مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة: تهديد لحرية التعبير أم محاولة للتنظيم؟

مقدمة

أثار مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة في المغرب جدلًا واسعًا، وصف بـ”الاحتقان غير المسبوق” بين الصحفيين، حيث يُنظر إليه كمحاولة للتحكم في المشهد الإعلامي وتقييد حرية التعبير. يتناول هذا التقرير تحليل النقاش الذي دار في حوار قناة “بديل” بين ثلاثة صحفيين مغاربة: يونس مسكين (مدير الأخبار بموقع صوت المغرب)، هشام العمراني (مدير نشر موقع أش كاين)، وحميد (مدير نشر موقع بديل والمحاور). يركز التقرير على وجهات نظرهم، نقاط الاتفاق والاختلاف، والتوصيات المقترحة لحماية استقلالية الصحافة.

أولاً: وجهات نظر المتدخلين

  1. يونس مسكين (مدير الأخبار بموقع صوت المغرب)
    • الموقف: يرى أن المشروع جاء في سياق “منتظر ومفاجئ”، منتظر بسبب انتهاء ولاية اللجنة المؤقتة، ومفاجئ لمضمونه الذي يثير قلقًا بشأن استقلالية الصحافة.
    • النقاط الرئيسية:
      • يعتبر أن المشكلة التي يزعم القانون حلها “مصطنعة”، ناتجة عن نزاع مفتعل بين الناشرين.
      • يصف إدخال رأس المال في تركيبة المجلس بـ”البدعة المغربية”، معتبرًا أنها تتعارض مع التجارب العالمية التي تحمي الصحافة من نفوذ المال.
      • ينتقد كثرة المواد العقابية (17-18 مادة من أصل 98)، وصلاحيات إيقاف المنابر وحجب المقالات، واصفًا إياها بـ”مصادرة للصحف” و”تدبير مفوض للقمع”.
      • يرى في المادة 80 (كسر التقادم) خطرًا على “الحق في النسيان”، مع إشارة إلى أنها قد تهدف لمعالجة الضرر المستمر، لكنها تفتح الباب لتجاوزات.
      • يؤكد انتهاك المشروع للفصول الدستورية (1، 28، 42)، ويحذر من توريط المؤسسة الملكية في خرق الدستور.
      • يقارن المشروع بمقترح برلماني سابق (2023) كان “أرحم” لاحتوائه على إشارات للديمقراطية في اختيار الأعضاء.
  2. هشام العمراني (مدير نشر موقع أش كاين)
    • الموقف: يعبر عن تشاؤم عميق، معتبرًا المشروع جزءًا من سياق “التغول” للتحكم في الإعلام البديل الذي حل محل المعارضة الحزبية.
    • النقاط الرئيسية:
      • يربط المشروع بمجموعة قوانين تهدف إلى جعل الإعلام “منبطحًا إلى أقصى درجة”.
      • ينتقد غياب التشاور مع المهنيين، ويرى أن تركيبة المجلس محسومة لصالح الناشرين الكبار (“مول الشكارة”).
      • يعتبر صلاحيات الإيقاف والحجب وكسر التقادم تهديدات مباشرة لحرية الصحافة، ويصفها بـ”القمع المفوض”.
      • يفضل العودة إلى سلطة القضاء أو الوزارة بدلاً من منح المجلس صلاحيات عقابية، معتبرًا ذلك “أهون الشرين”.
      • يرى أن المادة 80 تهدف لتقييد الصحفيين دون نية حسنة، وتُعزز سيطرة رأس المال.
  3. حميد (مدير نشر موقع بديل والمحاور)
    • الموقف: يشكك في الحاجة للتعديل القانوني، ويرى أن المشروع يندرج ضمن سياق تشريعي عام لتقييد الحريات.
    • النقاط الرئيسية:
      • يتساءل عما إذا كان الصحفيون يدفعون ثمن دورهم السابق في نقد الأحزاب، مما جعلهم عرضة للضغط.
      • يربط المشروع بقوانين أخرى مثيرة للجدل (المسطرة المدنية والجنائية، قانون الإضراب)، ويرى فيه محاولة لحماية الفساد.
      • يحذر من توريط المؤسسة الملكية في خرق الدستور.
      • يدعو إلى تجديد أشكال الاحتجاج والنضال لمواجهة هذا “التغول”.
      • يفضل العودة إلى الإشراف الوزاري/القضائي بدلاً من المجلس الجديد، لأنه يكشف “الحق نيشان”.

ثانيًا: نقاط التقاطع والاختلافنقاط التقاطع

  1. التهديد لحرية التعبير: يتفق الثلاثة على أن المشروع يهدد حرية الصحافة والتعبير، ويُعد محاولة للتحكم في المشهد الإعلامي، خاصة الإعلام البديل.
  2. سيطرة رأس المال: إجماع على أن المشروع يكرس هيمنة “مول الشكارة”، وهو ما يتعارض مع مبادئ التنظيم الذاتي العالمية.
  3. خطورة العقوبات وصلاحيات الإيقاف: يرون أن منح المجلس صلاحيات إيقاف المنابر وحجب المقالات يُشكل “مصادرة للصحف” وعودة للرقابة.
  4. كسر التقادم: المادة 80 تُعتبر خطرة لتقويضها “الحق في النسيان”، خاصة في النشر الإلكتروني.
  5. الانتهاكات الدستورية: اتفاق على أن المشروع ينتهك الفصول الدستورية (1، 28، 42)، ويُعرض المؤسسة الملكية للتورط في خرق الدستور.
  6. غياب التشاور: إجماع على أن القانون أُعد دون تشاور حقيقي مع المهنيين.
  7. سياق التغول: يرون أن المشروع يندرج في سياق عام من التحكم في الحريات، مرتبط بقوانين أخرى مثيرة للجدل.

نقاط الاختلاف

  1. تقييم المقترح السابق (2023): يونس يرى أن المقترح البرلماني السابق كان “أرحم” لوجود إشارات للديمقراطية، بينما هشام يرفضه من الأساس، وحميد لا يبدي موقفًا واضحًا حوله.
  2. نية المادة 80: يونس يرى في المادة محاولة لمعالجة الضرر المستمر، لكن مع مخاطر التجاوز، بينما هشام وحميد يرفضانها كليًا كآلية للقمع.
  3. درجة التفاؤل: هشام يميل إلى التشاؤم المطلق، بينما يونس وحميد يبديان تفاؤلاً نسبيًا بدعوتهما لتجديد النضال والبدائل.
  4. المسؤولية التاريخية: حميد يتساءل عما إذا كان الصحفيون يتحملون جزءًا من المسؤولية بسبب دورهم في نقد الأحزاب، بينما يونس يرفض هذا الطرح، وهشام لا يتطرق له.
  5. الحلول البديلة: هشام وحميد يفضلان العودة إلى الإشراف الوزاري/القضائي كـ”أهون الشرين”، بينما يونس يركز على إبداع تنظيم ذاتي بديل دون تأييد واضح للعودة إلى الوزارة.

ثالثًا: التوصيات

بناءً على تحليل وجهات النظر، يمكن اقتراح التوصيات التالية:

  1. مواصلة النقاش العام: تشجيع حوار مهني ومجتمعي واسع لمنع هيمنة وجهة نظر واحدة، مع إشراك كل فئات الصحفيين (إلكتروني، مكتوب، سمعي بصري).
  2. تجديد أشكال النضال: إبداع أساليب احتجاجية جديدة، مثل تنظيم حملات توعية أو تحالفات مهنية للدفاع عن حرية الصحافة.
  3. استلهام التجارب الدولية: دراسة نماذج التنظيم الذاتي الناجحة عالميًا لضمان استقلالية المجلس بعيدًا عن نفوذ رأس المال والسياسة.
  4. إنشاء تنظيم ذاتي بديل: استنادًا إلى الفصل 28 من الدستور، يمكن للصحفيين تأسيس هيئات تنظيم ذاتي مستقلة إذا فشل المشروع الحكومي في تحقيق الاستقلالية.
  5. حماية الدستور: المطالبة بتعديل المشروع ليتماشى مع الفصول الدستورية، خاصة الفصل 28، مع ضمان عدم توريط المؤسسة الملكية في خرق الدستور.
  6. تعزيز الضمانات القانونية: إدراج ضمانات واضحة في القانون لمنع التأثير المالي أو السياسي، مثل تحديد مصادر التمويل بشفافية ومنع الهبات غير المشروطة.
  7. حماية الحق في النسيان: إلغاء أو تعديل المادة 80 لضمان احترام قاعدة التقادم، خاصة في النشر الإلكتروني.
  8. تقليص العقوبات: تقليل المواد العقابية وإعادة صلاحيات الإيقاف والحجب إلى القضاء لضمان استقلالية العملية.
  9. توسيع التمثيلية: ضمان تمثيل عادل لكل فئات الصحفيين في تركيبة المجلس، مع إعادة إشراك هيئات مثل المحامين واتحاد كتاب المغرب.
  10. توعية المواطنين: التأكيد على أن القانون يؤثر على حق المواطن في المعلومة الصحيحة والمتوازنة، مما يستدعي دعمًا مجتمعيًا للدفاع عن حرية الصحافة.

الخاتمة

مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة يمثل تحديًا كبيرًا أمام استقلالية الصحافة المغربية وحرية التعبير. رغم الإجماع بين المتدخلين على خطورته، تظل هناك فروقات دقيقة في مقاربتهم للحلول، مما يعكس تنوع الرؤى داخل الجسم الصحفي.

التوصيات المقترحة تهدف إلى حماية الإعلام من التغول الاقتصادي والسياسي، مع تعزيز التنظيم الذاتي المستقل والديمقراطي، بما يتماشى مع الدستور والمبادئ العالمية لحرية الصحافة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!