وقفة الصحافة المغربية أمام البرلمان: “لا للتراجع الديمقراطي”، و”نعم للتنظيم الذاتي الحقيقي”

الرباط – 23 أكتوبر 2025

في مشهد يذكر بأيام الانتفاضات المدنية الكبرى، امتلأت شوارع الرباط صباح أمس الأربعاء 22 أكتوبر 2025، بصوت الصحفيين والناشرين الذين رفعوا لافتات الغضب أمام أبواب البرلمان. كانت الوقفة الاحتجاجية المركزية، التي نظمتها الهيئات النقابية والمهنية لقطاع الصحافة والنشر، حدثًا باهرًا النجاح، حيث انخرط فيها مئات المهنيين من جميع المنابر الإعلامية – محليًا وإقليميًا وجهويًا – إلى جانب منظمات حقوقية ومدنية، ودعم من المركزيات النقابية الكبرى مثل الاتحاد المغربي للشغل (UMT) والكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT). لم تكن مجرد وقفة عابرة؛ بل رسالة سياسية صارخة للحكومة والبرلمان: “كفى تمريراً أحادياً لقوانين تراجعية، وكفى مصادرة للحق في التنظيم الذاتي للصحافة”.

السبب الرئيسي لهذا الحراك غير المسبوق؟ مشروع قانون 25.26 الذي أعدته الحكومة لإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، والذي يُوصف في بلاغ مشترك صادر عن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال (UMT)، النقابة الوطنية للإعلام واللصحافة (CDT)، والكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني، بأنه “تراجعي وفاضح”. بل تتهم البلاغ الحكومة بمحاولة تمرير هذا المشروع في مجلس المستشارين دون حوار اجتماعي حقيقي مع المهنيين، مخالفًا إرادة الهيئات النقابية، والرأي الاستشاري للهيئتين الدستوريتين – المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي – بالإضافة إلى أحكام الدستور، مدونة الصحافة والنشر، والعهود الدولية.

ويذهب الأمر إلى أبعد من ذلك حينما: يُرى المشروع كمحاولة لـ”تشكيل المشهد المهني على مقاس سياسي ومصالحي وريعي”، يقصي النقابات ويفرض نمط اقتراع إسمي فردي مفتوح للصحفيين، مقابل الانتداب لهيئات الناشرين، مما يحجم الدور الدستوري للنقابات ويضرب مبدأ التعددية والعدالة التمثيلية.”

هذه الوقفة ليست مجرد احتجاج، بل إعلان عن رفض تراجع ديمقراطي في قطاع يُفترض أنه السلطة الرابعة”، يقول أحد المشاركين في الوقفة، مشيرًا إلى أن المشروع يهدد استقلالية الصحافة ويفتح الباب للتغول والإقصاء. وفي بلاغها الختامي، أكدت الهيئات النقابية نجاح الوقفة “الباهر”، محيية “عاليًا” كل الصحفيات والصحفيين والناشرات لمشاركتهم الوازنة، ومؤكدة أنها رسالة واضحة لإنهاء “هذه المهزلة والفضيحة التشريعية”. ولم يقف الأمر عند التهنئة؛ فقد جددت الهيئات موقفها الثابت من إعادة تنظيم المجلس على أسس الانتخاب والاستقلالية والديمقراطية، مطالبة بالتدخل الفوري لتصحيح الخطأ، والإعمال بالآراء الاستشارية، ومواقف خمسة وزراء اتصال سابقين، والمنظمات الحقوقية، والمجتمع المدني.

الدعوة لم تتوقف عند الاحتجاج: وجهت الهيئات نداءً مباشرًا إلى الفرق والمجموعات البرلمانية في مجلس المستشارين لـ”تقدير هذا الزخم غير المسبوق”، واتخاذ مبادرة تشريعية ترقى إلى الانتظارات، مع التأكيد على التصويت باللائحة لفئة الصحفيين والناشرين على قدم المساواة، ورفض قاطع لـ”الاقتراع الإسمي الفردي المفتوح” الذي يُرى كضربة لتمثيلية النقابات. كما دعت الجسم الإعلامي إلى “مواصلة التعبئة النضالية” لمواجهة أي محاولة لتمرير المشروع، دفاعًا عن الحقوق والمكتسبات.

في سياق أوسع، يأتي هذا الحراك كرد فعل على سلسلة من التوترات في قطاع الصحافة المغربية، حيث حذرت النقابات سابقًا من “مصادرة الحق في التنظيم الذاتي”، مشددة على ضرورة إشراك المهنيين في صياغة أي قانون يمس باستقلالية المهنة. ومع انتشار الصور والفيديوهات من الوقفة على وسائل التواصل، أصبح الحدث حديث الشارع الإعلامي، مع دعوات مفتوحة لمزيد من المشاركة في التعبئة المقبلة.

الكرة الآن في ملعب الحكومة والبرلمان: هل ستُسمع الصرخة، أم ستستمر في طريق التمرير الأحادي؟ الصحافة المغربية، التي طالما كانت صوت الشعب، تُعلن اليوم أنها لن تسكت عن أي تراجع لحرياتها. وفي زمن يزداد فيه الضغط على الإعلام، تبقى هذه الانتفاضة تذكيرًا بأن الديمقراطية لا تُبنى بقوانين مفروضة، بل بحوار يشمل الجميع. نتابع التطورات…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!