روزا… “نباح في الذاكرة”
وداعاً روزا: الكلبة الوفية التي عاشت روح النضال في كلية العلوم بوجدة

الكاتب (ة): عضو في مجموعة Scolarité.ump
وجدة – 17 ماي 2025
في ساحات كلية العلوم بجامعة وجدة، حيث تتردد أصداء أحلام الشباب وهتافاتهم النضالية، كانت هناك رفيقة صامتة لم تكن مجرد حيوان عابر، بل رمزاً للوفاء والإخلاص. روزا، الكلبة الشاردة التي اختارت أروقة الكلية موطناً وقلوب الطلبة ملاذاً، تركت بصمة لا تُمحى في ذاكرة من عرفوها.
ظهرت لأول مرة ذات صيف، تحمل على فرائها غبار شوارع المدينة، وعيناها تحملان هدوءاً غامضاً، كأنها تحدق في حلم بعيد. لم تكن تخاف الحشود، ولم يزعج سكينتها سوى هتافات الطلبة بشعاراتهم الوطنية، فكانت تنهض من ظل شجرة أو زاوية ممر، تهز ذيلها، وتنطلق خلفهم كأنها جزء من حلمهم.
رفيقة النضال الصامتة
روزا لم تكن بحاجة إلى دعوة لتكون جزءاً من حياة الطلبة. كانت حاضرة في كل لحظة: الوقفات الاحتجاجية، الحلقيات النقاشية، والمسيرات التي جابت شوارع وجدة وصولاً إلى بوابات الإدارات. لم يطلب منها أحد المشاركة، لكنها كانت تتبع الطلبة بإخلاص، كأنها تدرك أن النضال يحتاج إلى قلوب وفية.
في المبيتات الليلية، كانت تنام عند أقدام الطلبة، كأنها تحرس أحلامهم تحت سماء الكلية. “كانت أوفى من بعض الطلبة، وأصدق في حضورها من كل الشعارات”، يقول أحد الطلبة الذين عاصروا وجودها، مضيفاً بحنين: “كانت روزا رمزاً للإخلاص في زمن تتلاشى فيه القيم أحياناً”.
شاركت روزا الطلبة كل شيء: حر الصيف الوجدي اللاهب، وبرد الشتاء في ساحات الكلية، ودفء اللحظات العابرة بين جدران الجامعة. كانت جزءاً من همومهم اليومية، من نقاشاتهم الحماسية، ومن زوايا الكلية التي شهدت أحلامهم وتطلعاتهم. لم تطلب شيئاً، ولم تأخذ شيئاً، لكنها منحتهم حضوراً صادقاً، كأنها تقول إن النضال ليس مجرد كلمات، بل روح تتجاوز الحدود بين الإنسان والحيوان.
رحيل هادئ كسكينتها
قبل أيام، انتشر خبر وفاة روزا عبر تعليق عابر على إحدى المنصات الاجتماعية، كأنها اختارت الرحيل بصمت، كما عاشت دائماً. “غادرت كأنها تنسحب من مشهد لم يعد يشبهها”، كتب أحد الطلبة بحسرة. لم تترك وراءها سوى ذكرياتها الطيبة، تلك اللحظات التي كانت فيها رفيقة النضال الصامتة، تحمل في عينيها سكينة لم تنكسر.
رحيلها ترك فراغاً في قلوب من عرفوها، لكنه أعاد إلى الأذهان تلك الدروس البسيطة التي علمتهم إياها: أن الوفاء لا يحتاج إلى كلمات، وأن الحضور الصادق يترك أثراً أعمق من أي خطاب.
درس في الإنسانية
روزا لم تكن مجرد كلبة شاردة، بل كانت رمزاً للإنسانية المرهفة. في خطواتها الهادئة، كانت هناك قوة لا تهزم، وفي عينيها الساكنتين، حلم لم يتخل عنه. علمتهم أن الإخلاص لا يعرف حدوداً، وأن التضامن يمكن أن يأتي من أبسط المخلوقات.
في ساحات كلية العلوم بوجدة، حيث تتشابك الأحلام والتحديات، تبقى روزا شاهدة على روح الجامعة، تلك الروح التي تجمع بين النضال والأمل.
وداعاً يا روزا، يا رفيقة الطلبة الصامتة، يا من كنتِ أنبل من كثير منا. لن تنسى ساحات الكلية خطواتك الخفيفة، ولن تمحو السنين ذكراك من قلوب من عرفوك. لروحك الطاهرة، سلام من أروقة وجدة التي ستظل تحمل اسمك كشعلة تضيء دروب الوفاء والإنسانية.
ولذكراك الجميلة في قلوبنا أكتب: “سلام يا أنبل من كثيرٍ منّا”.