نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب

سعيد ودغيري حسني,

أنا كاتب يؤمن بأن الثقافة ليست مجرد كلمة بل حلم يُحاك بين ضوء الأمس وأمل الغد. حلم يضيء الطريق لكل من يريد أن يرى بلداً تشرق فيه الثقافة على كل زاوية وحجر.
نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي نناشد كل الجهات المعنية بالثقافة والفنون في المغرب، وزارة الثقافة الهيئات الحكومية، الجمعيات الثقافية، والمجتمع المدني، أن تخصص يوماً وطنياً للمتاحف. يوماً نحتفي فيه بتراثنا الغني، نفتح فيه أبواب متاحفنا مجاناً أمام الجميع، ونرفع فيه الوعي بأهمية المتاحف في تعزيز الهوية الوطنية والثقافة العامة.
إن هذا اليوم سيكون خطوة مهمة لتعزيز الانتماء الوطني ولإبراز القيمة الحقيقية لتراثنا الثقافي والفني في حياة المواطنين من جميع الأعمار والمناطق.
دعونا نجعل من هذا اليوم مناسبة وطنية تحتفل بها جميع المدن والقرى، من طنجة إلى فجيج، من الشمال إلى الجنوب، ومن كل ركن في بلادنا الحبيبة.
لماذا لا يكون لنا يوم وطني للمتاحف؟
في المتحف الحلم قد نام وابتسم
يحكى الزمان به أسرار من رسما
صوت الحضارة في جناته نغم
وكل ركن يروي المجد من قدما
عندما نتحدث عن المتاحف، فإننا لا نتحدث فقط عن مبانٍ تحفظ فيها القطع الأثرية أو الأعمال الفنية، بل عن معابد الروح التي تحوي ذاكرة الأمة وجذورها الممتدة عبر الزمن. المتحف هو القلب النابض لتراث حضارة تُسطر على صفحات التاريخ قصص أجدادنا وأحلامنا وآمال أبنائنا.
في المغرب، حيث يلتقي التنوع في الثقافة والإرث، تُعد المتاحف جسوراً متينة تربطنا بماضينا العريق وتفتح أمامنا آفاق المستقبل المزدهر. من طنجة إلى مراكش، ومن فاس إلى الرباط، ومن أكادير إلى مكناس، وفجيج الصغيرة لكنها كبيرة بملايين السنين، تحتضن بلادنا متاحف تحمل أصالة التاريخ وروعة الحضارة.
في كل عام يحتفل العالم في 17 ماي بيوم المتاحف المفتوحة، حيث تُفتح أبواب المتاحف مجانًا أمام الجميع. يوم عالمي يجسد حق الإنسان في الوصول إلى المعرفة والفن ويؤكد أن الثقافة ليست ملكًا لفئة معينة بل هي حق إنساني يُثري الروح ويُعزز الانتماء.
ومع ذلك، في بلادنا المغرب، يبقى هذا اليوم مجرد تقليد عالمي نقتفي أثره دون أن يكون لدينا يوم خاص نحتفي فيه بتراثنا وفنوننا كما نحتفي بأيام وطنية أخرى.
لماذا لا نقرر أن يكون لنا يوم وطني خاص بالمتاحف؟ يوم نمنح فيه كل المواطنين من الشمال إلى الجنوب من المدن إلى القرى، فرصة مفتوحة للغوص في بحور ثقافتنا وأصالة فنوننا. يوم نسمح فيه للطفل والشاب والعجوز أن يمروا عبر أبواب متاحفنا بلا قيود ليستنشقوا عبق التاريخ ويشاهدوا صوراً حيةً لماضٍ لا يموت يحيي الحاضر ويُبشر بغدٍ أفضل.
المتاحف ليست أماكن جامدة، بل هي منابر حية للتعليم والتربية ومختبرات للإبداع والتجديد. في كل ركن من أركان متاحفنا نلمس نبض الحركة الفنية والثقافية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة وبين التراث والحداثة.
إن تخصيص يوم وطني للمتاحف بالمغرب مع إعطاء الجمهور حق الدخول مجانًا ليس فقط هدية للناس، بل هو استثمار في الروح والعقل، تنمية للوعي الثقافي وتقوية لجذور الانتماء الوطني. إنه يوم نتذكر فيه أن الإنسان المغربي يستحق أن يحتفي بفنه وتاريخه وأن الثقافة هي جزء لا يتجزأ من حياة كل فرد في المجتمع.
في هذا اليوم يمكن أن تُنظم فعاليات تعليمية للأطفال والشباب وورش عمل تشرح أهمية المتاحف وتُقام ندوات تحكي عن تاريخ الفن المغربي وتحفز على الإبداع. يمكن أن يكون ذلك مناسبة للترويج للسياحة الثقافية داخل بلادنا ودعوة الباحثين والفنانين والمثقفين إلى تبادل الخبرات والأفكار.
إن المتاحف تعكس حاضرنا ومستقبلنا من خلال تمثيلها لماضينا. وفي زمن التسارع والتكنولوجيا تصبح المتاحف ملاذاً للهدوء والتأمل، فضاءً نلتقي فيه مع أشياء ثمينة تعيد تذكيرنا بقيم الجمال والإنسانية. فهي الأماكن التي تعلمنا كيف نحترم اختلافاتنا وكيف نبني على ما خلفه لنا السابقون لنقدم للعالم صورة مشرقة عن هويتنا.
في المغرب، ليس هناك أجمل من أن يكتشف الإنسان ثقافة بلده عبر زيارة المتاحف التي تمثل فسيفساء من الثقافات الأمازيغية والعربية والأندلسية والإفريقية والأوروبية التي تداخلت لتشكل نسيجاً ثقافياً غنيّاً وفريداً. هذا التنوع يجب أن يكون مصدر فخر واعتزاز ويُحتفل به الجميع في يوم واحد يجمع أبناء الوطن على حب المعرفة والهوية.
تشير الإحصائيات إلى أن يوم المتاحف المفتوحة عالمياً يستقبل ملايين الزوار في أكثر من 150 دولة، ما يعكس أهمية هذا اليوم في تعزيز الوعي الثقافي والوصول إلى المتاحف. أما في المغرب فتُظهر بيانات وزارة الثقافة أن عدد المتاحف الرسمية يزيد عن 30 متحفاً، لكن معدل زيارة هذه المتاحف لا يتجاوز 10% من السكان سنوياً، مما يؤكد الحاجة الملحة لرفع مستوى الوعي وتعزيز الحضور الجماهيري.
الدراسات الحديثة تؤكد أيضاً أن الاستثمار في قطاع الثقافة ينعكس إيجابياً على الاقتصاد الوطني، حيث يخلق فرص عمل ويحفز السياحة خاصة عندما تكون الفعاليات مثل أيام المتاحف المجانية جزءاً من الاستراتيجية الوطنية.
إن احتفالنا بيوم وطني للمتاحف بوجه مجاني يحمل في طياته رسالة واضحة أن الثقافة ملك لكل الناس، وأن الاستثمار في التراث هو استثمار في الإنسان والمستقبل. هو نداء لكل الجهات الحكومية والمؤسسات الثقافية والمجتمع المدني للعمل معاً من أجل بناء مغرب أكثر وعيًا وانفتاحًا على تراثه وإبداعه.
ختاماً، المتاحف ليست فقط خزائن للأشياء القديمة، بل هي منارات تنير دروب الأجيال، ومختبرات للإبداع والتفاعل، ومراكز للحوار والتفاهم. ولن يكون هناك غد أفضل دون ثقافة أفضل، ولا يمكن للثقافة أن تزدهر دون متاحف مفتوحة للجميع.
زبدة القول: المتاحف هي روح الوطن وهويته والتاريخ والحاضر والمستقبل. ويوم وطني للمتاحف بوجه مجاني في المغرب سيعيد بناء جسور الانتماء والفخر، ويمنح الجميع فرصة الغوص في بحر تراثنا وإبداعنا، ويزرع فينا أملًا بمستقبل ثقافي أكثر إشراقاً وحياة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!