بطالة الشباب في جهة الشرق: أزمة مزمنة تتطلب حلولاً عاجلة بمنطق استاذ الرياضيات

عبدالعالي الجابري – وجدة، 2 ماي 2025

في إطار اهتمامه المتواصل بقضايا جهة الشرق، طرح النائب البرلماني عن دائرة وجدة، السيد عمر اعنان، سؤالاً كتابياً موجهاً إلى السيد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يسلط الضوء على معاناة شباب الجهة من البطالة المزمنة وغياب فرص الأنشطة المدرة للدخل، خاصة في المناطق الحدودية.

في قلب هذه المنطقة، حيث تتلاقى الحدود مع طموحات الشباب، تتفاقم أزمة اجتماعية واقتصادية تهدد مستقبل الجهة. معدل البطالة بين الشباب يتجاوز 19%، وهو رقم يفوق المعدل الوطني بنسبة كبيرة، فيما تظل فرص الأنشطة المدرة للدخل شحيحة في مدن مثل وجدة، جرادة، وبوعرفة…

هذا الواقع، المسنود ببيانات المندوبية السامية للتخطيط، يعكس معادلة اقتصادية معقدة: إذا كانت البطالة تتغذى على غياب الاستثمارات وضعف البنيات التحتية، فإن الحلول تتطلب تدخلات دقيقة ومستعجلة.

في هذا المقال، نستعرض أبعاد هذه الأزمة بمنطق النائب عمر اعنان استاذ الرياضيات بجامعة محمد الأول بوجدة، مع اقتراح حلول متواضعة مستنيرين بمعطيات من الواقع.

المعادلة الأولى: البطالة المزمنة والهجرة الصامتة

لنبدأ بتحليل الأرقام التي أثارها النائب عمر اعنان في سؤاله. وفقًا للإحصاء العام للسكان والسكنى، شهدت جهة الشرق انخفاضًا ديموغرافيًا غير مسبوق، من 2.3 مليون نسمة في 2014 إلى أقل من 2.25 مليون في 2022، أي خسارة تقارب 50,000 نسمة في 8 سنوات.

هذا التراجع ليس مجرد رقم، بل نتيجة منطقية لمعادلة اجتماعية:

البطالة المزمنة (19% للشباب) + غياب فرص العمل = هجرة داخلية وخارجية.

الشباب، الذين يمثلون حوالي 26.3% من سكان الجهة في 2014، يفرون من واقع يفتقر إلى الآفاق، سواء نحو مدن الداخل مثل الدار البيضاء أو الرباط، أو عبر قوارب الهجرة السرية نحو أوروبا. هذه الهجرة الصامتة ليست فقط خسارة بشرية، بل استنزاف لرأس المال البشري الذي تحتاجه الجهة لتحقيق التنمية.

إذا اعتبرنا أن كل شاب مهاجر يمثل خسارة محتملة في الإنتاجية الاقتصادية، فإن المنطق الرياضي يشير إلى أن استمرار هذا النزيف سيؤدي إلى تدهور أكبر في الناتج المحلي للجهة.

على سبيل المثال، لو افترضنا أن 10,000 شاب يهاجرون سنويًا، وكل منهم قادر على إنتاج 50,000 درهم سنويًا في حال توفرت فرص عمل، فإن الخسارة الاقتصادية السنوية تقارب 500 مليون درهم.

هذا التسرب يفاقم الفقر، الذي يصل إلى 10.2% بين الشباب في الجهة، مقارنة بـ4.8% على المستوى الوطني، كما أشار النائب في سؤاله.

المعادلة الثانية: غياب البنيات التأطيرية والفراغ الاجتماعي

إذا كانت البطالة هي المتغير الأول في هذه الأزمة، كما أكد النائب عمر اعنان، فإن غياب البنيات التأطيرية للشباب هو المتغير الثاني. في المناطق الحدودية، تكاد تكون المراكز الثقافية، الرياضية، والتنشيطية غائبة تمامًا. هذا الفراغ يخلق معادلة سلوكية خطيرة:

الشباب + الفراغ + اليأس = الانحراف أو الهجرة السرية.

بمعنى آخر، في غياب فضاءات لتوجيه الطاقات الشابة، تصبح الخيارات السلبية هي الحلول المتاحة. على سبيل المثال، في مدن مثل الناظور، تُظهر التقارير ارتفاع معدلات الجريمة البسيطة والتسرب المدرسي، وهي مؤشرات على انعدام الأنشطة البديلة التي تشغل الشباب وتمنحهم هدفًا.

من الناحية الرياضية، إذا كانت نسبة الشباب الذين لا يعملون ولا يدرسون (NEET) تصل إلى 27.9% في المغرب، مع تفاوتات كبيرة بين الجنسين (11.4% للرجال و45.1% للنساء)، فإن المناطق الحدودية مثل جهة الشرق تعاني من نسب أعلى بسبب ضعف البنيات التحتية.

لو افترضنا أن إنشاء مركز تأطيري واحد في كل إقليم (مثل وجدة، الناظور، بركان، وبوعرفة) يكلف حوالي 5 ملايين درهم، ويستطيع تأطير 1,000 شاب سنويًا، فإن استثمار 15 مليون درهم في ثلاثة مراكز يمكن أن يقلل من نسبة NEET بنسبة 5% على الأقل، مما يعني إعادة إدماج 3,000 شاب في أنشطة منتجة.

المعادلة الثالثة: برامج الإدماج الاقتصادي ومحدوديتها

تسعى وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات إلى معالجة البطالة من خلال برامج مثل “فرصة” و”انطلاقة“، اللذين يهدفان إلى دعم 10,000 مقاول شاب سنويًا بقروض ميسرة بقيمة 1.25 مليار درهم، وتمويل المقاولات الصغرى بـ8 مليارات درهم.

لكن، كما تساءل النائب عمر اعنان، هل هذه البرامج كافية لحل الأزمة في جهة الشرق؟

الجواب يكمن في التحليل المنطقي التالي:

إذا كان عدد الشباب العاطلين في الجهة يتجاوز 50,000 (بناءً على معدل البطالة 19% من إجمالي الشباب البالغ عددهم حوالي 263,000)، فإن دعم 10,000 مقاول على المستوى الوطني يعني أن الجهة لن تستفيد إلا من حصة محدودة، ربما 1,000 مقاول سنويًا.

لنفترض على سبيل المثال، أن جهة الشرق ستستحوذ على 10% من ميزانية “فرصة” (125 مليون درهم)، فإن هذا المبلغ قد يدعم حوالي 1,250 مشروعًا فقط، وهو عدد ضئيل مقارنة بحجم المشكلة.

علاوة على ذلك، تشير تقارير البنك الدولي إلى أن غياب البنيات التحتية الرقمية ومهارات ريادة الأعمال في المناطق الريفية يحد من فعالية هذه البرامج.

حلول مقترحة: من المنطق إلى التنفيذ

للإجابة على السؤال الذي طرحه النائب عمر اعنان، يجب على الوزارة اعتماد استراتيجية ثلاثية الأبعاد:

  1. تعزيز الاستثمارات المحلية: تخصيص ميزانية استثنائية للمناطق الحدودية، مثل إنشاء مناطق صناعية صغيرة في بوعرفة وجرادة واحفير، بتكلفة تقديرية 500 مليون درهم لكل منطقة. لو افترضنا أن كل منطقة تخلق 2,000 فرصة عمل، فإن استثمار مليار درهم يمكن أن يوفر 4,000 فرصة عمل مباشرة، مع آثار مضاعفة على الاقتصاد المحلي.
  2. تطوير البنيات التأطيرية: إنشاء 5 مراكز تأطير شبابي في الجهة بتكلفة إجمالية 25 مليون درهم، مع التركيز على برامج تكوينية في المهارات الرقمية وريادة الأعمال. هذه المراكز يمكن أن تؤطر 5,000 شاب سنويًا، مما يقلل من نسبة الانحراف والهجرة السرية بنسبة ملحوظة.
  3. برامج قطاعية مخصصة: إطلاق برنامج “شرق المستقبل” لدعم الأنشطة المدرة للدخل، مثل التعاونيات الزراعية والحرفية، بميزانية 300 مليون درهم سنويًا. لو دعم هذا البرنامج 3,000 تعاونية بتمويل 100,000 درهم لكل واحدة، فإنه سيخلق فرص عمل غير مباشرة لـ15,000 شاب.

خلاصة القول: نحو مستقبل مستدام لجهة الشرق

أزمة بطالة الشباب في جهة الشرق، التي أثارها النائب عمر اعنان في سؤاله الكتابي، ليست مجرد تحدٍ اقتصادي، بل معادلة إنسانية تتطلب حلولاً مستعجلة ومبتكرة.

المنطق الرياضي يثبت أن استثمارات متوازنة في البنيات التحتية، التأطير، والأنشطة المدرة للدخل يمكن أن تحول هذا الواقع المؤلم إلى فرصة للتنمية.

السؤال الآن للسيد الوزير: هل ستتخذ الوزارة خطوات جريئة لإعادة كتابة مستقبل شباب جهة الشرق، استجابة لنداء النائب والمجتمع؟

ملاحظة أخيرة : نتمنى ان يصل مقالنا، كملحق لسؤال السيد النائب، للسيد الوزير ….

بطالة الشباب في جهة الشرق: أزمة مزمنة تتطلب حلولاً عاجلة بمنطق استاذ الرياضيات插图

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى