“2797” والعهد الجديد: استراتيجية الإعلام في ترسيخ الحكم الذاتي كـ”ضربة معلم” وجعل الصحراء بوابة المغرب نحو عمقه الأفريقي.

جرسيف – 5 نوفمبر 2025 (تقرير عن اشغال ندوة)
في اطار الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء المضفرة ، نظمت ايام “المسيرة الخضراء… ذاكرة وطن ومسار تنمية وازدهار” تحت إشراف عمالة إقليم جرسيف، بالتعاون بين المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، والمديرية الجهوية للشباب والثقافة بجهة الشرق، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف بجهة الشرق، ومن بين اهم فقرات هذه الايام ندوة جرت اطوارهت مساء يوم الاربعاء 5 نوفمبر 2025 بدار الطالب بجرسيف حضرها نخبة من الأطر والكفاءات العلمية والأكاديمية. وقد تركزت المناقشات على ثلاثة محاور رئيسية: الدور المتجدد للإعلام، التحول الدبلوماسي والتحديات المهنية، ومسار التنمية والإعمار في الأقاليم الجنوبية.
أولاً: ملخص التدخلات الرئيسية
1. المداخلة الأولى: الأستاذ عبد العادي الجابري (صحفي وعضو المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشر الصحف)
تناولت المداخلة دور الإعلام الوطني في القضايا الوطنية الكبرى، حيث أكدت أن الإعلام لم يعد مجرد أداة لنقل الأخبار، بل أصبح شريكاً استراتيجياً أساسياً في صياغة الرؤية الوطنية وتثبيت الهوية الجمعية، وجزءاً لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي الناعم.
كما شددت على أن قضية الصحراء المغربية تندرج في الفئة الأولى كـالقضية الوطنية الأولى التي تفرض حتمية الإجماع الوطني حولها. وأوضحت أن رغم النجاح الذي كانت تتمتع به القضية الا انه قبل القرار الأممي 2797 كان الوضع يتطلب من الإعلام المغربي الابتعاد عن البروباغندا والتركيز بدلاً من ذلك على منهجية الخطاب التاريخي والقانوني الموثق.
لكن بعد القرار التاريخي ليوم 31 اكتوبر 2025، حصل تحول استراتيجي لدور الإعلام، حيث انتقل من دائرة الترافع عن المقترح إلى دائرة ترشيح وتنفيذ حل دولي معتمد (الحكم الذاتي)، وأن هذا الحل أصبح جزءاً من القرارات الدولية.
كما أشار المتدخل إلى التحديات المتمثلة في الدبلوماسية الرقمية في مواجهة الحملات الإعلامية المضللة للخصم، اخذا بعين الاعتبار التحدي المهني والأخلاقي في الموازنة بين الحياد المهني ومتطلبات التعبئة الوطنية للدفاع عن الثوابت.
2. المداخلة الثانية: الدكتور عبد القادر التايري (أستاذ باحث بجامعة محمد الأول بوجدة)
جاءت مداخلته بعنوان “الأقاليم الجنوبية للمغرب: من مسيرة الاسترجاع إلى مسيرة الإعمار والتنمية”. استعرض الدكتور التايري مسار استرجاع الأقاليم بدءاً بالتحرير السلمي وإقرار الشرعية، مشيراً إلى لجوء المغرب لمحكمة العدل الدولية سنة 1975 التي أثبتت الروابط القوية بين قبائل الصحراء والسلطة المغربية. أشار إلى أن المسيرة الخضراء (350 ألف متطوع) جسدت التلاحم بين العرش والشعب وأسقطت مقولة أن حمل السلاح هو الشرط الوحيد للتحرير.
كما قدم الدكتور التايري إحصائيات حول التنمية، مبيناً أن الدولة المغربية استثمرت أكثر من 120 مليار درهم من الاستثمارات العمومية حتى 2013، مؤكداً أن المغرب أنفق سبعة دراهم في الصحراء مقابل كل درهم واحد من مداخلها، وهو ما يدحض افتراءات تقاسم الثروات.
وفي إطار النموذج التنموي الجديد (2015)، الذي خُصص له استثمار إجمالي قدره 85 مليار درهم، أكد أن الناتج الداخلي الخام للفرد في الأقاليم الجنوبية يفوق النظير الوطني بحوالي ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، رغم الإشارة إلى مفارقة ارتفاع معدلات البطالة (23.5% في الفصل الثاني 2024)، مما يتطلب التحول من نموذج خلق الثروة إلى نموذج توزيع الثروة.
3. المداخلة الثالثة: الدكتور عبد النور صديق (أستاذ وباحث وعضو في الفريق العلمي لمشروع تتبع وتقييم المشاريع التنموية بالداخلة)
ركز الدكتور صديق على “مسيرة التنمية في الصحراء المغربية: من المسيرة الخضراء إلى مبادرة الحكم الذاتي”. أكد على النجاح الاجتماعي للجهة، مشيراً إلى أن المناطق الجنوبية تسجل أدنى معدلات الفقر والهشاشة ونسب الأمية مقارنة بالصعيد الوطني.
شدد على أن مبادرة الحكم الذاتي ليست فقط حلاً للنزاع، بل هي مبادرة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية تمنح هيئات الحكم المحلي صلاحيات اقتصادية واسعة، بما في ذلك إعداد ميزانية مستقلة وتحصيل الضرائب المحلية. وأكد أن الهدف هو تحويل الأقاليم الجنوبية إلى قطب اقتصادي إقليمي متكامل مع باقي جهات المغرب وأفريقيا، وأن الحكم الذاتي سيصبح نموذجاً للجهوية المتقدمة.
كما ربط الدكتور صديق التنمية المغربية بالعمق الأفريقي، مشيراً إلى عودة المغرب للاتحاد الأفريقي سنة 2017، ومشاريع مهيكلة مثل ميناء الداخلة الأطلسي وخط الغاز نيجيريا-أفريقيا.

ثانياً: ملخص تدخلات المناقشة والردود
بعد فتح باب المناقشة من طرف رئيس الندوة:
1. تدخلات المشاركين:
• المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية: شكر الشركاء وأشار إلى الأنشطة الموازية التي نظمتها المديرية (دوريات كرة قدم، قرية ألعاب، أنشطة داخلية في الأقسام الداخلية) للتعريف بالقضية الوطنية والحسم الذي جاء به القرار 2797.
• تدخلات حول الإعلام الإفريقي والتنمية: طالب أحد المتدخلين (لم يذكر اسمه) بضرورة مواكبة التأثير الاقتصادي المغربي في أفريقيا بتأثير إعلامي كبير.
• السيد المير الاقليمي لوزارة الثقافة والشباب والتواصل – قطاع الشباب : وأشار متدخل آخر (من قطاع الثقافة على الأرجح) إلى أن الصحراء هي بوابة أفريقيا، متسائلاً عن وجود استراتيجية وطنية قصيرة المدى لتفعيل هذا البعد الاستراتيجي الاقتصادي، ومطالباً بأن يكون الإعلام حول القضية غير موسمي وفعالاً على مدار العام.
• الأستاذ حسن : دعا إلى منح أهمية قصوى لتاريخنا الوطني في التعليم والإعلام (خاصة عبر النوادي التربوية والأساليب الحديثة) لتوعية الأطفال والشباب.
• الأستاذ محمد العاشوري (مقرر الندوة وعضو الفرع الجهوي للفيدرالية): أكد على ضرورة غرس قيم المواطنة في الناشئة ومواجهة تجريف الشباب نحو توجهات بعيدة عن الوطن بسبب المؤثرين الرقميين. وطالب بمزيد من الاجتهاد في إيجاد الأشكال المناسبة للتقطير التربوي والثقافي.
• سؤال حول القرار الأممي: تساءل أحد المشاركين (لم يذكر اسمه) عن كيفية تمكن المغرب من تجنب حق النقض (الفيتو) من دول مثل الصين وروسيا، وكيف يفسر الباحثون أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد والأوحد، وليس مجرد حل من بين حلول.
2. الردود على الأسئلة والتفاعل:
• ردود الدكتور عبد النور صديق: أكد أن الامتناع عن التصويت من طرف بعض الدول (مثل الصين وروسيا) يُعتبر تصويتاً لصالح القرار، مشيراً إلى الحكمة الدبلوماسية لجلالة الملك في تجنب الفيتو. وفيما يخص تفسير “الحل الوحيد”، أكد الدكتور صديق أن القرار الأممي يعني أنه لن تكون أي مفاوضات مع الأطراف الأخرى خارج الحكم الذاتي.
• ردود الدكتور عبد القادر التايري: ربط التنمية والتوجه الأفريقي بعودة المغرب للاتحاد الأفريقي (2017)، مشيراً إلى دور فتح القنصليات، والاستثمارات المغربية في القطاع المالي (الأبناك وشركات التأمين)، ومشاريع البنية التحتية والمكتب الشريف للفوسفاط .
• الرد الختامي للأستاذ عبد العادي الجابري: أشار إلى أن الإعلام هو وليد بيئته، وأن المشكل يكمن في كيفية تعامل المجتمع مع التغيرات الرقمية، خاصة في بيئات مثل تيك توك التي تدفع المستخدم للبحث عن محتوى سهل. وأكد أن النجاح الدبلوماسي كان نتيجة حكمة الملكية في التعامل مع الملف كقضية مركزية، مما أدى إلى تحقيق “ضربة المعلم”. ودعا إلى التركيز حالياً على القضايا الداخلية (التوظيف، التنمية المحلية) في الأقاليم الجنوبية، معتبراً الانفصاليين الآن مجرد مغاربة يناقشون السياسات الداخلية، مما يسهل على الإعلام الوطني أن يكون أكثر موضوعية وقرباً. كما حث على زيارة الداخلة التي وصفها بأنها مدينة دولية سريعة التطور.

خاتمة عامة حول أهمية الندوة ونجاحها
تكمن الأهمية القصوى لهذه الندوة في أنها جاءت في لحظة تاريخية فارقة، تلت مباشرة قرار مجلس الأمن الدولي 2797، مما رفع من سقف مسؤولية الإعلام المغربي من الترافع إلى التنفيذ والشرح للحل الدولي المعتمد. لقد شكلت الندوة منصة أكاديمية وإعلامية هامة لفك شيفرة هذا التحول وتحديد خارطة طريق جديدة للعمل الإعلامي والتنموي.
تنظيمياً وتأطيرياً، حققت الندوة نجاحاً ملحوظاً، تجسد في التعاون المثمر بين قطاعات التربية الوطنية والشباب والثقافة والفيدرالية المغربية لناشري الصحف.
كما تميزت بحضور نوعي لنخبة من الأطر والكفاءات، وبتفاعل كبير وعميق من الحضور الذي ناقش التحديات الاستراتيجية (كالفيتو ودور الإعلام في أفريقيا). وقد أظهرت المداخلات التزاماً وطنياً وتعبئة شاملة، مؤكدة على أن مسيرة التنمية في الصحراء هي مسيرة وطنية للإخلاص والوفاء للوحدة الترابية.









