محلى إفران ومحلى جمالها: نشيد الماء والهواء والشجر في أحضان الأطلس

عبدالعالي الجابري
هذا الصباح، وأنا أحط رحالي في إفران، قادماً من وجدة، مدينة الشمس الحارة التي تتوهج كقلب الصحراء، تسللت إلى ذاكرتي كلمات أغنية “محلى أفران ومحلى جمالها”.
كأن الريح نفسها، وهي تعانقني بنسيمها البارد، همست لي بأبياتها، فحملتني إلى عالمٍ تتراقص فيه الجبال والغابات في تناغمٍ ساحر.
إفران، جوهرة الأطلس المتوسط، ليست مجرد مدينة، بل لوحة فنية رسمتها يد الخالق، حيث تتزوج الأناقة الأوروبية بأصالة المغرب، وتتغنى الطبيعة بأنغامٍ لا تخطئها الأذن. غادرتُ وجدة، حيث الشمس لا تعرف الهدنة، وكأنني كنت أعيش داخل فرنٍ يتوقد شغفاً، لأجد نفسي الآن أتنفس هواءً نقياً يعبق برائحة الأرز، وأتجول بين شوارع تكتسي بالهدوء، كأنها دعوةٌ للتأمل.
الأغنية، التي تتردد في وجداني، ليست مجرد لحنٍ عابر، بل نشيدٌ يحتفي بسحر إفران، بجبالها التي تقف شامخة كحراس الأبد، وبحيراتها التي تعكس السماء كمرآةٍ صافية. كلماتها، التي تحمل روح الشعر المغربي، ترسم صوراً حية: غابات الأرز تتراقص مع النسيم، والزهور تتمايل كأنها ترقص على إيقاع الأطلس.
إفران ليست وجهةً سياحية فحسب، بل هي ملاذٌ للروح. هنا، حيث النظافة ليست مجرد عنوان، بل وعدٌ بالحفاظ على نقاء الطبيعة، أجد نفسي أتساءل: كيف لمدينةٍ أن تجمع بين بساطة القرى وحضارة المدن؟ بيوتها ذات الأسقف الحمراء، التي تذكّر بجبال الألب، تتناغم مع الجبال الخضراء، كأنها جزءٌ من لوحةٍ لم تكتمل إلا بضحكات الأطفال وخرير المياه.
الأغنية، التي ألهمتني رحلتي، تروي قصة هذا الجمال تحمل دفء التراث وخفة العصر، فكأنها جسرٌ يربط بين الماضي والحاضر، بين إفران التي كانت وإفران التي ستظل.
في هذا المكان، حيث يبدو الزمن وكأنه يتباطأ ليمنحك فرصةً للحياة، أدرك لماذا ألهمت إفران هذا النشيد. إنها ليست مجرد مدينة، بل قصيدةٌ حية، تتغنى بها الجبال وترددها الغابات. وأنا، القادم من وجدة الحارة، أجد نفسي أذوب في سحرها، أنصت إلى همسات الأغنية التي تتردد في قلبي: “محلى أفران ومحلى جمالها”.
هنا، في حضن الأطلس، أشعر أنني لست زائراً، بل جزءاً من هذا الجمال، كأنني لحنٌ في أغنيةٍ لا تنتهي، أغنيةٌ تحتفي بإفران، بمغربنا، وبروح الطبيعة التي لا تملّ من العطاء.