بنكيران في فاتح ماي 2025: نداء نضالي للعمال ودفاع عن الوطن والقضية الفلسطينية

عبدالعالي الجابري – 1 ماي 2025
في خطاب حماسي ألقاه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بمدينة الدار البيضاء بمناسبة فاتح ماي 2025، وجه نداءً قويًا إلى العمال والمغاربة، داعيًا إياهم إلى الانخراط في النضال الاجتماعي والسياسي تحت راية الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (UNTM)، الذي وصفه بالنقابة “النزيهة والصادقة”.
الخطاب، الذي وثقته مقاطع فيديو على منصة يوتيوب، تناول قضايا حيوية تشمل الفساد النقابي، الظلم الاجتماعي، السياسات الحكومية، والتزام المغرب التاريخي بالقضية الفلسطينية. سنحاول في هذا المقال تقديم تحليل معمق لخطاب بنكيران، مع تطعيمات إضافية من مصادر موثوقة، لإبراز دلالاته السياسية والاجتماعية في سياق مغربي وإقليمي معقد.
الاتحاد الوطني للشغل: نقابة النزاهة في مواجهة الفساد
استهل بنكيران خطابه بالإشادة بالاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، واصفًا إياه بـ”النقابة الصادقة والنقية” التي لا تبيع ولا تشتري العمال، وتضع مصالحهم فوق كل اعتبار.
هذه الإشادة جاءت في سياق نقد لاذع لبعض النقابات الأخرى، التي اتهمها بالفساد والتآمر مع أرباب العمل لخداع العمال. وفقًا للخطاب، هذه النقابات “المرتزقة” تتلقى أموالًا وتتفاوض سرًا مع أصحاب الأعمال، تاركة العمال بدون مكاسب حقيقية. بنكيران أشار إلى أن هذه النقابات تستغل خطابات رنانة لتضليل العمال، لكنها تتخلى عنهم عند الحاجة.
نشير أنه بحسب تقرير لمجلة تيل كيل عربي (26 أبريل 2025)، فإن الفساد النقابي في المغرب ليس ظاهرة جديدة، حيث واجهت نقابات بارزة اتهامات بالتواطؤ مع الحكومة أو أرباب العمل لتسوية نزاعات عمالية على حساب حقوق الشغيلة. هذا الواقع يعزز رواية بنكيران، لكنه يثير تساؤلات حول قدرة الاتحاد الوطني للشغل على الصمود في مواجهة هذا النظام المتجذر.
بنكيران لم يكتفِ بمهاجمة النقابات الأخرى، بل أشار إلى أن العمال أنفسهم يعانون من الخوف، خوفًا من فقدان وظائفهم أو مواجهة عقوبات إذا انضموا إلى نقابة مثل UNTM. هذا الخوف، حسب تحليله، يعيق الحركة النقابية النزيهة ويعزز هيمنة النقابات “المرتزقة”.
لمواجهة هذا التحدي، دعا بنكيران العمال إلى التغلب على مخاوفهم، مؤكدًا أن الدولة لا تتدخل في مثل هذه القضايا، وأن نقابته مستعدة للتصدي لأي ظلم، حتى لو كان مصدره الدولة.
نقد الحكومة: اقتصاد الفقراء تحت المجهر
لم يقتصر خطاب بنكيران على القضايا النقابية، بل امتد ليشمل نقدًا حادًا للسياسات الاقتصادية للحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش. اتهم الحكومة بتفضيل النقابات “المتواطئة” التي تستفيد من صفقات مغلقة، بينما يُترك العمال بدون مكاسب. كما انتقد تفاوت الأجور بين الموظفين، الذين يتقاضون حوالي 8000 درهم شهريًا، والعمال، الذين لا يتجاوز دخلهم 3000 إلى 4000 درهم، مشيرًا إلى أن التضخم يفاقم معاناة هؤلاء العمال.
وقد اشرنا في مقالات سابقة، أنه وفقًا لتقرير المندوبية السامية للتخطيط (أبريل 2025)، بلغ معدل التضخم في المغرب 6.2% خلال الربع الأول من 2025، مما أثر بشكل خاص على الفئات ذات الدخل المنخفض، بما في ذلك عمال النظافة والقطاعات غير المهيكلة. هذا الواقع يدعم نقد بنكيران للسياسات الحكومية، التي يرى أنها لا تعالج الفوارق الاجتماعية بشكل كافٍ.
بنكيران ذهب إلى أبعد من ذلك، متهمًا الحكومة بـ”اللعب بالكلام” فيما يتعلق بالمساعدات الاجتماعية، مثل تقليص دعم الأرامل، وهو ما وصفه بـ”عدم المنطق والإنسانية“.
هذا النقد يعكس استراتيجية بنكيران الشعبوية التي تركز على الفئات المهمشة، في محاولة لاستعادة شعبية حزبه بعد تراجعه في الانتخابات الأخيرة.
القضية الفلسطينية: ركيزة الوحدة الوطنية
كان دعم القضية الفلسطينية محورًا بارزًا في خطاب بنكيران، حيث أكد على وجود “إجماع وطني” حول هذه القضية، مشبهًا إياها بقضية الصحراء المغربية. وأشار إلى الروابط التاريخية والثقافية بين المغرب وفلسطين، مستحضرًا حي المغاربة في القدس وباب المغاربة، فضلاً عن دعم الملوك العلويين المتواصل لهذه القضية.
بنكيران لم يدخر جهدًا في مهاجمة من يقللون من أهمية القضية الفلسطينية، واصفًا إياهم بـ”الحمير” و”الميكروبات”، في إشارة إلى نخب سياسية وإعلامية يرى أنها تروج لخطاب التطبيع مع إسرائيل.
الأكيد بالنسبة لنا أن تصريحات بنكيران حول فلسطين تأتي في سياق حساس، حيث أثارت اتفاقيات التطبيع التي وقّعها المغرب عام 2020 جدلًا واسعًا. في نوفمبر 2023، أقر بنكيران بخطأ توقيع حزبه على هذه الاتفاقيات تحت “ضغوط الدولة”، وهو ما يكشف عن محاولته الآن لاستعادة مصداقيته كمدافع عن القضية الفلسطينية.
هذا التحول يعكس استراتيجية سياسية تهدف إلى استمالة الشارع المغربي، الذي يحتفظ بتعاطف قوي مع فلسطين، خاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.
نذكر ان بنكيران ميّز بين اليهود، الذين عاش المغاربة معهم بسلام تاريخيًا، والكيان الصهيوني، الذي اتهمه بارتكاب جرائم وحشية، مشيرًا إلى أرقام ضحايا مبالغ فيها (مثل 30 ألف طفل) لتأكيد خطورة الوضع.
هذا الخطاب، رغم عاطفيته، يعكس محاولة لربط القضية الفلسطينية بالهوية الوطنية المغربية، مستحضرًا شعارات جماهير الألتراس مثل “صيفطونا لفلسطين نقاتل الصهاينة”.
الوطن والنزاهة: دعوة للعودة إلى الأصالة
في سياق حديثه عن “الوطن”، قدم بنكيران رؤية شاملة تجمع بين الهوية الإسلامية، اللغة العربية، والأمازيغية كروافد للوحدة الوطنية. رفض بشكل قاطع أي دعوات للانقسام العرقي، مشيرًا إلى أن المغرب يتجاوز التصنيفات مثل “عربي” أو “شلح“.
هذه الرؤية تعكس محاولة لتعزيز التماسك الاجتماعي في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية.
كما ربط بنكيران بين نزاهة الأمة ومكافحة الفساد، محذرًا من أن الفساد في الأعلى يشجع المواطنين على الغش في حياتهم اليومية، مثل التلاعب بالمنتجات الغذائية. داعيا إلى “العودة إلى المعقول”، أي الالتزام بالقيم الأخلاقية والنزاهة كأساس لبناء مجتمع عادل.
لسنا بحاجة للتذكير انه بحسب تقرير للمنظمة الدولية للشفافية (Transparency International) لعام 2024، يحتل المغرب المرتبة 73 عالميًا في مؤشر مدركات الفساد، مما يعكس تحديات مستمرة في مكافحة الفساد على مستوى المؤسسات.
خطاب بنكيران يستغل هذا الواقع لتعبئة الرأي العام ضد الحكومة، لكنه يتجاهل دور حزبه السابق في إدارة الشأن العام خلال فترة حكمه (2011-2016)، التي شهدت أيضًا انتقادات مماثلة.
وجهة نظر الجريدة: استراتيجية شعبوية أم نضال حقيقي أم مناورة سياسية؟
خطاب بنكيران يعكس مزيجًا من الخطاب الشعبوي والنضالي، يهدف إلى استعادة مكانة حزب العدالة والتنمية بعد تراجعه الانتخابي. من خلال التركيز على قضايا العمال، الفساد، والقضية الفلسطينية، يسعى بنكيران إلى استمالة الطبقة العاملة والشباب، الذين يشكلون قاعدة انتخابية محتملة.
ومع ذلك، فإن هجومه الحاد على الحكومة ورئيسها عزيز أخنوش، الذي وصفه ضمنيًا بالمتعالي على النقابات الصغيرة، قد يعزز الاستقطاب السياسي بدلاً من فتح حوار بناء.
نشير هنا الى أن تصريحات بنكيران حول أخنوش، كما وردت في منشورات على منصة X، تكشف عن حملة انتخابية مبكرة، حيث اتهمه بـ”تحزيب الإدارة” وتوزيع المناصب على الأصدقاء.
هذا الخطاب يعكس محاولة لاستغلال استياء الشارع من الأزمة الاقتصادية، لكنه يواجه تحديًا بسبب سجل بنكيران نفسه كرئيس حكومة، الذي تضمن قرارات مثيرة للجدل مثل إصلاح نظام التقاعد.
من ناحية أخرى، يظهر خطاب بنكيران انسجامًا مع القيم التقليدية لحزب العدالة والتنمية، التي تركز على العدالة الاجتماعية والهوية الإسلامية. دعوته إلى دعم القضية الفلسطينية ورفض التطبيع تعكس محاولة لاستعادة المصداقية أمام قاعدته الشعبية، خاصة بعد انتقادات وجهت لحزبه بسبب التطبيع.
لكن تصريحاته المثيرة للجدل، مثل وصف معارضي القضية الفلسطينية بـ”الحمير” و”الميكروبات”، قد تعرضه لانتقادات بسبب لغته الحادة، كما أشارت منشورات لمجموعة من من يساندون طرح التطبيع ولو بشكل غير علني.
خلاصة القول، خطاب عبد الإله بنكيران في فاتح ماي 2025 يجمع بين النضال النقابي، الدفاع عن القضية الفلسطينية، والهجوم على الحكومة، في محاولة لتعبئة العمال والمغاربة تحت راية الاتحاد الوطني للشغل. من خلال تصوير نقابته كحصن النزاهة في مواجهة الفساد، وتأكيده على الوحدة الوطنية والالتزام بالقضية الفلسطينية، يسعى بنكيران إلى إعادة إحياء شعبية حزبه.
لكن التحدي يكمن في تجاوز الاتهامات بالشعبوية وإثبات قدرته على تقديم بدائل ملموسة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
في سياق يتسم بالاستقطاب السياسي، يبقى خطاب بنكيران صوتًا قويًا يعبر عن هموم الطبقة العاملة، لكنه يحتاج إلى استراتيجية أكثر شمولية لتحقيق تأثير دائم في المشهد السياسي المغربي.