مرافعة في سياق نقاش هادئ
الحسين يزي (صحفي)

كنت خضت معركة البطاقة المهنية السنة الماضية. لم يكن شخصي هو المستهدف، بل كل الصحافيين المهنيين أصحاب “المقاولات الصغرى جدا”.
هي صغرى جدا، لأنه لم يكن أمامنا خيار آخر للاستمرار في الحياة المهنية الوحيدة التي نعرفعا وتعرفنا. كان مفروضا علينا أن نطلق مواقع إلكترونية في غياب منصب شغل لدى المؤسسات الإعلامية الكبرى.
استنزفونا على مدى سنوات، بعدها قالوا لنا “عوموا بحاركم”.
خطة السنة الماضية، بدأت بالحرمان من البطاقة المهنية، بدعوى أن الموقع لا يشغل خمسة صحافيين مهنيين، مصرح بهم لدى الضمان الاجتماعي بمبلغ 5800 درهم.
انطلقت عملية احتجاجية من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، لإيقاف الخلط بين القانون المنظم لمنح البطاقة المهنية وبين مشروع قانون الخاص بدعم الصحافة والنشر.
تراجعت اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر عن هذا الخلط الفادح. أفرجت عن بطاقاتنا المهنية. أرفقت هذا الإفراج ببلاغ شديد اللهجة تقول فيه إن أمام المقاولات الإعلامية الكبرى والمتوسطة والصغرى مهلة تمتد إلى شهر غشت 2024، لتسوية وضعياتها وفق مشروع قانون الدعم، هكذا فهمت البلاغ وهو كذلك.
كان لابد أن نبحث عن حل أملا في مواجهة الذين بريدون طردنا من مهنتنا ونفينا عنها بالقوة. قررنا أن نلتزم بتشغيل العدد المطلوب من الصحافيين والتصريح بهم لدى الضمان الاجتماعي، رغم انعدام الامكانيات المالية.
إذا كانت المؤسسات الإعلامية الكبرى تتسول الأجور من الدولة، فما بال المؤسسات الصغرى جدا. دعونا نفهم كلمة “المؤسسات” بأنها قانونية.
بعد غياب اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر طيلة الصيف الماضي، وفي نهاية سنة 2024، صفعنا جميعنا ب”فدلكة” غير مسبوقة صادرة عن اللجنة، بنودها عبارة عن أحكام “قارقوش”.
من بين هذه الأحكام أن كل جريدة إلكترونية ملزمة بإثبات أن رقم معاملتها السنوي هو 200 مليون سنتيم (حد أدنى غير قابل للنقاش)، وأنها ملزمة أيضا بإثبات أن كلفة الأجور والإنتاج لا تقل عن 90 مليون سنتيم سنويا.
بعد هذه الصفعة الصدمة، صدر في الجريدة الرسمية قرار موقع من طرف وزير الميزانية ووزير قطاع التواصل، تبنى بشكل شبه كلي ما صدر عن اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة من أحكام.
كنت نشرت تشكيلة اللجنة المؤقتة للصحافة والنشر وأسماء الأعضاء وصفاتهم فيها. حين كانت صدرت عنها تلك الأحكام القاهرة، تذكرت ما كان يدفع في اتجاهه السيد عبد المنعم دلمي، لما كان رئيسا للفيدرالية المغربية لناشري الصحف وبعدها عضوا في مكتبها التنفيذي.
كان سي دلمي يدفع في اتجاه إدخال الفيدرالية المغربية لناشري الصحف إلى البورصة. بمعنى أن أي مقاولة إعلامية لا تتوفر على مقاييس شركة من قبيل شركة صناعة السيارات أو صناعة الطائرات لن يكون لها مكان في الوسط “الإعلامي المغربي”!!
ما يؤلمني حقا، هو أنني أكاد أجزم أن الزميلين الأستاذين يونس مجاهد وعبد الله البقالي، استسلما ل”قوة ميغناطيسية” اخترقت اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر من الداخل وقوة شبيهة من وزيرين داخل حكومة أخنوش المفترسة.
عرفت وخبرت يونس مجاهد وعبد الله البقالي على مدى 27 سنة. لم يكونا أبدا من النوع الذي يقبل التجاوزات التي تطال قطاع الصحافة، سواء الصادرة عن سلطة الحكومة أو أي سلطة أخرى.
لم يكونا من الطينة التي تسمح بخرق القوانين التنظيمية لللمهنة، بل “قاتلا” من أجل إخراج قوانين وتشريعات تحافظ للمهنة على هبتها ودورها في المجتمع.
ماذا حدث؟ كيف تحولا إلى “لعبة” بأيدي وزيرين في الحكومة وصارا يوافقان على أي إجراء أو قرار، بل وصارا يتماهيان مع كل أنواع الخروقات ويجتهدان في إضافة أفكار لشرعنة هذه التجاوزات؟!
أمام هذا الوضع الشاذ. أتساءل هل سيتركنا عقلاء الدولة المعنيين بالصحافة والنشر، وكذا ما تبقى من عقلائنا في قبيلتنا، لمصيرنا؟!!!