الداكي: جريمة غسل الأموال تشكل عائقا حقيقيا أمام تحقيق الأمن الاقتصادي
جريمة غسل الأموال

قال الحسن الداكي الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، الجمعة 02 يوليوز الجاري بطنجة، إن ظاهرة غسل الأموال أضحت اليوم تشكل عائقا حقيقيا أمام تحقيق الأمن الاقتصادي للدول، وجاء ذلك في كلمة له بمناسبة يوم تواصلي حول موضوع :”دور القانون رقم 12.18 في تعزيز المنظومة القانونية لمكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب على ضوء المعايير الدولية”.
وأكد الداكي، خلال اليوم التواصلي المنظم من طرف وزارة العدل، أن تعزيز المنظومة القانونية لمكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، يكتسي أهمية بالغة في مسار مواكبة بلادنا لملائمة نظامها القانوني مع المعايير الدولية وتكريس فعاليته، لا سيما وأنها تخضع اليوم لعملية المتابعة المعززة من طرف مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وأضاف موضحا: “بالنظر لما يترتب عنها من مخاطر جسيمة تمس بالأساس المصلحة الاقتصادية العامة للدولة، بالاعتداء على نظامها الاقتصادي والمالي حيث يعمد الجناة إلى احتكار رؤوس الأموال وتوظيفها بشكل غير مشروع مما يترتب عنه التحكم في الحركة الاقتصادية للبلاد، حيث يؤدي إخفاء وتمويه الأموال غير المشروعة وإضفاء الشرعية عليها إلى خلق نوع من الاقتصاد الوهمي وضرب القدرة التنافسية للأنشطة المشروعة، مما ينعكس بشكل مباشر على عدة مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وبالتالي التأثير سلبا على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة”.
وإذا كان القانون رقم 43.05 الصادر سنة 2007 ، يضيف المسؤول القضائي، قد سد الفراغ التشريعي الذي كانت تعرفه بلادنا في مجال مكافحة جريمة غسل الأموال بالنظر لما تضمنه من مقتضيات زجرية جاءت متطابقة إلى حد ما مع المعايير الدولية وساهمت بشكل ملحوظ في الحد من هذه الظاهرة، إلا أنه كان من الضروري إعادة تحيينه وتعديله بالشكل الذي يتوافق مع الدينامية الجديدة التي تعرفها القوانين والتشريعات الدولية وتقييمها بسرعة، وكذا بما يواكب أيضا تطور جرائم الأموال وذلك نظرا لطبيعة هذه الجريمة وتعدد المتدخلين فيها، إضافة إلى التقدم الكبير الذي يعرفه مجال التواصل والتكنولوجيا الحديثة وظهور أنماط جديدة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يفرض على التشريعات الوطنية مسايرة هذه التطورات من خلال تحيين ترسانتها القانونية وفق المعايير النموذجية العالمية، وهو ما دفع المشرع المغربي إلى إدخال مجموعة من التعديلات الجوهرية على هذا القانون لتدارك النواقص التي كانت تطبع القانون في نسخته الأصلية وذلك في إطار تنزيل ملاحظات مجموعة العمل المالي لشمال لإفريقيا والشرق الأوسط الواردة في تقرير التقييم المتبادل الذي خضعت له بلادنا خلال سنة 2018 .
واستطرد الداكي قائلا: “إن المقتضيات الجديدة التي جاء بها القانون رقم 12.18 لا سيما ما يتعلق بالرفع من الحد الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص في جريمة غسل الأموال من شأنها أن تساهم بشكل فعال في تحقيق الردع والحد من تفشي هذه الجريمة باعتبار ذلك وسيلة ناجعة لمعاقبة المتورطين في هذه الجريمة حيث تصل الغرامة إلى 500.000 درهم في حدها الأقصى بالإضافة إلى مصادرة جميع العائدات المتحصلة من الجريمة مما سيحول دون انتفاع الجناة من عائدات الجريمة”.
وتابع: “كما وسع التعديل الجديد المدخل على القانون لائحة الجرائم الأصلية لجريمة غسل الأموال ولو إرتكبت خارج التراب الوطني، وذلك بإضافة جرائم الأسواق المالية وجريمة البيع وتقديم الخدمات بشكل هرمي إلى لائحة الجرائم الأصلية، وهي بحق مقتضيات سوف تغطي الفراغ التشريعي الذي كانت تعرفه الترسانة القانونية الوطنية بهذا الخصوص إلى عهد قريب، لما لهذه الأفعال من مخاطر كبيرة بالإضافة إلى أنها تدر مبالغ مالية مهمة يصعب تحديد مصدرها بالنظر إلى كونها تعرف تطورا سريعا مستغلة التقدم الكبير الذي تتيحه الوسائل التكنولوجيا الحديثة”.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أنه في هذا الإطار “لا يمكننا أن نغفل التنويه بما جاءت به مقتضيات المادة 32 من هذا القانون الجديد التي نصت على إحداث لجنة وطنية مكلفة بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بالإرهاب، ليسد المشرع بذلك فراغا تشريحيا محرجا كان يطبع تشريعنا الوطني بهذا الشأن والذي كان سببا في عدة مؤاخذات على بلادنا بهذا الخصوص من طرف المنظمات الدولية لاسيما مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط”.
وسجل أنه في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها رئاسة النيابة العامة من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بادرت إلى الانخراط في الاستراتيجية الوطنية المخصصة لمكافحة هذا النوع من الإجرام الخطير سواء على المستوى الوطني من خلال حث النيابات العامة ومواكبتها في الحرص على سرعة وفعالية الأبحاث التمهيدية والمساعدة في تجهيز الملفات لتقليص أمد البت فيها في الدعوى العمومية، أو على المستوى الدولي من خلال تفعيل إجراءات التعاون الدولي وتنزيل المعايير الدولية، وعلى رأسها توصيات مجموعة العمل المالي بمناسبة إدارة الأبحاث التمهيدية وجمع وسائل الإثبات وتحريك المتابعات.
ولفت إلى أنه في هذا الإطار عملت رئاسة النيابة العامة خلال شهر أبريل من هذه السنة مباشرة بعد اعتماد فريق المراجعة للخطة المقررة لبلادنا من أجل الخروج من عملية المتابعة المعززة على توجيه س٤دشصسثيء العامة من أجل دعوتها إلى إيلاء عناية خاصة لقضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية، علما أن هذه القضايا لا تهم فقط النيابة العامة بالرباط باعتبارها صاحبة الاختصاص الوطني في قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإنما تهم جميع النيابات العامة بالمملكة باعتبارها هي التي تسير الأبحاث في الجرائم الأصلية وهي التي يمكنها أن ترصد حالات الاشتباه بغسل الأموال بمناسبة تلك الأبحاث.
ومن أجل المساهمة الفعالة، يضيف الداكي، في تنفيذ مخطط العمل المسطر لبلادنا في الشق الذي يهم عمل النيابة العامة، تمت دعوة النيابات العامة إلى تفعيل مجموعة من التدابير، على رأسها إجراء الأبحاث المالية الموازية بمناسبة البحث في الجرائم الأصلية، لرصد حالات الاشتباه بغسل الأموال وإحالتها على النيابة العامة المختصة في هذا النوع من الجرائم، إضافة إلى طلب المعلومات المالية من الهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية بمناسبة الأبحاث التي يشرفون عليها، متى تبين أن للقضية جوانب مالية، وتفعيل إجراءات التعاون الدولي وذلك بغية تعقب الأشخاص والأموال الموجودة بالخارج، فضلا عن تفعيل إجراءات الحجز والتجميد وتقديم ملتمسات للمحكمة من أجل مصادرة الأموال في الحالات التي يسمح فيها القانون بذلك، مع إحداث سجلات خاصة تدون فيها المعلومات المتعلقة بالأموال والأشياء المحجوزة والمصادرة.
وخلص رئيس النيابة العامة إلى أن النصوص التشريعية لوحدها غير كافية للحد من جريمة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب مما يحتم علينا جميعا تعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين في هذا المجال لإبتكار حلول ناجعة ومقترحات ملموسة للحد من تنامي هذا النوع من الجرائم خاصة وأن بلادنا تعمل حاليا على تحيين تقريرها الوطني للمخاطر والذي تتشرف رئاسة النيابة العامة بالمشاركة فيه من خلال رئاسة فريق العمل المتعلق بالتهديدات ونقاط الضعف المتعلقة بغسل الأموال على المستوى الوطني، وهذه الخطوة سوف تساهم لا محالة من جهة في الرفع من فعالية المنظومة الوطنية في هذا المجال ومن جهة أخرى تفادي الجزاءات التي تصدرها الهيئات والمنظمات الدولية المعنية التي من شأنها أن تؤثر على الجهود التي تبذلها بلادنا في تحصين نظامها المالي والاقتصادي.