أداء المعارضة في المغرب عام 2025: سياق المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية

مقدمة
في سياق المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية (PJD) المنعقد يومي 26 و27 أبريل 2025 في بوزنيقة، يبرز السؤال حول أداء الأحزاب المعارضة في المغرب، خاصة في ظل تحديات سياسية واقتصادية متصاعدة. تضم المعارضة البرلمانية أحزاباً رئيسية مثل العدالة والتنمية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، لكن أداؤها يعاني من التشتت والقصور، مما يؤثر على قدرتها على مواجهة الأغلبية الحكومية القوية (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال).
من خلال تركيزنا على وثائق وتصريحات أفراد ومسؤولي حزب العدالة والتنمية، ومناسبة المؤتمر التاسع شرط، طبعا لقراءة وثائق كل الاحزاب خلال الشهور الاولى من سنة 2025 ومحاولة تحليلها قد يتطلب مجهودا كبيرا، اضافة الى مساحة زمنية طويلة، لذا أخذنا ما صدر عن العدالة والتنمية كأرضية مع وضع في الاعتبار ان الانتقادات الموجهة للحكومة متشابهة… وخلصنا الى هذه القراءة الاولية والقابلة للنقاش او التعديل اوالتطوير.
أولا : نقاط القوة في أداء الأحزاب المعارضة
1- نقد قوي للحكومة من حزب العدالة والتنمية:
المعارضة تركز في نقدها لأداء الحكومة، على معطيات اقتصادية مثل ارتفاع الدين العام إلى 71.6% من الناتج الداخلي الإجمالي (1,050 مليار درهم)، تفاقم البطالة إلى 13.2% (1.6 مليون عاطل)، وفشل الحكومة في تحقيق وعودها (خلق مليون فرصة عمل، إخراج مليون أسرة من الفقر).
هذا النقد الموثق يعزز مصداقيتها كقوة معارضة رائدة، خاصة مع استغلال للإحباط الشعبي من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 12% منذ 2022.
2- تحركات تنسيقية جديدة:
شهد عام 2025 تحركات لتوحيد المعارضة، مثل إعلان “التكتل الشعبي” في يناير 2025، الذي يضم الحركة الشعبية، الحزب الديمقراطي الوطني، والحزب المغربي الحر. هذا التحالف يهدف إلى تقديم بديل شعبي ورد الاعتبار للمشهد السياسي، في ظل “انحباس سياسي” وتراجع الثقة في المؤسسات التقليدية.
كما استأنف الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية تنسيقهما لتوحيد اليسار، مما يعكس محاولات لتجاوز التشتت.
3- استجابة للهموم الشعبية:
من جانبه يبرز العدالة والتنمية في الاستجابة للقضايا الشعبية، مثل رفض التطبيع مع إسرائيل، الذي يحظى بدعم 78% من المغاربة (استطلاع معهد الدراسات الاجتماعية، 2024).
كما يدافع PJD عن إصلاح التعليم وتعزيز الهوية الثقافية، بينما يركز الاتحاد الاشتراكي على قضايا العدالة الاجتماعية. هذه المواقف تتماشى مع هموم الشارع، خاصة مع مشاركة أكثر من مليون مواطن في مظاهرات داعمة لفلسطين منذ 2023.
4- تفاعل مع طلبات الانخراط:
تُظهر دراسة أجراها المركز المغربي للمواطنة (2023) أن حزب العدالة والتنمية تفاعل بنسبة 67% مع طلبات الانخراط الإلكترونية، بينما بلغت نسبة تفاعل التقدم والاشتراكية 33%. هذا التفاعل يعكس قدرة الحزب على جذب أعضاء جدد، رغم عزوف الشباب عن الأحزاب (70% من الشباب لا يثقون في العمل السياسي).
5- حقوق دستورية محصنة:
يوفر دستور 2011 للمعارضة البرلمانية حقوقاً مثل رئاسة لجنة العدل والتشريع ولجنة مراقبة المالية، وإمكانية إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية بخمسة أعضاء فقط. هذه الآليات تمنح المعارضة أدوات رقابية، رغم استغلالها المحدود بسبب التشتت.
ثانيا: نقاط الضعف في أداء الأحزاب المعارضة
1- التشتت والخلافات الداخلية:
تعاني المعارضة من انقسامات حادة، كما يتضح من الخلاف بين الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية حول رئاسة لجنة العدل والتشريع (2024)، مما أدى إلى تعطيل جلسة دستورية لحصيلة الحكومة. كذلك، رفض العدالة والتنمية المشاركة في ملتمس رقابة اقترحه الاتحاد الاشتراكي، معتبراً إياه “انفرادياً”. هذه الخلافات أضعفت التنسيق، مما جعل المعارضة “هشة وغير منسجمة”.
2- غياب برامج بديلة واضحة:
رغم نقد العدالة والتنمية للحكومة، فإن البيان الختامي لمؤتمره يفتقر إلى مقترحات اقتصادية ملموسة، مثل دعم الفلاحة (تشغل 38% من القوى العاملة) أو المقاولات الصغرى (90% من الاقتصاد غير المهيكل). بقية الأحزاب، مثل الاتحاد الاشتراكي، تركز على نقد عام دون تقديم حلول مبتكرة، مما يُقلل من جاذبيتها للناخبين الشباب.
3- ضعف التأثير البرلماني:
تُظهر تقارير أن المعارضة فشلت في استغلال أدواتها البرلمانية، مثل طرح إشكالات كبرى بمؤشرات وأرقام، أو تفعيل الدور التشريعي. بدلاً من ذلك، تركز على “التراشق اللفظي” وتصفية الحسابات، مما لا يرقى إلى تطلعات الرأي العام الذي ينتظر حلولاً لأزمات مثل توقف 25,000 طالب في كليات الطب (2024-2025) أو انهيار القطاع الصحي العمومي.
4- تراجع الثقة الشعبية:
تكشف معطيات المندوبية السامية للتخطيط (2023) أن 1% فقط من الشباب يمارسون العمل السياسي داخل الأحزاب، بينما 70% لا يثقون في جدواه. هذا العزوف يُفاقم أزمة الوساطة بين الأحزاب والمجتمع، خاصة مع تنامي التأطير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تؤدي دور المعارضة في قضايا مثل ارتفاع أسعار المحروقات.
5- هيمنة الأغلبية الحكومية:
يواجه المعارضة تحالف حكومي قوي (269 مقعداً من 395 في البرلمان)، مما يُقلل من تأثيرها. هذا التحالف، بقيادة التجمع الوطني للأحرار، يستفيد من موارد مالية وتنظيمية، بينما تعاني المعارضة من ضعف التمويل ومحدودية الحضور الميداني، خاصة خارج المدن الكبرى.
ثالثا: سياق أداء المعارضة في 2025
البيان الختامي لمؤتمر العدالة والتنمية يعكس محاولة الحزب استعادة زخمه بعد هزيمة 2021 (من 125 إلى 13 مقعداً)، مستغلاً شعبية عبد الإله بنكيران (82% من تأييد المندوبين).
لكن أداء المعارضة ككل يعاني من تحديات بنيوية:
أولاً، التشتت يُضعف قدرتها على مواجهة الأغلبية، كما يتضح من فشل التنسيق حول ملتمس الرقابة (2024).
ثانياً، اقتصادياً، تستند المعارضة إلى معطيات دقيقة (إفلاس 15,000 مقاولة صغرى، ارتفاع الدين بـ200 مليار درهم)، لكنها تفتقر إلى رؤية بديلة، مثل استغلال نمو قطاع الطاقة المتجددة (5 مليارات دولار استثمارات في 2024).
ثالثا، سياسياً، تحركات مثل “التكتل الشعبي” قد تكون دعائية أكثر منها استراتيجية، حيث يُنظر إليها كمحاولة لإنقاذ أحزاب صغيرة من “الانقراض السياسي”.
رابعا: وجهة نظر حول أداء المعارضة
ختاما يمكن القول أن أداء الأحزاب المعارضة في 2025 يعكس تناقضاً بين إمكانيات كبيرة (حقوق دستورية، نقد موثق) وعوائق بنيوية (تشتت، ضعف البرامج).
العدالة والتنمية، مثلا ، يتفوق في تعبئة قاعدته عبر خطاب الهوية والنقد، لكنه بحاجة إلى برامج اقتصادية ملموسة لجذب الشباب والطبقة الوسطى.
تحركات التنسيق، مثل “التكتل الشعبي“، خطوة إيجابية، لكن نجاحها يعتمد على تجاوز الخلافات والتركيز على قضايا مشتركة.
خامسا: لتحسين أدائها، يجب على المعارضة:
- توحيد الجهود: تشكيل جبهة معارضة موحدة لمواجهة الأغلبية.
- برامج مبتكرة: اقتراح حلول لأزمات التعليم، الصحة، والتشغيل.
- جذب الشباب: تعزيز التفاعل الرقمي وتجديد النخب (60% من قيادات العدالة والتنمية فوق 50 عاماً).
- استغلال الأدوات الدستورية: تفعيل الرقابة البرلمانية وطرح مشاريع قوانين.
في النهاية، نجاح المعارضة يعتمد على قدرتها على ترجمة نقدها إلى بدائل عملية، خاصة مع اقتراب انتخابات 2026، حيث ستكون المنافسة شرسة أمام تحالف حكومي قوي.
المصادر:
- 1- الجزيرة نت، “تشتت وصراع.. كيف يتأثر أداء المعارضة المغربية؟”، 23 أبريل 2024.
- 2- صحيفة الاستقلال، “بسبب غياب المعارضة.. هل يشهد المغرب ‘صداما مباشرا’ بين الدولة والشارع؟”، 8 أبريل 2022.
- معطيات إضافية من تقارير المندوبية السامية للتخطيط (2023) والبنك الدولي (2024).
- بيانات داخلية من حزب العدالة والتنمية حول المؤتمر التاسع (2025).