تنصيب وكيلة الملك بجرادة السيدة كريمة إدريسي: رؤية لعدالة قريبة وناجعة في إطار إصلاح القضاء

كلمة وكيلة الملك بجرادة السيدة كريمة إدريسي (ملخص)
في مستهل كلمتها، بمناسبة الحفل الرسمي لافتتاح المحكمة الابتدائية بمدينة جرادة، عبرت السيدة كريمة إدريسي عن شكرها العميق للثقة الملكية التي حظيت بها بتعيينها وكيلة للملك بالمحكمة الابتدائية الجديدة بجرادة، وفق قرار المجلس الأعلى للسلطة القضائية في دورته الأولى لعام 2024 وبموافقة الملك محمد السادس. أكدت أن هذا التعيين يمثل شرفًا كبيرًا مصحوبًا بمسؤولية جسيمة، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المحكمة كمؤسسة ناشئة تحتاج إلى تأسيس هياكلها الإدارية والتنظيمية. شددت على التزامها بالعمل الجاد والتعاون مع جميع مكونات المنظومة القضائية، بما في ذلك القضاة، الكتابة العدلية، المحامون، الشرطة القضائية، والسلطات المحلية، لضمان تقديم خدمات قضائية تتسم بالشفافية والكفاءة.
أشارت إدريسي إلى الأهمية التاريخية والاقتصادية لمدينة جرادة، مستحضرة الزيارات الملكية التي حظيت بها المدينة، كزيارة الملك محمد الخامس عام 1936، والملك الحسن الثاني عام 1968، والملك محمد السادس عام 2001، والتي عززت مكانتها كمركز عمالي ومنجمي. أكدت أن هذا الإرث يحتم على المحكمة الاضطلاع بدورها في توفير الأمن القضائي وحماية حقوق السكان، من خلال تبسيط الإجراءات، تسريع الفصل في القضايا، والإصغاء إلى هموم المتقاضين.
كما ربطت الكلمة بين التعيين والسياق الوطني لإصلاح القضاء، مستعرضة المحطات الكبرى لهذا المسار، بدءًا من خطاب الملك محمد السادس في 20 غشت 2009، الذي وضع خارطة طريق للإصلاح، مرورًا بدستور 2011 الذي كرس استقلالية القضاء، وصولاً إلى ميثاق إصلاح العدالة في يوليوز 2013، وإصدار القوانين التنظيمية، مثل قانون المفتشية العامة للشؤون القضائية عام 2021. أكدت أن هذه الإصلاحات تهدف إلى تعزيز الثقة في القضاء من خلال التحديث، الرقمنة، التخليق، والنجاعة القضائية.
وأبرزت إدريسي التزامها بالعمل بالتنسيق مع رئيس المحكمة، السيد عمر قاريوح، لوضع خطة عمل تضمن انطلاقة قوية للمحكمة، مع التركيز على تسهيل ولوج المتقاضين إلى النيابة العامة، تحسين استقبالهم، وتسريع البت في القضايا. شددت على أهمية اعتماد سياسة “الباب المفتوح” للإصغاء إلى شكاوى المواطنين، مع العمل على حماية الفئات الهشة، مثل النساء والأطفال، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية.
تعليق الجريدة :
1. السياق الاحتفالي والرمزية
تكتسي كلمة وكيلة الملك أهمية رمزية كونها تأتي في سياق افتتاح محكمة ابتدائية جديدة، مما يعكس التزام الدولة بتوسيع البنية التحتية القضائية لتشمل المناطق النائية. جرادة، كمدينة ذات إرث منجمي وتاريخ نضالي، تكتسب من خلال هذا الحدث مكانة متجددة كمركز قضائي يخدم سكان الإقليم والمناطق المجاورة. حضور شخصيات رسمية، مثل عامل الإقليم، ممثلي السلطات المحلية، والمجتمع المدني، يعزز من أهمية الحدث كلحظة لتوطيد الثقة بين المواطنين والمؤسسات القضائية.
نشير أنه وفق تقارير المجلس الأعلى للسلطة القضائية لعام 2023، بلغ عدد القضاة بالمغرب حوالي 4,500 قاضٍ، مع خطط لزيادة هذا العدد بنسبة 20% بحلول 2030 لمواكبة الطلب المتزايد على الخدمات القضائية. كما تم إنشاء أكثر من 15 محكمة ابتدائية جديدة بين 2015 و2023، مما يعكس التوسع في البنية التحتية القضائية.
2. الثقة الملكية والمسؤولية
تعبر إدريسي عن إدراكها العميق لثقل المسؤولية المرتبطة بالثقة الملكية، وهو ما يعكس الطابع المركزي للملكية في النظام القضائي المغربي. الإشارة إلى قرار المجلس الأعلى للسلطة القضائية يبرز الدور المؤسساتي لهذا الهيكل في ضمان الشفافية والكفاءة في تعيين القضاة، وهو ما يتماشى مع دستور 2011 الذي منح المجلس صلاحيات واسعة في إدارة الشؤون القضائية.
3. تحديات المحكمة الجديدة
تُعد المحكمة الابتدائية بجرادة مؤسسة حديثة تواجه تحديات تأسيسية، مثل بناء هياكل إدارية فعالة، توظيف الموارد البشرية، وضمان سلاسة العمليات القضائية. تشير إدريسي إلى ضرورة العمل الجاد والتعاون مع مختلف الشركاء، مما يعكس فهمها لتعقيدات إدارة محكمة ناشئة في سياق إقليمي يعاني من تحديات اجتماعية واقتصادية موروثة.
إشارة إدريسي إلى حماية النساء والأطفال تتماشى مع القوانين الحديثة، مثل تعديلات مدونة الأسرة المرتقبة (2024-2025) والقانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. هذه التوجهات تعكس التزام الدولة بتعزيز العدالة الاجتماعية.
4. إصلاح القضاء في سياق وطني
تربط الكلمة بين الحدث المحلي وسياق إصلاح القضاء الوطني، مستعرضة محطات بارزة، مثل خطاب 2009 الذي دعا إلى تحديث القضاء، ودستور 2011 الذي كرس استقلاله، وميثاق 2013 الذي وضع أسس الإصلاح. كما تُبرز إصدار قانون المفتشية العامة للشؤون القضائية عام 2021 كخطوة لتعزيز الرقابة والتخليق. هذه الإشارات تعكس وعيًا بأهمية مواءمة العمل القضائي المحلي مع الأهداف الوطنية.
نذكر أنه في إطار استراتيجية الرقمنة، أطلق المغرب منصات إلكترونية مثل “المحكمة الرقمية” لتسهيل تقديم الشكاوى وتتبع القضايا. هذه المبادرات، التي أُشير إليها في كلمة إدريسي ضمنيًا عبر الحديث عن التحديث، تهدف إلى تقليص مدة البت في القضايا، حيث تشير إحصاءات 2022 إلى أن متوسط عمر القضية بالمحاكم الابتدائية يتراوح بين 6 و12 شهرًا.
5. أهمية جرادة
تؤكد إدريسي على الأهمية التاريخية والاقتصادية لجرادة، مشيرة إلى زيارات ملكية عززت مكانتها. وفق معطيات تاريخية، كانت جرادة مركزًا لاستخراج الفحم حتى إغلاق المناجم في أواخر القرن العشرين، مما أدى إلى تحديات اقتصادية واجتماعية.
افتتاح المحكمة يُعد استجابة لتطلعات السكان نحو تعزيز الأمن القضائي والتنمية المحلية، خاصة في ظل الحراك الاجتماعي الذي شهدته المنطقة عام 2017 بسبب البطالة وغياب البدائل الاقتصادية بعد إغلاق المناجم. لذا تأتي المحكمة كجزء من استراتيجية أوسع لتعزيز التنمية المحلية، إلى جانب مشاريع مثل برنامج التنمية الجهوية للشرق (2016-2025).
6. التعاون المؤسساتي
التأكيد على التنسيق مع رئيس المحكمة والسلطات المحلية يعكس نهجًا تعاونيًا يهدف إلى تجاوز التحديات اللوجستية والإدارية. كما أن دعوتها إلى سياسة “الباب المفتوح” تتماشى مع توجيهات النيابة العامة التي تحث على تحسين التواصل مع المتقاضين، وهو ما يعزز من صورة القضاء كمؤسسة مواطنة.
ختاما يمكننا القول أن كلمة السيدة كريمة إدريسي تُعد تعبيرًا عن رؤية طموحة لدور النيابة العامة في خدمة المواطنين وتجسيد إصلاحات القضاء المغربي.
ومن خلال التأكيد على الشفافية، التعاون، وحماية الحقوق، تسعى إدريسي إلى وضع أسس متينة للمحكمة الابتدائية بجرادة، مع الاستجابة لتطلعات سكان المدينة.
كما أن الحدث في حد ذاته يعكس التزام الدولة بتعزيز دولة الحق والقانون، خاصة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل جرادة. وبفضل الإصلاحات المستمرة والدعم الملكي، تظل مثل هذه المبادرات خطوات حاسمة نحو قضاء مواطن يحظى بثقة الجميع.