نيكولا ساركوزي.. الوجه الخفي لنظام الخيانة والفساد

خلف الستار: مفوض استخبارات سابق يكشف عن "الخيانة المطلقة" لساركوزي

بينما يذرف “النظام الإعلامي الفرنسي” دموعاً على إدانة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالسجن لمدة خمس سنوات، يطرح سؤال جوهري: هل ساركوزي بريء حقاً، خاصة بالنظر إلى مجمل “أعماله ضد فرنسا“؟. للرد على هذه التساؤلات، يكشف المفوض السابق للاستخبارات العامة (RG) هوبير مارتي فيلانس، في حوار مثير، عن الوجه الخفي لـ”نظام ساركوزي”.

لقد كان هدف ساركوزي وشركائه آنذاك، مثل كلود غيون وبرنار سكوارشيني، هو محاولة إزاحة المفوض مارتي فيلانس بسبب تحقيقاته الحساسة، كقضية كولونا. ويزعم المفوض أن ساركوزي، الذي وصل إلى السلطة في محيط غير سليم أخلاقياً، قد أظهر مساراً من الفساد، واستغلال النفوذ، وحتى التورط في شبكات تذكّر بالمافيا.

تكوين عميق والدولة العميقة الأمريكية

تكشف المصادر عن خلفية مثيرة لنيكولا ساركوزي تشير إلى ارتباطه المبكر بـ”الدولة العميقة” الأمريكية. فبعد طلاق والديه، تزوج والده من امرأة تزوجت لاحقاً من فرانك ويزنر، الذي كان نائباً لمدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ورجل الدولة العميقة الأمريكية. ويُقال إن ويزنر هو من اكتشف ساركوزي في السبعينيات، حين كان لا يزال مراهقاً، وقرّر “تدريبه“.

ويُشدد على أن تشكيل ساركوزي تم على يد وكالة المخابرات المركزية (CIA). وربما يفسر هذا السلوك قراره المثير للجدل لاحقاً: التفريط في 25% من مخزون الذهب لدى بنك فرنسا وبيعه بأقل من 10% من قيمته الحقيقية للأمريكيين. ويُعد هذا العمل “خيانة عظمى” في نظر البعض.

تصفية الخصوم وتصنيع الأبطال: قضية “القنبلة البشرية”

يؤكد المفوض مارتي فيلانس أن صعود ساركوزي السياسي تزامن مع حقبة من الصفقات السرية والتصفيات السياسية. فقد نشأ ساركوزي في بيئة أدرك فيها أنه “يمكن للوزير أو الرئيس أن يفعل أي شيء”.

اغتيالات سياسية: يرى المفوض أن هناك إجماعاً سياسياً (بين ميتران وباسكوا) على اغتيال بيير بيريجوفوا (رئيس الوزراء الأسبق) في عام 1993 لأنه أراد “مكافحة الفساد في فرنسا”. ويشير إلى أن بيريجوفوا كان يمثل “الإرهابي الحقيقي” الذي كان يهدد الطبقة السياسية. كما يُشار إلى أن قضية اغتيال الوزير روبرت بولان (التي قُدّمت كانتتحار) وقضية اغتيال المدعي العام لقضية بولان، لويس شالري (في حادث سيارة)، مرتبطة أيضاً بالترتيبات السرية بين ميتران وباسكوا للقضاء على الشهود المزعجين.

عملية “القنبلة البشرية” (Human Bomb): بعد أيام قليلة من تصفية بيريجوفوا، ظهرت قضية “القنبلة البشرية” (إريك شميت) في مدرسة بنويي عام 1993. يزعم مارتي فيلانس أن هذه القضية كانت عملية مصطنعة هدفها “إطلاق ساركوزي” كبطل. حيث قام ساركوزي، الذي كان يشغل منصب عمدة نويي ووزير الميزانية، بالتدخل بشكل غير مسبوق في مفاوضات الرهائن. ويُعتقد أن شميت كان مُتلاعباً به عقلياً، وتصرفه كان “غير منطقي على الإطلاق”، وتم “قتله على الفور” بعد تخديره لمنعه من كشف الأسرار، رغم طلب المدعي العام إجراء تحقيق.

فضيحة كولونا: تضليل لخدمة أجندة سياسية

تُعد قضية إيفان كولونا، المتهم باغتيال المحافظ إريغناك عام 1998، مثالاً على التلاعب بالنظام من قبل ساركوزي وفريقه.

كان المفوض مارتي فيلانس يقود تحقيقات حول قضية كولونا، مؤكداً أنها كانت في جوهرها قضية فساد وليست قضية قومية. ويؤكد مارتي فيلانس أنه كان يعرف القاتل الحقيقي للمحافظ إريغناك، وهو شخص مختلف عن كولونا، لكن هذا القاتل كان محمياً من قبل سكوارشيني والـ DST.

بدلاً من التعاون مع مارتي فيلانس، الذي عرض القبض على كولونا بسرعة، قامت إدارة ساركوزي (بقيادة غيون) بوضع المفوض ومصادره تحت التنصت، وتم تأجيل القضية لتسييسها. تم القبض على كولونا قبل يومين فقط من استفتاء ساركوزي المقترح على كورسيكا، والذي كان يهدف إلى منحها وضعاً خاصاً يسمح بتحويلها إلى منصة غسيل أموال (أوفشور).

وفيما يتعلق بكولونا نفسه، يزعم مارتي فيلانس أن كولونا تم اغتياله عمداً في السجن لمنعه من كشف الحقيقة بعد أن ثبت أنه كان مجرد “درب كاذب”. كما تعرض مارتي فيلانس للانتقام، حيث تم إيقافه عن العمل بدون راتب وحُبس احتياطياً ثلاثة أشهر بتهم ملفقة لإلحاق الضرر به اجتماعياً.

ثروات هائلة وشبكات أفريقية مشبوهة

يرتبط نظام ساركوزي بـ”الأموال القذرة” المتدفقة من أفريقيا. تشير المصادر إلى شبكات قوية من القادة الأفارقة الذين قاموا بتمويل ساركوزي.

أموال القذافي: كان ساركوزي يسعى للحصول على دعم القذافي المالي، وقد تورط رجاله الموثوقون (غيون وأورتفو) في التفاوض على عفو عن صهر القذافي لتأمين هذا الدعم.

شبكة السنغال: كان عبد الله واد وابنه كريم واد متورطين في تحويلات مالية ضخمة. يزعم المفوض أن كريم واد وحده مشتبه في اختلاسه ما يقرب من مليار يورو من السنغال، وكان ناقلاً نشطاً للأموال النقدية إلى فرنسا. وعندما تم إيقاف مارتي فيلانس، كان أول شيء بحث عنه المحققون هو تقريره عن ثروة كريم واد، مما يشير إلى تورط كلود غيون في هذا الملف.

ثروة ساركوزي: بالنظر إلى هذه المصادر للتمويل (القذافي، واد، بيتانكور، ورؤساء أفريقيون آخرون مثل بونغو وساسو نغيسو)، تشير مصادر المفوض إلى أن ثروة نيكولا ساركوزي تبلغ 500 مليون يورو على الأقل. ويؤكد مارتي فيلانس أن هذا الرقم لا يبدو مبالغاً فيه على الإطلاق.

نظام مافياوي ومخاطر مستمرة

يصف المفوض هوبير مارتي فيلانس النظام الذي يكشف عنه بأنه “شبكة مافياوية”. نظام يتميز بالكم الهائل من الأكاذيب، والموت المشبوه، وتوظيف المناصب الوزارية والخدمات الأمنية (الـ DST) لتحقيق مصالح خاصة.

ورغم إدانة ساركوزي الأخيرة، يرى مارتي فيلانس أن الرئيس السابق لا يزال يمتلك نفوذاً كبيراً و “ما زال يسحب الخيوط في الخفاء” ولديه شبكات متغلغلة في وزارة الداخلية عبر رجاله مثل سكوارشيني.

ويُشير إلى أن القضاة الذين أدانوا ساركوزي تعرضوا للتهديد، في تذكير “بالانحدار الصقلي”. كما أن الشهود الأساسيين في قضايا التمويل، مثل زياد تقي الدين، توفوا بشكل مفاجئ قبل صدور الحكم بأيام.

ويختتم المفوض بالقول إن هذا الحكم ليس سوى “قمة جبل الجليد”. إن الكشف عن هذه الحقائق، رغم خطورته، هو جزء من معركة ضد الفساد الذي يقدر بـ 130 مليار يورو سنوياً في فرنسا، وهو ما يوازي تقريباً العجز السنوي. ويدعو إلى يقظة المواطنين لإعادة امتلاك السلطة التي سُلبت منهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!