هل يلهم مونديال 2026 النقاش حول علاقة السياسة بالرياضة؟

ربط الرياضة بالسياسة ليس ظاهرة جديدة، يمكن حيث يمكن أن يكون أداة فعَّالة لتعزيز القيم الإنسانية والسياسية، لكنه يحمل في طياته مخاطر وفوائد قد تؤثر على مستقبل كل منهما بطرق مختلفة.

تاريخيًا، استخدمت السياسة الرياضة كأداة لتعزيز الهوية الوطنية أو الدعاية، كما ظهر عندما استخدم اللاعبون منصاتهم الرياضية للتعبير عن مواقفهم تجاه القضايا الاجتماعية. ونذكر ماوقع خلال الألعاب الأولمبية بن برلين 1936 تحت حكم النازية، أو حتى في كأس العالم 1978 بالأرجنتين خلال الديكتاتورية العسكرية. في المقابل، أصبحت الرياضة منصة للتعبير السياسي، مثل ركعة كولين كابرنيك في الدوري الأمريكي للنفور من العنصرية، أو رفع شعارات سياسية في ملاعب كرة القدم الأوروبية…. كما أن التاريخ شهد أمثلة على “الدبلوماسية الرياضية”، التي ساهمت في تقريب وجهات النظر بين الدول، مثلما حدث في سبعينيات القرن الماضي بين الصين والولايات المتحدة عبر كرة الطاولة.

لكن هذا الربط بين الرياضة والسياسة قد يحمل مخاطر كبيرة إذا تحوَّل إلى استغلال أو تسييس مفرط. فعندما تتحول الملاعب إلى ساحات للصراع السياسي، تفقد الرياضة جوهرها التنافسي النزيه، وتصبح أداةً للدعاية أو الضغط السياسي. وقد تؤدي التدخلات الحكومية في الشؤون الرياضية إلى تقويض استقلالية المؤسسات الرياضية، مما يفتح الباب أمام الفساد أو التمييز. كما أن العزلة الرياضية، كما حدث مع استبعاد بعض الدول من المنافسات بسبب صراعات سياسية، قد تضر بمستقبل الرياضيين وتُضعف الروح العالمية للرياضة…. كما حدث في احتجاجات مشجعي كرة القدم في إيران 2022 ضد النظام، قد يفقد الجمهور المتعة البحتة وتتحول المنافسة إلى أداة لتصفية الحسابات. كذلك، قد يؤثر ذلك على الرياضيين أنفسهم، حيث يواجهون ضغوطًا لاتخاذ مواقف سياسية قد تعرضهم للعقوبات أو فقدان الرعاية، كما حصل مع لاعبين رفضوا الانصياع لتوجيهات حكومية في دول استبدادية.

أما بالنسبة للسياسة، فإن ربطها بالرياضة قد يشوه صورتها أو يقلل من جديتها. عندما يستغل السياسيون الأحداث الرياضية لتلميع صورتهم، قد يُنظر إليهم كانتهازيين، مما يفقدهم المصداقية. كما أن الاستقطاب السياسي في الرياضة قد يعمق الانقسامات الاجتماعية بدلاً من توحيد الناس، وهو ما شوهد في فرنسا خلال مباريات كرة القدم التي تحولت إلى نقاشات حول الهجرة والهوية بسبب دعم فرق من أصول مهاجرة.

وبين هذين الطرفين، يبرز سؤال مهم: كيف يمكن تحقيق التوازن؟ الحل لا يكمن في الفصل الكامل بين الرياضة والسياسة، فهما متداخلان بحكم طبيعة المجتمع العالمي، بل في ضمان ألا تطغى الأجندات السياسية على القيم الرياضية. يجب أن تحافظ المؤسسات الرياضية على حوكمة رشيدة، بعيداً عن الانحياز المفرط، مع إتاحة مساحة للتعبير عن القضايا العادلة. كما أن للجماهير والإعلام دوراً محورياً في حماية الرياضة من الاستغلال، عبر التركيز على أبعادها الإنسانية والتنافسية بدلاً من تعميق الانقسامات…. كما في حالة نلسون مانديلا الذي استخدم كأس العالم للرجبي 1995 لتعزيز المصالحة في جنوب إفريقيا. كذلك، قد تمنح السياسة الرياضة بعدًا أعمق، مثل دعم قضايا حقوق الإنسان أو البيئة، كما فعلت بعض الفرق في دعم حركة “حياة السود مهمة”.

في النهاية، الخطر يكمن في التوازن: إذا طغت السياسة على الرياضة، قد تفقد الأخيرة سحرها كملاذ من التوترات اليومية، وإذا استغلت الرياضة بشكل مفرط في السياسة، قد تتحول إلى أداة دعائية رخيصة. المستقبل يعتمد على كيفية إدارة هذا التقاطع بحيث يحافظ على استقلالية الرياضة ونزاهة السياسة دون أن يضحي أحدهما بالآخر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى