وجدة تستضيف الندوة الدولية الثانية للاقتصاد الاجتماعي: روافع لتنمية ترابية مندمجة في عصر الذكاء الاصطناعي

وجدة – 15 نونبر 2025

في سياق عالمي يتسارع فيه التحول الجيوسياسي ويغزو الذكاء الاصطناعي كل جوانب الحياة، أصبح الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز الازدهار الوطني. هكذا يلخص خبراء وفاعلون اقتصاديون اجتماعيون الرسالة الرئيسية للدورة الثانية من الندوة الدولية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، التي انعقدت يومي 13 و14 نونبر 2025 بمركز الندوات والمؤتمرات بكلية الطب والصيدلة بجامعة محمد الأول في وجدة.

هذه الندوة، التي نظمتها الجامعة للدورة الثانية على التوالي، تُجسد التزامها العميق بالمسؤولية المجتمعية، حيث تُدمج القضايا الاجتماعية في قلب أنشطتها الأكاديمية والعلمية. وفقاً لمنظمي الفعالية، تهدف الجامعة إلى تعزيز دورها كفاعل رئيسي في دعم الاقتصاد الوطني، من خلال دمج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في برامجها، وتعزيز الشراكات مع الجهات الترابية والمؤسساتية.

نقاشات غنية تجمع الجيل الشاب والخبراء الدوليين

شهدت الندوة مشاركة واسعة ومتنوعة، شملت الجيل “زد” – الشباب الرقمي الذي يمثل مستقبل الابتكار – إلى جانب أكاديميين، رجال دولة، فاعلين ترابيين، وقطاعات مؤسساتية وهيئات تعاون دولي. خلال يومين مكثفين، دارت جلسات عامة وورش عمل تفكيرية موجهة للشباب، ركزت على كيفية جعل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلى جانب العمل اللائق للجميع، والذكاء الاصطناعي، والصحة، روافع حقيقية للتنمية الترابية المندمجة.

التدخلات المثمرة والتفاعلات بين المتدخلين أبرزت الحاجة إلى مقاربات هجينة تجمع بين التكنولوجيا والتضامن المجتمعي. “الاقتصاد الاجتماعي ليس مجرد نموذج بديل، بل هو الأداة الوحيدة القادرة على سد ثغرات السياسات العمومية في أوقات اللايقين”، هكذا يلخص أحد المتدخلين الرؤية الجماعية. وأكد الجميع أن هذه الروافع قادرة على تعزيز التماسك الاجتماعي، وتقليص الفوارق الجهوية، ودعم الاستدامة البيئية.

توصيات استراتيجية: نحو دولة اجتماعية ترابية منصفة

خرجت الندوة بتوصيات ملموسة، صيغت بعد نقاشات عميقة، تركز على سبع محاور رئيسية لتعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كمحرك للتنمية. إليكم أبرزها:

  1. تعزيز الدولة الاجتماعية: دعوة لمقاربة هجينة تجمع الحماية الشاملة بالمرونة الترابية، مع إعادة تصميم آليات الحماية عبر أنظمة استباقية مدعومة بالذكاء الاصطناعي ومرصدات جهوية. كما شددت على إدماج الاقتصاد الاجتماعي كفاعل استراتيجي، وإرساء عقد اجتماعي ترابي يشمل الدولة والجماعات والقطاع الخاص. وفي سياق الشيخوخة، اقترحت استراتيجية وطنية للشيخوخة النشطة، تشمل منصات رقمية واقتصاد رعاية محلي، مع تعزيز “الاقتصاد الفضي” كرافعة جديدة في الرعاية والتكنولوجيا المساعدة.
  2. التنمية الترابية المندمجة: وضع الاقتصاد الاجتماعي في قلب التنمية الجهوية، لتعزيز الإدماج الاقتصادي والاجتماعي، ودعم العمل اللائق والشغل المحلي، وخلق أنشطة تلبي الحاجيات المحلية. هذا يعزز الرأسمال الاجتماعي والتماسك الترابي، مع ربط الاجتماعي بالاقتصادي والبيئي لتنمية مستدامة، منسجمة مع البرامج الوطنية مثل “النموذج التنموي الجديد”.
  3. الهيكلة القانونية والمؤسساتية: مطالبة بإطار قانوني شامل في القانون الإطار المغربي القادم، يعرف “مقاولة الاقتصاد الاجتماعي” صراحة، مع إحداث سجل وطني ودمقرطة صفة المنفعة العامة. كما اقترح إنشاء وزارة متخصصة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني والمقاولات الصغيرة، وتأهيل المنظومة القانونية للجمعيات والتعاونيات، مع حكامة جديدة ودعم للمختبرات الجامعية.
  4. التمويل والمواكبة: دمج الابتكار الاجتماعي في التمويل العمومي عبر سندات اجتماعية وصناديق ذات أثر ترابي، مدبرة مشتركاً بين الجهات الحكومية والمؤسسات مثل صندوق الحسن الثاني. تشجيع المالية التشاركية والأصغر، وتعزيز تفويض المرفق العام، مع إحداث أقطاب جهوية ومجلس وطني للمواكبة.
  5. البحث العلمي والمؤشرات: إنشاء مرصد وطني لتطوير “البحث-الفعل”، وبرامج لريادة الأعمال الاجتماعية، مع تعزيز الشراكات الجامعية. الاستفادة من برامج أوروبية مثل Horizon Europe وCOST لتمويل مشاريع في الابتكار الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وتشجيع نشر النتائج لتعزيز إشعاع الجامعة المغربية.
  6. التعاون الدولي “جنوب-شمال”: تعزيز التبادلات عابرة للحدود، مستلهمة من ممارسات الجنوب في مواجهة الهشاشة، وإقامة شراكات متوسطية تشمل الجاليات المهاجرة. كما شددت على التوعية المتبادلة، مستفيدة من التراث المغاربي في التضامن التقليدي مثل “التويزة”.
  7. التنمية المستدامة والإدماج المالي: مقاربة شمولية للتغيرات المناخية، تركز على التضامن والتكيف، مع تسهيل الوصول إلى التمويلات الخضراء للمقاولات الصغيرة. تعميم التربية المالية للشباب والنساء، وتطوير تكنولوجيا مالية اجتماعية، مع إنشاء مختبرات جهوية للاستشراف وتعزيز الطاقة المتجددة كقطب مغربي.

آفاق مستقبلية: الاقتصاد الاجتماعي كمحرك للصمود

بتنفيذ هذه التوصيات، يُتوقع أن يصبح الاقتصاد الاجتماعي والتضامني عموداً فقرياً للتنمية المغربية، خاصة في الجهات الترابية الهشة. “هذه الندوة ليست مجرد حدث، بل خطوة نحو اقتصاد يجمع بين الإنصاف والابتكار”، يقول أحد المنظمين. ومع اقتراب صدور القانون الإطار الوطني، تبقى وجدة نموذجاً لكيفية تحول الجامعات إلى مراكز للتغيير الاجتماعي.في الختام، تُذكّر هذه الندوة بأن الازدهار الحقيقي لا يأتي من النمو المادي وحده، بل من قوة التضامن الجماعي والمرونة الإنسانية. هل سيكون المغرب رائداً في هذا المجال؟ الإجابة تكمن في التنفيذ السريع لهذه الرؤى.

إعلان-وجدة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!