نواكشوط تستضيف عرساً ثقافياً عربياً أفريقياً: مؤتمر اللغة العربية يرسم استراتيجيات نشر الضاد في القارة السمراء

نواكشوط – 31 اكتوبر 2025
في أجواء احتفالية تعكس عمق التراث الشنقيطي والإرث العربي الغني، احتضنت عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، نواكشوط، فعاليات المنتديات العربية الإفريقية للغة الضاد وآدابها، خلال الفترة من 27 إلى 29 أكتوبر 2025. هذا الحدث الثقافي الكبير، الذي رعاه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الموريتانية، وبعناية خاصة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، شهد مشاركة واسعة من نخب أكاديمية وأدبية وثقافية تمثل نحو 40 دولة أفريقية وهيئة إقليمية ودولية.
جاءت هذه المنتديات، التي نظمها بالتعاون مجلس اللسان العربي في موريتانيا، واتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، والمجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا (مقره تشاد)، ومجمع اللغة العربية بالشارقة، والندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، لتكون منصة حوارية حيوية تهدف إلى تعزيز دور اللغة العربية كجسر حضاري يربط بين شعوب القارة الأفريقية. وحضر الفعاليات كبار الشخصيات، بما في ذلك معالي الدكتور أحمد عمر أحمد، المشرف على أنشطة منظمات المجتمع المدني بالحكومة التشادية، والدكتور رامي محمد إنشاصي، مندوب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، والدكتورة نهلة الصعيدي، ممثلة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، إلى جانب قادة هيئات علماء واتحادات كتاب من مختلف أنحاء أفريقيا.
مؤتمر علمي دولي يقدم 70 ورقة بحثية
كان المؤتمر العلمي الدولي الثاني للمجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا، بعنوان “وسائل نشر اللغة العربية في إفريقيا واستراتيجيات تطويرها”، الفعالية الرئيسية في هذا العرس الثقافي. قدم إليه نحو 70 ورقة علمية تناولت تحديات نشر اللغة العربية في سياق أفريقي متنوع، مع التركيز على الاستراتيجيات الرقمية والتعليمية. وفي هامشه، عقد مؤتمر تنظيمي استثنائي للمجلس، أسفر عن إعادة هيكلة أجهزته التنظيمية ومراجعة نظامه الأساسي ولائحته الداخلية.
أما الفعاليات الأخرى، فقد شملت المنتدى العربي الأفريقي للأدب، ومهرجان “أعراس الكلمات” الذي احتفل بالإبداع الشعري والنثري، وندوة “اليراعة الشنقيطية” التي سلطت الضوء على التراث الموريتاني في خدمة اللغة العربية. افتتحت أعمال المنتديات في قصر المؤتمرات “المرابطون”، بإشراف معالي السيدة صفية انتهاه، وزيرة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة ووزيرة الثقافة بالوكالة، وبحضور معالي يعقوب أمين، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، إلى جانب سفراء وكبار الشخصيات الموريتانية وجمع غفير من الأكاديميين والأدباء.
قرارات جريئة وتوصيات عملية لتعزيز الضاد
بعد ثلاثة أيام من الحوارات الجادة، أصدر المشاركون بياناً ختامياً يلخص قرارات وتوصيات تهدف إلى تعزيز مكانة اللغة العربية في أفريقيا. من أبرز القرارات: تجديد الثقة في الدكتور حسب الله مهدي فضله، رئيس المجلس، ونوابه الثلاثة (الدكتور فؤاد بو علي، والدكتور صالح محروس محمد، والدكتور حسن عثمان سجال)، مع تأجيل انتخاب النائب الرابع. كما اعتمد المجلس تعديلات على نظامه الأساسي، وحدد انعقاد المؤتمر الثالث في إحدى دول شرق أفريقيا، وأطلق جائزة سنوية جديدة باسم “جائزة أفريقيا للشعر العربي”، تقديراً لدور الشعر في نشر اللغة، وستُمنح خلال افتتاح المؤتمرات السنوية بالتنسيق مع المنتدى الأدبي.
وفي التوصيات، دعا المؤتمرون الاتحاد الأفريقي إلى تطبيق فوري لرسمية اللغة العربية في دواوينه، معتبرين إياها “اللغة الأفريقية الأصلية” لعدد كبير من شعوب القارة. كما طالبوا الحكومات الأفريقية والعربية بالتعاون مع المجلس لبناء مقره في تشاد وإنشاء مراكز تعليمية تابعة له، مع إحياء تقليد كتابة اللغات الأفريقية بالحرف العربي كما كان قبل الاستعمار. أما التوصيات الداخلية للمجلس، فشملت زيادة العناية بالمحاضر والكتاتيب كوسائل نشر أساسية، وإقامة دورات تدريبية لمعلمي العربية، وحفظ التراث العربي الأفريقي، وتطوير وسائل تعليمية حديثة باستخدام الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الرقمية المكيفة مع السياق الأفريقي.
وفي توصية عامة طموحة، ناشد المشاركون تأسيس “رابطة عالمية للغة العربية” تحت رعاية المنظمات الدولية مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، لنشر الضاد عالمياً، مع تطلع خاص إلى دور الرئيس الغزواني، الرئيس السابق للاتحاد الأفريقي، والشيخ سلطان بن محمد القاسمي، والرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إتنو في تنفيذ هذا المشروع.
شكر وامتنان للشركاء في النجاح
أنهى البيان بباقة شكر لفخامة الرئيس الغزواني وللشعب الموريتاني على “كرم الضيافة ودقة التنظيم”، وللأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، الدكتور محمد صافي مستغانمي، على الجهود المتواصلة. كما امتن المشاركون لدعم الندوة العالمية للشباب الإسلامي في تمويل مشاركة بعض الوفود، وللأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر أحمد الطيب، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمؤسسات الأخرى مثل الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية في المغرب ورابطة علماء دول الساحل.
يُعد هذا المؤتمر خطوة نوعية نحو إحياء اللغة العربية في أفريقيا، حيث يُنظر إليها ليس فقط كلغة دينية، بل كأداة تنموية وحضارية. ومع اقتراب نهاية العام، يبقى السؤال: هل ستترجم هذه التوصيات إلى مشاريع ملموسة، أم تبقى على الورق؟ الإجابة تكمن في الإرادة السياسية والشراكات المستقبلية.
 
  
 








