واقعة كلميم: مرآة التوتر بين السلطة المعينة والمنتخبة
علاقة السلطات المحلية بالأحزاب السياسية في المغرب

عبدالعالي الجابري – 05 ماي 2025
في الدورة العادية للمجلس الجهوي لكلميم واد نون، شهدت الجلسة مواجهة كلامية حادة بين والي الجهة، محمد نجم أبهاي، وعضو المعارضة، محمد أبو درار، حول توقيع اتفاقية قبل موافقة المجلس. هذه الحادثة، التي وثقتها مقاطع فيديو على يوتيوب، ليست مجرد خلاف عابر، بل تُبرز توترًا عميقًا في العلاقة بين السلطات المحلية المعينة والأحزاب السياسية المنتخبة في المغرب.
فما هي طبيعة هذه العلاقة؟ وكيف تُشكل تحديًا للجهوية المتقدمة؟
1. الإطار التاريخي والقانوني
منذ إقرار دستور 2011، يسعى المغرب إلى تعزيز الجهوية المتقدمة كآلية لتوسيع الديمقراطية المحلية وتمكين الجهات من إدارة شؤونها. يُفترض أن تكون المجالس الجهوية، التي يقودها منتخبون مثل مباركة بوعيدة (رئيسة مجلس كلميم واد نون)، مسؤولة عن وضع السياسات التنموية ومراقبة تنفيذها. في المقابل، يظل الوالي، كممثل للدولة المركزية، مسؤولاً عن تنسيق المشاريع الوطنية وضمان الأمن والاستقرار. هذا التقسيم النظري للأدوار يصطدم أحيانًا بواقع معقد، حيث تتداخل الصلاحيات وتتصادم الرؤى.
في حالة كلميم، انتقد أبو درار، وهو عضو معارض، توقيع الوالي على اتفاقية قبل موافقة المجلس، معتبرًا ذلك تدخلاً في صلاحيات الجهة. رد الوالي بحزم، مؤكدًا معرفته باختصاصاته ودافعًا عن إنجازات مثل تقدم بناء المستشفى الجامعي (77%) وفتح تكوين التمريض.
هذا الخلاف يكشف عن توتر بين السلطة المعينة، التي تُبرر أفعالها بالكفاءة والمسؤولية، والأحزاب السياسية، التي ترى نفسها ممثلة للإرادة الشعبية.
2. طبيعة العلاقة: تعاون أم صراع؟
تاريخيًا، كانت العلاقة بين السلطات المحلية والأحزاب السياسية في المغرب مزيجًا من التعاون والصراع. خلال فترة الحماية وما بعد الاستقلال، كانت السلطات المحلية (القياد والعمال) أدوات للسيطرة المركزية، بينما كانت الأحزاب، خاصة الحركة الوطنية، تُطالب بالإصلاح والمشاركة. مع إصلاحات الجهوية، أصبحت الأحزاب السياسية، عبر المجالس المنتخبة، شريكًا في الحكم المحلي، لكن هذا التحول لم يلغِ النفوذ الكبير للوالي.
- التعاون: في كثير من الحالات، يتعاون الوالي مع الأحزاب السياسية لتنفيذ المشاريع التنموية. على سبيل المثال، في جلسات مجلس كلميم واد نون، شارك الوالي محمد نجم أبهاي مع رئيسة المجلس مباركة بوعيدة في تدشين مشاريع مثل منصة “الجسر” لتمكين النساء (2022) وإطلاق البرنامج التنموي الجهوي 2022-2027 بقيمة 11.9 مليار درهم.
- الصراع: لكن الصراع يظهر عندما تُحاول الأحزاب، خاصة المعارضة، ممارسة دورها الرقابي. في حالة أبو درار، كان نقده للوالي محاولة لتأكيد دور المعارضة في “تصحيح الانحرافات”، لكن تحول النقاش إلى مواجهة شخصية يكشف عن تحديات التواصل.
- أمثلة أخرى تشمل احتجاجات بجهة كلميم عام 2015 ضد تغيير الوالي السابق عمر الحضرمي، حيث اتهمت أحزاب وجمعيات محلية الدولة بتهميش القيادات الصحراوية.
3. تحديات العلاقة
- تداخل الصلاحيات: القوانين المنظمة للجهوية (مثل القانون التنظيمي 111-14) تمنح المجالس الجهوية صلاحيات واسعة في التخطيط والتنمية، لكن الوالي يحتفظ بسلطة الإشراف والتدخل في حالات معينة. هذا التداخل يُولد سوء فهم، كما في قضية توقيع الاتفاقية بكلميم.
- غياب الثقافة الديمقراطية: المشادة بين أبو درار والوالي، التي تخللتها عبارات شخصية ، يعكس حاجة إلى تعزيز الثقافة الديمقراطية بين المنتخبين والمسؤولين المعينين.
- التوازن بين المركز والجهات: الجهوية المتقدمة تهدف إلى تقليص هيمنة المركز، لكن نفوذ الوالي، كممثل للدولة، يُعيد إنتاج هذه الهيمنة أحيانًا. في كلميم، بدا الوالي وكأنه يرى نفسه فوق النقد المحلي، مما أثار استياء المعارضة.
4. دروس وتوصيات
حادثة كلميم تُبرز الحاجة إلى إعادة تقييم العلاقة بين السلطات المحلية والأحزاب السياسية لضمان تحقيق أهداف الجهوية المتقدمة:
- توضيح الصلاحيات: يجب أن تُصاغ القوانين بشكل أكثر دقة لتجنب التداخل بين صلاحيات الوالي والمجالس الجهوية، مع تعزيز آليات التشاور المسبق.
- تكوين سياسي: الأحزاب السياسية بحاجة إلى تكوين أعضائها على النقد البناء وآداب الحوار، بينما يحتاج المسؤولون المعينون إلى الاخذ بعين الاعتبار ، بل وتشجيع الدور الرقابي للمنتخبين.
- تعزيز الشفافية: توقيع الاتفاقيات يجب أن يخضع لإجراءات شفافة تشمل المجالس المنتخبة، لتجنب اتهامات التدخل.
- تشجيع الحوار: يمكن إنشاء منصات حوار دورية بين الولاة والمجالس الجهوية لتقليل التوترات وبناء الثقة.
5. ختاما
المشادة الكلامية في كلميم واد نون ليست حدثًا معزولاً، بل تعكس تحديات هيكلية في العلاقة بين السلطات المحلية والأحزاب السياسية في المغرب.
بينما يُظهر التعاون في تنفيذ المشاريع التنموية إمكانية الشراكة، فإن الصراعات مثل تلك التي شهدتها كلميم تكشف عن حاجة إلى توازن أفضل بين المركز والجهات.
الجهوية المتقدمة لن تحقق أهدافها إلا بتعزيز الثقة المتبادلة، وتوضيح الصلاحيات، وبناء ثقافة ديمقراطية تحترم الاختلاف.
في النهاية، يبقى السؤال: هل يمكن لهذه التوترات أن تتحول إلى فرصة لإعادة صياغة علاقة أكثر انسجامًا بين السلطة والسياسة في المغرب؟