وجدة تحتفي بـ”الروح والوجدان”: مهرجان الموسيقى الروحية الأول يجسد تاريخاً من الوحدة والإبداع

وجدة – 21 نزنبر 2025
شهد مسرح محمد السادس بوجدة إقامة المهرجان الأول للموسيقى الروحية، الذي لم يكن مجرد تظاهرة فنية، بل كان تجسيداً لرحلة تاريخية وفنية طويلة، سعت لتهذيب الوجدان والتقرب إلى الله. وقد استضاف برنامج “GiL24-Journal” كلاً من السي الحارسي مدير المهرجان، والسي محمد بوطيبي رئيس مجموعة الهدى للإنشاد والسماع، لاستكشاف أبعاد هذا الحدث.
من المديح والسماع إلى الموسيقى الروحية: جذور تاريخية بعمق 130 سنة
تعود جذور هذا المهرجان إلى الجمعية الفاضلية، التي تأسست عام 2002. وكان الهدف الأولي للجمعية هو تأطير فن المديح والسماع في مدينة وجدة، لكون هذا الفن لم يكن معروفاً في المنطقة الشرقية آنذاك.
ويوضح السي الحارسي أن تأسيس الجمعية مرتبط بالزاوية الأم في السمارة، حيث إن أعضاء الجمعية هم أبناء زاوية الشيخ ماء العينين، التي يوجد فرعها في وجدة. هذا الرابط التاريخي يعود إلى حوالي 130 سنة، ويُعد دليلاً على الوحدة الوطنية بين وجدة والصحراء المغربية قبل الاستعمار الفرنسي.
بدأت الجمعية في تنظيم أول مهرجان للمديح والسماع عام 2003. ومع استمرار الممارسة، حدث تطور كبير ما بين عامي 2021 و 2022، حيث ارتقى الفن من مستوى المديح والسماع (المعتمد على الأصوات فقط) إلى مستوى الموسيقى الروحية، بإدخال الآلات الموسيقية ومجموعة من الأساتذة.
الموسيقى الروحية: عبادة وتهذيب للنفس
يشدد منظمو وفنانو المهرجان على الرسالة العميقة للموسيقى الروحية. فمدير المهرجان يصف هذا الفن بأنه يقيس وجدان الإنسان وقلبه ويوشي الروح. والأهم أنه فن عالمي يمكن لأي شخص في العالم سماعه والتأثر به، سواء كان مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً، حيث يذكره بأصله والأمور السماوية الطاهرة.
من جهته، يؤكد السي محمد بوطيبي (رئيس مجموعة الهدى) أن اختيارهم للموسيقى الروحية نابع من أنها تحقق الراحة وتهدف إلى التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وهي بذلك تعتبر عبادة. وتعمل هذه الموسيقى على تهذيب النفس وتشنف الأسماع بـ”كلام نوراني” يطمئن به القلوب، مصداقاً للآية الكريمة: “إلا بذكر الله تطمئن القلوب”.
مجموعة الهدى: من بركان إلى مسرح محمد السادس
قدمت مجموعة الهدى للإنشاد والسماع، التي تأسست في مدينة بركان عام 1993، أداءً مميزاً في المهرجان. وتتكون المجموعة من أفراد متخصصين وأساتذة في مجال الإنشاد. وقد شاركت المجموعة في هذا الحدث تلبية لدعوة من الأخ نور الدين الحارتي (رئيس الجمعية الفاضلية) للاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء المظفرة.
وخلال الجلسة الفنية، استعرضت المجموعة مقامات موسيقية عريقة، حيث تم استخدام مقام البياتي في الصلوات، ومقام الحجاز في الإنشاد. ويُعد مقام الحجاز، المرتبط ببلاد الحجاز والأذان، مقاماً روحياً.
إبداع يمزج التراث بـ”البياتي” و”الغرناطي”
أفاد السي الحارسي بأن الجمعية اجتهدت في تقديم هذا الفن بالاعتماد على التراث القديم الذي قد يمتد لخمسة أو عشرة قرون، مع إضافة إبداعات جديدة. ومن الأمثلة على ذلك، تقديم لحن المريد على مقام البياتي، الذي يبعث على الاطمئنان والهدوء.
كما تميز المهرجان بالعمل على مزج الموسيقى الروحية بـالنمط الأندلسي، باستخدام آلات مثل الساكسفون والترومبيت لإضافة إيقاع خفيف. وأكد المنظمون على تشجيع براعم الغرناطي كون إيقاعاته قريبة جداً من الموسيقى الروحية، كما أنها تتضمن قصائد صوفية.
تحديات التمويل وطموح الفرقة النسوية
على صعيد التطلعات المستقبلية، كشف مدير المهرجان عن مشروع لتكوين فرقة نسوية للموسيقى الروحية في الجهة الشرقية، لتكون بذلك أول فرقة من نوعها في المنطقة.
إلا أن الجمعية الفاضلية، شأنها شأن العديد من الجمعيات، تواجه تحديات كبيرة، أبرزها نقص التمويل. هذا النقص أثر على قدرة الجمعية على استضافة فرق دولية مميزة، مثل فرقة متخصصة في الموسيقى الروحية من تركيا، والتي كانت على أتم الاستعداد للمشاركة. رغم ذلك، أعرب السي الحارسي عن شكره لوزارة الشباب والثقافة لدعمها للمهرجان هذا العام.
لقد أثبت المهرجان الأول للموسيقى الروحية في وجدة أنه منصة حيوية للحفاظ على التراث الروحي وتطويره، مؤكداً أن الفن الأصيل هو خير وسيلة لتهديب القلوب والوصول إلى أبعاد إنسانية وروحية أعمق.
——————————————————————————–
خلاصة: إن مهرجان الموسيقى الروحية في وجدة أشبه بـنهر يتدفق من منابع التاريخ الصوفي والأندلسي، ليغذي الروح والوجدان في العصر الحديث، على الرغم من تحديات تمويلية تتطلب المزيد من الدعم ليواصل عطاءه وتألقه.









