هل يعاني المغرب من فراغ سياسي يهدد استحقاقاته المقبلة؟
المغرب يستحق قيادات جديدة تحمل رؤية المستقبل، لا تكرار الماضي

بقلم: رشيد بشيري
في ظل اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يبدو المغرب وكأنه يعيش حالة من الترهل السياسي غير مسبوقة، تثير التساؤلات حول قدرته على إنتاج قيادات سياسية جديدة قادرة على قيادة البلاد في هذه المرحلة الاستثنائية. فهل بات المشهد السياسي المغربي عقيمًا، عاجزًا عن ولادة جيل جديد من السياسيين يحملون رؤى متجددة وطاقة قادرة على إلهام الجماهير؟
في قلب هذا الترهل، نجد السجال الدائر بين رئيس الحكومة عزيز أخنوش وزعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، وكأن المغرب محكوم بحلقة مفرغة من الصراعات الباهتة بين وجوه لم تعد تجدد خطابها أو أفكارها.
رجلان، أكل الدهر منهما وشرب، يعيدان إنتاج نفس السيناريوهات البالية، يطلقان الوعود البراقة في حملات انتخابية سابقة لأوانها، دون أن يقدما إنجازات ملموسة تشفع لهما بعد سنوات طويلة من إدارة الشأن العام.
هذا الصراع، الذي يفتقر إلى الحيوية والإبداع، يعكس أزمة عميقة في المشهد السياسي، حيث يبدو أن الزمن توقف عند أسماء وشخصيات لم تعد قادرة على ملء الفراغ السياسي المتفاقم.
إذا كان المغرب يستعد بكل جدية وحزم لاستضافة مونديال 2030، من خلال تجهيز البنية التحتية واستقطاب المواهب الكروية، فلماذا لا نرى نفس الهمة في تكوين جيل جديد من السياسيين؟ في ميدان كرة القدم، ندرك أهمية تجديد الدماء وصقل المواهب لضمان استمرارية النجاح. لكن في السياسة، يبدو أننا اكتفينا بجيل قديم، كما لو أن تجربة الربيع العربي لم تعلمنا شيئًا عن ضرورة فتح المجال أمام وجوه جديدة قادرة على استقطاب الجماهير وإعادة إحياء الاهتمام بالشأن العام.
فكما في كرة القدم، السياسة تحتاج إلى لاعبين يستطيعون اللعب لتسعين دقيقة كاملة، وإلى جمهور يملأ المدرجات، سواء بالتشجيع أو بالنقد.
أين أحزاب المعارضة؟ بل أين أحزاب الأغلبية؟ يبدو المشهد السياسي خاليًا من الحياة، كما لو أن الجميع تخلى عن دوره في ملء الفراغ السياسي. المقولة الشهيرة “السلطة تحتاج إلى ضد سلطة” تبدو غائبة تمامًا عن واقعنا. ففي غياب معارضة قوية ومتماسكة، وفي ظل أغلبية تفتقر إلى الرؤية، يتحول المشهد السياسي إلى مباراة بلا جمهور، يتناطح فيها “عنزان عجوزان” على شاشات التلفزة، دون أن ينجحا في إلهام الناخبين أو استعادة ثقتهم.
الأخطر في هذا الواقع هو ما تتجاهله الدولة العميقة، أو ربما تدركه وتتجنب الإفصاح عنه: الجمهور السياسي الذي أصابه الفتور قد يغير قواعد اللعبة في لحظة غير متوقعة. فالطبيعة السياسية، كما الطبيعة البشرية، لا تحتمل الفراغ. إذا استمر هذا الوضع، فقد يجد المغرب نفسه أمام كرة جديدة، تدحرجت بطريقة لا تخدم مصالح النخب الحاكمة. الشباب، الذي يشكل غالبية الشعب المغربي، قد يبحث عن بدائل خارج الإطار التقليدي، سواء عبر حركات احتجاجية أو عبر قوى سياسية جديدة تفرض نفسها على الساحة.
إن الحل يكمن في إعادة بناء المشهد السياسي من خلال تكوين جيل جديد من السياسيين، كما نكوّن لاعبي كرة القدم في أكاديميات متخصصة. نحتاج إلى “مدرسة سياسية” وطنية تستلهم تجارب الدول الناجحة في صقل المواهب السياسية، أو ربما، كما في تجارب تاريخية، إلى مساحات جديدة للحوار والنقاش تخرّج أفواجًا من القادة الشباب. فبدون هذا التجديد، ستظل ملاعب السياسة المغربية خالية من الجمهور، مهددة بانتخابات باهتة أو بانفجار غير متوقع للفراغ السياسي.
الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ليست مجرد موعد دوري، بل فرصة لإعادة تعريف المشهد السياسي المغربي. إن غياب الكاريزما السياسية الجديدة يهدد بتحويل هذه الاستحقاقات إلى مباراة بلا هدف. فهل ستستيقظ النخب السياسية لهذا الخطر، أم سنظل نراقب نفس العنزين العجوزين يتناطحان في ملعب خالٍ من الجماهير؟ .