قضية بيتارام: فرانسوا بايرو تحت مجهر التحقيق البرلماني في مواجهة اتهامات العنف المدرسي

في سياق جلسة استماع برلمانية حافلة بالتوترات، واجه فرانسوا بايرو، رئيس الوزراء الفرنسي السابق ووزير التعليم الأسبق، لجنة تحقيق برلمانية في 14 مايو 2025، لمناقشة قضية الاعتداءات الجنسية والعنف الجسدي التي تعرض لها طلاب في مؤسسة بيتارام التعليمية. كانت الجلسة، التي استمرت حوالي خمس ساعات ونصف، محطة حاسمة لتوضيح مسؤوليته حول هذه القضية، التي أثارت جدلاً واسعًا حول كفاءة الإجراءات الحكومية وحماية الأطفال في المؤسسات التعليمية. فيما يلي تحليل معمق للجلسة، مع التركيز على الجوانب القانونية والسياسية، مستندًا إلى المعلومات المتاحة حتى 15 مايو 2025.

السياق القانوني والسياسي

خلفية القضية

تتعلق قضية بيتارام، وهي مؤسسة تعليمية كاثوليكية في جنوب غرب فرنسا، بتقارير عن أشكال مختلفة من العنف الجسدي والجنسي تعرض لها الطلاب على مدى عقود، خاصة في التسعينيات. أبرزت التحقيقات ممارسات مثل “عقاب البارون”، حيث أجبر طالب على البقاء خارج المبنى بملابس خفيفة، مما أدى إلى انخفاض حرارة جسمه، بالإضافة إلى صفعات واستخدام طلاب كمشرفين، وهو أمر غير قانوني وقتها. شكلت اللجنة البرلمانية لتحقيق في “الأخطاء في عمل الدولة والخدمة العامة”، مع التركيز على كيفية التعامل مع التقارير والشكاوى المتعلقة بسلامة الطلاب، وامتد نطاق عملها ليشمل الظاهرة العامة للعنف في المؤسسات التعليمية، سواء كانت عامة أو خاصة.

دور فرانسوا بايرو

خلال فترة توليه منصب وزير التعليم الوطني (1993-1997)، كان بايرو مسؤولاً عن الإشراف على المؤسسات التعليمية، بما في ذلك الرقابة على المؤسسات الخاصة مثل بيتارام. اتهم بايرو بالتقاعس أو عدم الاهتمام الكافي بالتقارير المتعلقة بالعنف في بيتارام، خاصة بعد ظهور شهادات تشير إلى أنه تلقى تحذيرات مباشرة. كما ارتبط اسمه بالقضية بسبب دوره كرئيس لمجلس الإقليم في وقت سابق، مما أثار تساؤلات حول صلاته بالمؤسسة.

الإجراءات القانونية والإدارية

بعد أن علم بوجود شكوى من خلال الصحافة في أبريل 1996، طلب بايرو إجراء تفتيش للمؤسسة على المستوى الأكاديمي، وليس العام، مبرراً ذلك بأن المؤسسات الخاصة تتبع هذا المستوى. انتقدت اللجنة هذا التفتيش لكونه “سطحياً وسريعاً”، حيث أجراه مفتش واحد في يوم واحد، واستغرق التقرير ثلاثة أيام فقط. استمع المفتش إلى حوالي 20 شخصاً، بما في ذلك المدير، المشرفون، أساتذة، وممثلين عن الطلاب، لكن اللجنة أشارت إلى أن الاستماع إلى الطلاب كان محدوداً، حيث تم اختيارهم من قبل المدير، مما يشير إلى عدم شمولية التفتيش.

رغم أن الخلاصة الرسمية للتقرير كانت “حكيمة، موضوعية ومواتية للمؤسسة”، إلا أنه وثق ممارسات قاسية مثل “عقاب البارون” في ديسمبر 1995، حيث أجبر طالب على البقاء خارج المبنى بملابس خفيفة، مما أدى إلى نقله للمستشفى بسبب انخفاض حرارة الجسم، بالإضافة إلى صفعات وأساليب تربوية وصفها التقرير بأنها “من عصر آخر”. كما لاحظ التقرير وجود طلاب مشرفين، وهو أمر ممنوع قانوناً، ومشكلات في المهاجع التي تضم عشرات الأسرة، مخالفة للوائح التي تحدد عدد الأسرة بين 3 و12.

طلب بايرو متابعة من رئيس الأكاديمية بعد التقرير، لكن اللجنة انتقدت ضعف هذه المتابعة، مشيرة إلى أن رسالة المتابعة من مدير المؤسسة كانت “إعلانية”، وذكرت صعوبات مالية تعوق تجديد المهاجع، مما أثار تساؤلات حول أولويات المفتش. دافع بايرو عن اهتمام المفتش بالجانب المالي، معتبراً ذلك طبيعياً، بينما رأت اللجنة أن إهمال توصيات تتعلق بالسلامة بسبب مخاوف مالية أمر غير طبيعي.

الجدالات الرئيسية خلال الجلسة

مدى معرفة بايرو بالوقائع

أكد بايرو أن معلوماته كانت محدودة وجاءت بشكل رئيسي من الصحافة، مثل تقارير في الصحف المحلية مثل La République des Pyrénées وSud-Ouest في أبريل 1996. نفى تحت القسم تلقي أي تحذيرات مباشرة من فرانسواز غولونغ، التي ادعت أنها نبهته كتابياً وشفهياً في يناير ومارس 1995، ووصف شهادتها بأنها “خيالية” (affabulation)، مشككاً في مصداقيتها بناءً على تناقضات زمنية. من جانبها، أكدت اللجنة أن شهادتها تمثل “إشارة تنبيه” كان يجب التعامل معها، وأشارت إلى أنها واحدة من 140 شخصاً استمعت إليهم اللجنة.

كما شهد شخصيات أخرى، مثل قاضٍ سابق وجندي سابق، أن بايرو كان على علم ببعض الوقائع، خاصة فيما يتعلق بقضية بيير كاريكار، القس المتهم بالاعتداءات الجنسي، لكن بايرو نفى بشدة أي تدخل قضائي، قائلاً: “Le gendarme Hontangs, soit il ment, soit il affabule”، وأكد: “Je ne suis jamais intervenu dans aucune affaire [judiciaire].”

كفاءة الإجراءات المتخذة

دافع بايرو عن جدية التفتيش، مشيراً إلى أنه استمع إلى حوالي 20 شخصاً، وأن نتائجه كانت “حكيمة وموضوعية”. وقال إنه اكتفى بقراءة الخلاصة والمتابعة التي طلبها من رئيس الأكاديمية، معتبراً أن التقرير قدم “جميع الضمانات والتأكيدات” حول المؤسسة. كما أشار إلى أنه أصدر منشوراً وزارياً في 14 مايو 1996 حول الوقاية من العنف في المدارس، ينسق بين وزارات مختلفة، ويؤكد على اليقظة تجاه مخاطر سوء المعاملة والاعتداء الجنسي.

لكن اللجنة انتقدت سرعة التفتيش وضحالته، مشيرة إلى أن الوقت المخصص لاستماع الطلاب كان محدوداً، وأن الخلاصة الإيجابية لم تتناسب مع الوقائع الخطيرة الموثقة في التقرير. كما أشارت إلى وجود علاقة وثيقة ومباشرة بين رئيس الأكاديمية ومدير المؤسسة، ناقشا فيها كيفية التخلص من غولونغ والطالب الذي قدم والده شكوى، مما أثار تساؤلات حول التحيز.

الاتهامات بالتدخل السياسي

اتهمت اللجنة بايرو بالتدخل السياسي، خاصة فيما يتعلق بقضية كاريكار، مستندة إلى شهادات تشير إلى اتصالات من أعضاء مكتبه مع القاضي ميران، لكن بايرو نفى ذلك، معتبراً أن أي اتصال كان مشروعاً ولم يكن بأوامر مباشرة منه. كما واجه اتهامات من كتاب L’Omerta française عام 1998، يزعم أن مستشاراً له نبهه في 1997 بشأن قضايا اعتداء جنسي، وأن بايرو قال إنه لا يرى “فائدة من تشويه التعليم الوطني”. نفى بايرو هذه الادعاءات بشدة، قائلاً إنه لم يقرأ هذه السطور أبداً وليس لديه مستشار قريب يمكنه قول شيء كهذا.

التحليل السياسي والقانوني

الجوانب القانونية

يثير القضية أسئلة حول مسؤولية الدولة عن حماية الطلاب في المؤسسات الخاصة. أبرزت اللجنة فشلاً في آليات الرقابة والاستجابة للشكاوى، مما يشير إلى ثغرات في الإطار القانوني والإداري. منحت الجلسة قوة خاصة للشهادات، حيث يلزم القانون (المرسوم الصادر في 17 نوفمبر 1958) الشهود بـ”قول الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة”، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين بايرو واللجنة، خاصة حول مصداقية شهادة غولونغ.

الجوانب السياسية

اتهم بايرو اللجنة بالانحياز السياسي، مشيراً إلى أن القضية تستخدم لـ”إسقاط الحكومة”. وقد عبر عن شعوره بأنه “مستهدف”، خاصة من قبل الأحزاب المعارضة، مثل LFI، التي وصفت أداءه بـ”الفشل” (naufrage). شكلت الجلسة اختباراً حاسماً لبايرو، الذي يواجه اتهامات بالكذب والتقاعس، مما قد يؤثر على استقراره السياسي وشعبية حكومته.

الجوانب الأخلاقية والاجتماعية

وصف بايرو القضية بأنها جزء من “قارة مخفية” من العنف ضد الأطفال، ليس فقط في المدارس، بل أيضاً في المؤسسات الرياضية والثقافية والأسر. دعا إلى ضرورة الاستماع إلى الضحايا ودعمهم، مشيرًا إلى أنهم غالباً ما يصمتون بسبب الخجل أو الخوف. اقترح إنشاء “سلطة مستقلة” لمكافحة العنف ضد الأطفال، تشمل مجلساً للضحايا لضمان صوتهم، وأكد على أولويتهم في هذه القضية.

الجدول: ملخص الجدالات الرئيسية

النقطةموقف بايروموقف اللجنة
معرفته بالوقائعمعلوماته جاءت من الصحافة فقط، نفى التحذيراتتشير شهادات (مثل غولونغ) إلى تحذيرات مباشرة
جدية التفتيش 1996دافع عن جديته، استمع إلى 20 شخصاًانتقدته كـ”سطحي وسريع”، وقت محدود للطلاب
المتابعة بعد التقريرطلب متابعة من رئيس الأكاديميةوصفت المتابعة بأنها “إعلانية”، تأثرت بالماليات
التدخل السياسينفى أي تدخل قضائي، وصف الاتهامات بالكذبتشير شهادات إلى اتصالات مع القضاء، أثارت شكوك
اقتراحات مستقبليةاقترح سلطة مستقلة لمكافحة العنف، دعم الضحايارأت فيها خطوة إيجابية، لكن تحتاج إلى تطبيق

الخاتمة: دروس وانعكاسات

أبرزت جلسة استماع فرانسوا بايرو أمام لجنة التحقيق البرلمانية حول قضية بيتارام توترات عميقة داخل النظام السياسي والقانوني الفرنسي. من جهة، يدافع بايرو عن نفسه، مؤكداً أن معرفته كانت محدودة وأن إجراءاته كانت مناسبة في ذلك الوقت. من جهة أخرى، تشير الشهادات والأدلة إلى وجود ثغرات في آليات الرقابة والاستجابة للعنف في المؤسسات التعليمية، مما يطرح أسئلة جوهرية حول مسؤولية الدولة والمؤسسات.

على المستوى السياسي، تكشف هذه الجلسة عن استخدام القضايا الاجتماعية كأدوات للصراع السياسي، مما يعكس توترات أعمق داخل الحياة السياسية الفرنسية. أما على المستوى الاجتماعي، فإن القضية تسلط الضوء على ضرورة إصلاحات جذرية لحماية الأطفال، سواء في المؤسسات التعليمية أو في المجتمع بشكل عام.

في حين أن بايرو يحاول إغلاق هذا الملف بإنكار المعرفة المباشرة، فإن الجلسة تظل دليلاً على الحاجة الماسة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في جميع مستويات الحكم، خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية الأطفال. وستظل هذه القضية، بلا شك، محط نقاش واسع في الأشهر والسنوات القادمة، سواء على المستوى القانوني أو السياسي.


الاقتباسات الرئيسية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى