مهرجانات مغربية في مهب التأجيل: بني عمار يعيش مرارة الحيف والحرمان بعد مرور ربع قرن على تأسيسه

عبد العزيز بنعبو

الرباط ـ «القدس العربي»:

تحول الحديث عن تأجيل بعض المهرجانات المغربية إلى ما يشبه الحديث عن ظاهرة غير صحية، بعد قرار جمعية «إقلاع للتنمية المتكاملة» تأجيل الدورة الـ 14 من مهرجان بني عمار الشهير إلى العام المقبل، تلاه قرار مماثل لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط الذي غيّر أجل موعد انطلاق دورته الـ 30 من نيسان/أبريل إلى تشرين الأول/أكتوبر.

وكانت المتاعب المالية هي القاسم المشترك بين قراري بني عمار وتطوان، مع وجود فارق كبير يتمثل في كون المهرجان الأول لن ترى دورته الجديدة النور إلا في العام المقبل، بينما المهرجان الثاني سينعقد هذه السنة مع تغيير في مواعيد الانطلاق، بستة أشهر.

الأسئلة المقلقة تناسلت بكثرة على ضفاف هذه القرارات التي صدم بعضها المشهد الفني والثقافي والجمعوي المغربي، خاصة مهرجان بني عمار الشهير عالميا بـ «كرنفال الحمير» والذي يتضمن فقرات متنوعة يكون الفن فيها مأدبة دسمة باستمرار بحضور نجوم كبار وأسماء بارزة في مجالات الغناء والتمثيل والتشكيل. وبسبب التأجيل، تظلّ غصة في حلق عدد كبير من المهتمين والمتتبعين وعشاق تلك التظاهرة الفريدة، التي سبق أن استضافت ناس الغيوان، جيل جيلالة، المشاهب، السهام، وعدد من المسرحيين مثل محمد الجم، عبد الحق الزروالي، لطيفة أحرار، عبد الكبير الركاكنة، ومن الموسيقيين عازف البيانو العالمي الفرنسي مارلاك فيلا، ومحمد الأشراقي، ومحمد علي الذي توفي قبل أيام وغيرهم كثير.

اما بالنسبة لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط فاسمه يدل عليه، وهو التخصص في الفن السابع مع التركيز على عطاء مبدعيها المنتمين لضفتي المتوسط. وكان غريبا استقبال عموم المشهد السينمائي لخبر التأجيل بناء على «أسباب مادية». وهو ما أوضحته إدارة المهرجان في بيان تأجيل الدورة الـ 30 التي كانت مقررة بين 26 نيسان/أبريل و3 أيار/مايو، لتنتقل إلى الفترة الممتدة من 25 تشرين الأول/أكتوبر إلى 1 تشرين الثاني/نوفمبر، من كون القرار أملته «الصعوبات المالية واللوجستية التي يواجهها المهرجان في اللحظة الراهنة، وهو ما لا يتيح إمكانية تنظيم التظاهرة في ظروف لائقة».

في رأي العديد من المتتبعين فإن بلوغ مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط عامه الـ 30 يجب أن يفضي مباشرة إلى نوع من الحصانة أمام العثرات المادية، وليس العكس أن تكون الصعوبات المادية حاجزا يحول دون انطلاق دورة كانت تعد بالكثير كما الدورات السابقة. قد تبدو محنة هذا المهرجان السينمائي في تطوان هينة نسبيا أمام محنة مهرجان بني عمار، الذي لم يتمكن من تنظيم سوى 13 دورة طيلة عمره الممتد على مدار ربع قرن، ولم تشفع له سنواته الـ 25 من أن يصبح قارا ومستقلا وأن يجري احتضانه من طرف مؤسسات عمومية ومجالس بلدية وجهوية منتخبة، باستثناء وزارة الثقافة التي لم تخلف موعدها معه، فكان دعمها أحد أسباب نجاح الدورة الـ 13.

قبل 25 عاما لم يكن أحد يسمع بقصبة بني عمار، هذه القرية الجبلية التي تبعد ببضع كليومترات عن مدينة مولاي ادريس زرهون وبما يقارب 40 كيلومترا عن مدينة مكناس (وسط البلاد)، جاءها فيض الشهرة بعد أولى دورات المهرجان الذي استضاف أسماء إبداعية في مجالات الشعر والقصة والتشكيل ونجوما كبارا في الموسيقى والتمثيل والتشكيل.

ولم يشفع تصنيف وزارة الثقافة لمهرجان بني عمار كموروث غير مادي في أن يكون على رأس قائمة التظاهرات المدعمة من طرف هيئات منتخبة ومجلس جهة فاس مكناس، كما لم تشفع له في ذلك دورته الـ 13 الناجحة التي أقيمت تحت شعار «الأمل ازدهار الجبل»، وتوزع برنامجها عبر الندوات والأوراش والمعارض والسهرات والكرنفالات والجداريات التي استهدفت مختلف شرائح الساكنة المحلية، واستقطبت نخبة من المثقفين والأكاديميين والمبدعين والفرق الفنية والزوار من داخل المغرب وخارجه، ونالت كالعادة اهتمام كبرى وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الوطنية والعربية والدولية.

ورغم كل هذا النجاح، تقول الجهة المنظمة للمهرجان، فإنه «ما زال يعاني من الحيف والتمييز والحرمان من حقه المشروع في دعم المجالس المنتخبة، (مجالس الجهة والمحافظة والإقليم) والمؤسسات العمومية، التي تواصل ممارسة حيفها الظالم في حق مهرجاننا، رافضة تفعيل التوجيهات الملكية للنهوض بالعالم القروي ومنحه حقه في التنمية المستدامة، ومستهترة أيما استهتار بكل ما يتعلق بالإنصاف والمساواة والعدالة المجالية وتساوي الفرص، وكل ما ينص عليه الدستور من بنود ذات الصلة بالموضوع».

وكان لافتا للانتباه النجاح الكبير الذي عرفته الدورة 13 من خلال برمجة متنوعة، حضر فيها الفن بقوة من خلال «ألوان بني عمار» وهي تظاهرة تشكيلية تحول جدران القصبة إلى جداريات فنية، أبدعتها ريشات كل من الفنانين التشكيليين مصطفى أجماع، داني زهير، علال العاصمي، سامية الكوكي، لمياء الفلوس، حكيم غيلان، سعيد جابر، التهامي الفاضلي، الحبيب الحجامي، مشروحي الذهبي وأشرف المراني.

المسرح بدوره بصم على حضور مميز في تلك الدورة من خلال عرض مسرحي لرائد المسرح الفردي عبد الحق الزروالي، أما السهرات فحدث ولا حرج بين الفن الكناوي والعيساوي والأندلسي (طرب الألة)، ناهيك عن سهرات إفريقية لفرق من القارة السمراء.

المرارة التي تذوقها الرأي العام في بيان الجمعية المنظمة لمهرجان بني عمار، هي نفسها التي تحدث بها مدير المهرجان الشاعر والإعلامي محمد بلمو، حين سألته «القدس العربي» عن عنصر المفاجأة في تأجيل الدورة الـ 14، وعن أسباب هذا القرار الذي يزيد من محنة مهرجان يعتبر من انجح وأشهر المهرجانات المغربية. ويجزم في جوابه أنه «من الصعب توقع الردود الفجائية لبعض المسؤولين، لقد تلقينا وعدا من رئيس جهة فاس مكناس لدعم الدورة السابقة للمهرجان، وعليه وضعنا علامة الجهة على كل منشورات الدورة كمدعم ثان بعد وزارة الثقافة، كما ذكرنا ذلك في مختلف البلاغات الصحافية التي أصدرناها بالمناسبة من قبل ومن بعد، لكن بعد ذلك سيتبين أن الجهة قد انقلبت على وعدها بفعل فاعل، وهو ما جعلنا في ورطة، لأننا قمنا بالدعاية لها مجانا، وبالمقابل تسبب نكثها للعهد في عجز مالي أدى إلى تأجيل الدورة الـ14 التي كنا نستعد لتنظيمها في شهر أيار/مايو المقبل».

باختصار يتضح أن المتاعب المالية هي السبب الرئيسي في تعثر دورات المهرجان وعدم انتظامها، لذلك يقول محمد بلمو، إن ذلك صحيح، ويضيف موضحا «رغم أن ما نبرمجه لتغطية مالية المهرجان ليس بالمبلغ الكبير بالمقارنة مع مهرجانات نمطية وسطحية توفر لها المليارات، إلا أننا نعاني منذ انطلاق المهرجان قبل 25 سنة من حرماننا من دعم المجالس المنتخبة خصوصا مجلس الجهة والمجلس الإقليمي، بالإضافة إلى مختلف المؤسسات العمومية، فباستثناء الدعم المشكور والمتواصل لوزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، إلا أن ذلك لا يكفي لتغطية تكاليف مهرجان متنوع المواد والفعاليات، رغم مساهمة أعضاء مكتب الجمعية المنظمة وبعض أطر (كوادر) قصبة بني عمار في الميزانية من مالهم الخاص. وهذا يطرح سؤالا عريضا حول هذا التمييز الظالم الذي يتعرض له مهرجاننا رغم الإشعاع الدولي الذي يحظى به، ورغم تسجيله تراثا وطنيا غير مادي ورغم نيله جائزة عالمية».

وعن الحيف الذي تؤكد الجمعية المنظمة للمهرجان أنه يتعرض له من طرف مؤسسات عمومية وهيئات منتخبة، يقول بلمو في حديثه لـ «القدس العربي»، إنه على ما يبدو يقسم بعض المسؤولين المغربَ إلى مغربين، مغرب المدن الذي يحظى بكل الاهتمام والرعاية والدعم والتمويل، على جميع المستويات، بما فيها المهرجانات والتظاهرات التي تنظم في هذه المدن حتى لو كانت فارغة وتافهة، وهناك مغرب الأرياف والبوادي والجبال، الذي يعتبرون سكانه مواطنين من درجة متدنية، لا يستحقون إلا النزر القليل، فإذا توفرت لهم طريق رديئة ومدرسة متواضعة ومستوصف يسكنه العنكبوت وبعض الماء والكهرباء فهذا يكفيهم ويزيد، أما الثقافة والترفيه والموسيقى والرياضة فلا حق لهم فيها. هذا هو واقع الامر أما الاستثناء فلا يقاس عليه».

المحنة التي تتوالى كل عام لا بد لها من مخرج، لذلك سألت «القدس العربي» مدير مهرجان بني عمار هل يحتاج إلى دعم قار كي يستطيع مواصلة المسير بخطوات ثابتة، ليؤكد أنه «لو توفر لمهرجاننا دعم ثان بالإضافة إلى دعم وزارة الثقافة، لكنا ننظم خلال هذا الربيع الدورة الـ 25 وليس الاضطرار مرة أخرى إلى تأجيل الدورة الـ 14 إلى السنة المقبلة، ولكان الاقبال عليه تضاعف عشرات المرات، وربما هذا ما يخيف بعض النخب الحضرية من مهرجاننا ويجعلها في موقع من يحاربه فقط لأنه ينظم في قرية جبلية ويحتفي بالحمار. فنحن بإمكاننا بمبلغ هزيل لا يساوي حتى مصاريف النقل في مهرجانات أخرى، أن ننظم أحد أفضل وأجمل وأروع المهرجانات».

وفيما يتعلق باعتبار المنظمين عرقلة المهرجان هي عرقلة للأنشطة ذات الطبيعة التنموية في الأرياف والبوادي، سألنا مديره هل هناك من يخالف توجه المغرب كدولة نحو دعم كل ما من شأنه خلق الوعي وإنعاش الأرياف والقرى فنيا وثقافيا واجتماعيا مثل الحواضر؟ بالنسبة للإعلامي والشاعر بلمو فإن ذلك «بكل تأكيد» هو واقع الأمر، لأن «النخب السائدة اليوم في المدن هي في مجملها تعادي القرى والأرياف، وتعتبر ساكنتها مجرد احتياطي انتخابي لا أقل ولا أكثر، ولذلك تقف ضد تنميتها وتقدمها وازدهارها».

البيان الصادر عن الجمعية المنظمة لمهرجان بني عمار ما زال حديث المشهد الفني والثقافي والجمعوي في المغرب، فقد وضع الأصبع على مكمن الخلل في دعم التظاهرات والمهرجانات الفنية والثقافية ذات البعد الاجتماعي والتنموي في الأرياف ومختلف المناطق النائية البعيدة عن المدن الكبرى.

وبكل مرارة وحزن أعلنت الجمعية في بيانها الذي اطلعت «القدس العربي» عليه، عن تأجيل الدورة 14 للمهرجان (دورة الراحل الدكتور محمد الخضوري) إلى ربيع 2026، ويحتفظ بما سطره على مستوى البرنامج، وستكتفي الجمعية خلال هذه السنة بتنظيم عدد من اللقاءات والأنشطة غير المكلفة التي سيعلن عنها في حينه.

كما أعلنت عن اعتزامها رفع «تظلم من الحيف الذي يعاني منه المهرجان طيلة 25 سنة، إلى الجهات ذات الاختصاص»، لأنه «لا يعقل أن مهرجاننا الذي سجلته وزارة الثقافة تراثا وطنيا غير مادي، ووثقته اكاديمية المملكة المغربية في موسوعة الملحون من خلال قصيدة تتغنى به، للشيخ الراحل احمد سهوم، والذي فضلا عن ذلك نال الجائزة العالمية للخيول من العاصمة السويسرية جنيف، يلقى كل هذا النكران والحيف والتمييز والتهميش من طرف من يحتم عليهم المنطق والقانون أن يكونوا أول مدعميه».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى