إعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة: نقاش محتدم حول التنظيم الذاتي وحرية الصحافة

استمد هذا المقال معطياته من حلقة نقاش بثت على قناة ميدي1 تيفي ضمن برنامج “خاص”، الذي قدمه الإعلامي نوفل البعمري. شارك في الحلقة ثلاثة ضيوف بارزين هم: الأستاذ عبد الكبير خشيش، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، والسيد محمد أيت بوسلهام، نائب رئيس الفيدرالية المغربية للإعلام، والأستاذ مصطفى ننيت، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد المقاولات الصحفية الصغرى.

يسلط النقاش الضوء على مشروع قانون إعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة، الذي أثار جدلاً واسعاً بين المتدخلين، حيث تباينت وجهات نظرهم بين التأييد الحذر والرفض القاطع، مع تركيز على قضايا التنظيم الذاتي، التعددية، وحرية الصحافة.

أولا : مواقف المتدخلين: تباين حاد في الرؤى

1. وزير الشباب والثقافة والتواصل (محمد مهدي بنسعيد)الموقف:

قدم الصحفي نوفل العوالمة موقف السيد الوزير والذي قال فيه انه مؤيد بقوة للمشروع، معتبراً إياه خطوة دستورية لتعزيز التنظيم الذاتي.
التفاصيل:

  • يؤكد أن المشروع يتماشى مع الدستور، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والتنظيم الذاتي للمهنة.
  • يشدد على أن اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة أجرت مشاورات مع الهيئات المهنية لصياغة التعديلات.
  • يرى أن المشروع يهدف إلى ضمان استمرارية المجلس في تنظيم المهنة ذاتياً، رفع مستوى أخلاقياتها، وتحصين القطاع بطريقة ديمقراطية ومستقلة.
  • يبرز أن المشروع يسعى لتنقية المشهد الإعلامي من الشوائب، مثل الخلط بين الصحفيين والمؤثرين، مع تعزيز استقلالية المقاولات الصحفية.

2. الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين

كما اشار الصحفي نوفل العوالمة لموقف الجمعية المغربية للاعلام والناشرين: ترحيب حار بالمشروع كخطوة لسد الفراغ المؤسسي وتعزيز المهنية.
التفاصيل:

  • ترى أن المشروع يعزز التنظيم الذاتي ويرفع من مستوى المهنة مع الحفاظ على استقلاليتها.
  • تؤكد ضرورة حماية الصحافة المهنية من ظواهر مثل “الصحافة المناضلة” أو استغلال المهنة من قبل المؤثرين والناشطين في الفضاءات الافتراضية.
  • تعتقد أن القانون سيمهد لمرحلة جديدة تكون فيها الأولوية للصحفيين المحترفين والمقاولات المهيكلة.
  • تدعو إلى التعبئة لحماية المقاولات الصحفية الجادة من النصب والاحتيال، وترى أن المشروع يتيح للمقاولات الصغرى فرصة التطور لتصبح كبرى.

3. الفيدرالية المغربية للإعلام (محمد أيت بوسلهام)

الموقف: ترحيب حذر مع ملاحظات جوهرية ودعوة لمراجعة القانون.
التفاصيل:

  • يرحب بالتوجهات الإصلاحية التي تهدف إلى تنقية المشهد الإعلامي، خاصة الفصل بين الصحفيين والمؤثرين.
  • يؤكد على أربع نقاط رئيسية:
    1. تكريس التعددية في إطار ديمقراطي.
    2. وضع حد للخلط بين الصحفيين والمؤثرين (مشيراً إلى أن المشروع استجاب لهذا المطلب).
    3. ضرورة الأخذ بالجانب الاستثماري عند اختيار أعضاء المجلس.
    4. أهمية تدخل القضاء والمجلس للحد من التشهير والابتزاز.
  • ينتقد ضعف تطبيق الصلاحيات في التجربة السابقة للمجلس، مشيراً إلى أن العديد من قضايا التشهير لم تُبت.
  • يطالب بإعادة النظر في قيمة بطاقة الصحفي المهني، التي تفتقر إلى مزايا كافية مقارنة بدول أخرى.
  • يشير إلى غياب التعامل مع تحديات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، ويدعو إلى تعزيز التكوين المستمر للصحفيين.
  • يطرح مشكلة تصنيف الإذاعات المستقلة ومعاناتها في الحصول على البطاقة المهنية.
  • يشدد على أهمية الأخلاقيات (la déontologie) ودور المجلس كوسيط لتخليق المهنة، مستلهماً نماذج مثل المجلس الأعلى للصحافة في فرنسا.

4. النقابة الوطنية للصحافة المغربية (عبد الكبير خشيش)

الموقف: رفض قاطع للمشروع، معتبرة إياه تراجعاً عن الحكامة الديمقراطية.
التفاصيل:

  • ترى أن المشروع يهمش التنظيمات النقابية ويفضي إلى تقويض التعددية.
  • تنتقد عدم الأخذ بملاحظاتها المقدمة في مذكرة من 30 صفحة، مشيرة إلى أن بعض المقتضيات جاءت عكس ما اقترحته.
  • تبرز عدة اعتراضات:
    • حذف الإشارة إلى “الصحفيين” في تسمية المشروع، والاكتفاء بـ”المهنيين والناشرين”.
    • التمييز بين الناشرين والصحفيين في آلية الانتخاب، مع إعطاء الأفضلية للناشرين عبر نظام الانتداب بناءً على رقم المعاملات وعدد العاملين، وهو ما تعتبره غير ديمقراطي.
    • تقليص تمثيلية الصحفيين إلى سبعة أعضاء ينتخبون مباشرة، مما يعيق التمثيلية الشاملة للتنوع القطاعي والجندري.
    • غياب تعريف دقيق للصحفي يأخذ بعين الاعتبار التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
    • نزوع المشروع إلى التفصيل في قضايا يمكن تنظيمها داخلياً بدلاً من القانون.
  • تؤكد أن القانون لا يعالج الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية للمهنة، التي استمرت 19 عاماً.
  • تنتقد المشاورات، واصفة إياها بغير الجدية، وتؤكد أن ملاحظاتها لم تؤخذ بعين الاعتبار.
  • تعلن استعدادها للترافع أمام البرلمان، وتلوح باستدعاء المجلس الوطني لاتخاذ قرارات مناسبة إذا لم تُستجب مطالبها.
  • تشير إلى أن القانون قد يُرفض من المحكمة الدستورية بسبب مخالفته للدستور، كما صرح أربعة وزراء سابقين.

5. اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى (مصطفى ننيت)

الموقف: رفض شديد، معتبراً القانون تهديداً للتعددية وتكريساً للاحتكار.
التفاصيل:

  • يرى أن المشروع يؤسس لاحتكار المقاولات الكبرى، التي ستصبح “الخصم والحكم”، مشيراً إلى أن 70% من المقاولات الإعلامية في المغرب صغرى.
  • يرفض فكرة أن الصحافة تُقاس بالمال أو التشغيل، مؤكداً أنها عمل فكري وأخلاقي يرتبط بالالتزام بقضايا الأمة.
  • يعارض منح المجلس صلاحيات زجرية مثل إيقاف المواقع والجرائد، معتبراً أن هذه الصلاحيات من اختصاص القضاء، وأن إسنادها لمجلس يضم ناشرين متنافسين يهدد استقلالية الصحافة.
  • ينتقد نظام الانتداب للناشرين بناءً على رقم المعاملات وعدد العاملين، واصفاً إياه بـ”غير الديمقراطي” ويكرس التمييز.
  • يتهم الحكومة بالسعي للهيمنة على القطاع الإعلامي، رافضاً منطق التعددية.
  • يؤكد أن المشاورات لم تكن شفافة، واصفاً إياها بـ”الحبية” وليست جادة، حيث لم تُقدم مسودة واضحة للنقاش.
  • يحذر من أن القانون سيضر بالصحافة الفردية والصغرى، ويطالب بالتمثيل النسبي لضمان التنوع داخل المجلس.
  • يشير إلى تصريحات وزراء سابقين بأن القانون قد يُرفض دستورياً.

ثانيا – قراءة مقارنة: نقاط الاتفاق والاختلافنقاط الاتفاق

  1. أهمية التنظيم الذاتي وتخليق المهنة: يتفق الجميع على ضرورة التنظيم الذاتي كمكسب أساسي لحماية الصحفيين والمجتمع، مع التركيز على رفع مستوى الأخلاقيات وتنقية المشهد من الشوائب مثل التشهير، الابتزاز، والخلط بين الصحفيين والمؤثرين.
  2. هشاشة القطاع الإعلامي: هناك إجماع على أن القطاع يعاني من هشاشة اقتصادية واجتماعية، كما أظهرت جائحة كوفيد-19، مع الحاجة إلى معالجة هذه التحديات.
  3. ضرورة التعددية: جميع الأطراف تؤكد على أهمية التعددية والتنوع في تمثيل القطاعات الإعلامية، رغم اختلاف الرؤى حول كيفية تحقيق ذلك.

نقاط الاختلاف

  1. صلاحيات المجلس والعقوبات الزجرية:
    • المؤيدون (الوزير والجمعية): يرون أن صلاحيات المجلس الجديدة، مثل إيقاف المواقع وفرض العقوبات، ضرورية لضبط المشهد وتنقيته.
    • المنتقدون (النقابة واتحاد المقاولات الصغرى): يعتبرون هذه الصلاحيات تجاوزاً خطيراً على اختصاص القضاء، ويهدد استقلالية الصحافة، خاصة مع وجود منافسة بين الناشرين داخل المجلس.
    • الفيدرالية المغربية للإعلام : تؤيد تدخل المجلس في قضايا التشهير، لكنها تشكك في قدرته على تطبيق الصلاحيات بناءً على التجربة السابقة.
  2. التمثيلية الديمقراطية وهيكلة المجلس:
    • المؤيدون (الوزير والجمعية): يرون أن القانون يحترم الدستور ويعزز الديمقراطية من خلال نظام الانتخابات وتمثيل الناشرين بناءً على حجم المؤسسات.
    • المنتقدون (النقابة واتحاد المقاولات الصغرى): يشجبون تقليص تمثيلية الصحفيين إلى سبعة أعضاء، واعتماد نظام الانتداب للناشرين بناءً على رقم المعاملات، واصفين إياه بـ”غير الديمقراطي” ومكرس لاحتكار المقاولات الكبرى. يطالبون بالتمثيل النسبي لضمان التنوع والمناصفة الجندرية.
    • الفيدرالية المغربية للإعلام : تشير إلى ضعف تمثيلية الشباب والنساء، وتطالب بتوازن أكبر في التشكيلة.
  3. شمولية القانون وتحديات المستقبل:
    • المنتقدون (النقابة والفيدرالية): يرون أن القانون لا يعالج تحديات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، ويفتقر إلى تعريف دقيق للصحفي يتناسب مع هذه التحولات.
    • المؤيدون (الجمعية): يركزون على قدرة القانون على تنقية المشهد من المؤثرين وتعزيز المهنية، دون الخوض في التحديات الرقمية.
    • اتحاد المقاولات الصغرى: يحذر من أن القانون يهدد الصحافة الفردية والصغرى، ولا يقدم حلولاً للهشاشة الاقتصادية.
  4. الشفافية في المشاورات:
    • الوزير: يؤكد أن المشاورات كانت شاملة وشفافة.
    • النقابة واتحاد المقاولات الصغرى: ينتقدان غياب الشفافية، مشيرين إلى أن ملاحظاتهما لم تؤخذ بعين الاعتبار، وأن المشاورات كانت شكلية.
    • الفيدرالية المغربية للإعلام : تطالب بمشاورات أعمق لضمان إشراك جميع الأطراف.
  5. دستورية القانون:
    • الوزير والجمعية: يؤكدان انسجام القانون مع الدستور.
    • النقابة واتحاد المقاولات الصغرى: يحذران من أن القانون قد يُرفض من المحكمة الدستورية بناءً على تصريحات وزراء سابقين.
    • الفيدرالية المغربية للإعلام : لا تعلق مباشرة على الدستورية، لكنها تدعو إلى مراجعة القانون لتجنب الثغرات.

خلاصة: صراع على رؤية الصحافة المستقبلية

يعكس النقاش حول مشروع قانون إعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة صراعاً عميقاً حول رؤية الصحافة في المغرب. المؤيدون، بقيادة الوزير والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، يرون في المشروع فرصة لتنقية المشهد الإعلامي وتعزيز المهنية، مع التركيز على المقاولات الكبرى كمحرك للتطوير.

في المقابل، المنتقدون، ممثلون بالنقابة واتحاد المقاولات الصغرى، يحذرون من تهديد التعددية، تكريس الاحتكار، والمساس باستقلالية الصحافة من خلال صلاحيات زجرية ونقص الشفافية في المشاورات. الفيدرالية المغربية للإعلام تقف في منتصف الطريق، مرحبة بالإصلاحات لكنها تطالب بتعديلات لضمان التعددية ومواكبة التحولات الرقمية.

يبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن المشروع من تحقيق التوازن بين التنظيم الذاتي وحماية حرية الصحافة؟ مع استمرار النقاش في البرلمان، تدعو الأطراف المنتقدة إلى إعادة النظر في القانون لتجنب تعميق الانقسامات داخل الجسم الإعلامي، بينما تؤكد قناة ميدي1 تيفي التزامها بقيم التعددية من خلال برنامج “خاص”، الذي قدم منصة مفتوحة لكل الآراء.

المرحلة القادمة ستكون حاسمة، خاصة مع احتمال إحالة القانون إلى المحكمة الدستورية، مما قد يعيد تشكيل ملامح الجدل حول مستقبل الصحافة في المغرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!