطلاق مبادرات جريئة وورشات فكرية تستشرف متطلبات المرحلة المقبلة. هذه المبادرات يجب أن تكون بعيدة عن الحسابات الضيقة، وتسعى لتحقيق أفق مشترك يراعي تعقيدات الواقع.
5. تجديد الإدارة الترابية
إن مواجهة أزمات الماء، العطش، الغلاء، البطالة، والعدالة المجالية تتطلب ضخ دماء جديدة في الإدارة الترابية. يجب الاعتماد على كفاءات ميدانية تمتلك الخبرة والقدرة على تنزيل مخرجات النموذج التنموي الجديد وأهداف التنمية المستدامة على مستوى الأقاليم والجهات.
6. حكمة ونضج سياسي في تدبير المرحلة
إن غياب النضج السياسي أو محاولات بعض الأطراف المستفيدة من الوضع الحالي لخلط الأوراق قد يعرقل المسار التوافقي لحل قضية الصحراء، ويحول المسار السياسي والانتخابي الذي أعلن عنه جلالة الملك في خطاب العرش الأخير إلى مسرحية خالية من المصداقية. لذا، يجب التعامل بحكمة وتبصر لضمان نجاح هذا المسار.
7. استبعاد دعاة المقاربة الأمنية
يجب العمل على الاستبعاد التدريجي لدعاة المقاربة الأمنية وأتباعهم الذين يهيمنون على المشهد المؤسساتي والحزبي والإعلامي. استمرارهم يشكل عائقًا أمام ترتيبات المرحلة المقبلة ويعقد المسار الإصلاحي.
8. ربط المسؤولية بالمحاسبة
إن انتشار السيارات الفاخرة في الشوارع لا يعكس رفاهية الشعب، بل يكشف عن استفادة أبناء ناهبي المال العام من اقتصاد الريع ونظام الامتيازات. لذا، يجب إرسال إشارات قوية من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، والفصل بين الاقتصادي والسياسي لضمان عدالة اجتماعية حقيقية.
خاتمة
إن المغرب اليوم على مفترق طرق. إما أن ينخرط في إصلاحات جريئة تعيد الثقة وتضع الأسس لديمقراطية حقيقية، أو أن يظل رهينة الترتيبات القديمة التي لم تعد تتماشى مع طموحات الشعب. إن هذه المطالب ليست مجرد شعارات، بل خارطة طريق لمستقبل يحترم كرامة المواطن ويضمن عدالة اجتماعية وسياسية شاملة.
عادل راشدي – استاذ باحث، جامعة محمد الأول بوجدة