نقله خط أحمر: بائعو السمك في وجدة يقفون سداً أمام تهميش تراثهم المهني والحضاري

وجدة – خاص لجيل24
بقلم: اتحادي في الصفوف الأمامية

في خطوة تعكس عمق الارتباط بالأرض والذاكرة الجماعية، يستعد بائعو السمك بسوق باب سيدي عبد الوهاب التاريخي بمدينة وجدة لتنظيم وقفة احتجاجية حاسمة يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025، أمام مقر ولاية جهة الشرق. هذه الوقفة ليست مجرد احتجاج مهني عابر، بل صرخة نقابية تعبر عن رفض قاطع لأي محاولة تهميش لمصادر الرزق الكريمة، ودفاع عن هوية حضارية تشكلت على مدى أكثر من ثمانية عقود.

الشعار الذي يرفعونه بكل فخر – “نقله خط أحمر” – ليس عبارة عابرة، بل موقف مبدئي يجسد التضامن النقابي والتمسك بالحقوق الأصيلة، في وجه مشاريع إعادة التأهيل التي تهدد بإزاحة هذا المعلم الحي من نسيج المدينة.

منذ أسابيع، يتصاعد الغضب بين صفوف المهنيين، الذين يرون في سوق باب سيدي عبد الوهاب أكثر من مجرد فضاء تجاري؛ إنه شاهداً على دينامية اقتصادية واجتماعية حية، حيث اختلطت أجيال من أبناء وجدة بالروائح البحرية والصفقات اليومية، لبناء روابط تضامن إنساني لا يُقدَّر بثمن. هذا السوق، الذي يعود تاريخه إلى عقود مضت، لم يكن يوماً مجرد موقع جغرافي، بل مصدر رزق كريم لعائلات كاملة، ومجال للتواصل الذي يعزز النسيج الاجتماعي للمدينة.

ومع ذلك، تواجه هذه الذاكرة الحية اليوم تهديداً مباشراً من مشاريع النقل أو الإعادة التأهيل، التي يصفها المهنيون بأنها “تناقضية وغير منصفة”، حيث تفتقر إلى بدائل واقعية تضمن كرامتهم واستقرارهم المهني. في اجتماع موسع عقد يوم الجمعة 19 شتنبر 2025 بمقر الاتحاد المغربي للشغل (UMT) بوجدة، أكد بائعو السمك موقفهم الرافض لأي نقل يهدد بهويتهم، مشددين على أن “نقله خط أحمر” يعني رفضاً لإلغاء دور هذا السوق دون حوار حقيقي.

هذه الوقفة الاحتجاجية، التي تأتي بعد سلسلة من الجمعيات العامة والتهديدات بالتصعيد – كما حدث في وقفة 29 شتنبر الماضي – تحمل بعداً حضارياً عميقاً، يربط بين الحفاظ على التراث المادي والمعنوي لوجدة وضمان حقوق العمال الذين يشكلون عماد اقتصادها المحلي. إنها ليست مجرد دفاع عن دكاكين وأكشاك، بل عن حق مهني أصيل يرتبط بأجيال كاملة، حيث أصبح السوق ملاذاً للمشرملين والحكارة، وأداة للعدالة الاجتماعية في وجه الإهمال الإداري.

من منظور نقابي، تبرز هذه المعركة كمثال حي على كيفية تحول الصراعات المهنية إلى قضايا وطنية، حيث يدعو الاتحاد المغربي للشغل إلى تضامن واسع مع هؤلاء المهنيين. “نحن لا نطالب بامتيازات، بل بحقوق مشروعة في فضاء يعكس هويتنا الحضارية”، يقول أحد قادة الاحتجاج، مشدداً على أن الشعار يعبر عن وعي جماعي يرفض النسيان والتبديد. هذا النداء يتجاوز الجدران التاريخية للسوق ليصل إلى كل نقابي يدافع عن كرامة العمل، ففي عصر يهيمن فيه التنمية على حساب الإنسان، يصبح الدفاع عن مثل هذه المعالم خطوة نحو عدالة اجتماعية حقيقية.

من خلال هذا الشعار الجامع، يوجه بائعو السمك رسالة واضحة إلى السلطات المعنية – من الولاية إلى الجماعات المحلية – لفتح حوار مسؤول وبنّاء، يهدف إلى حلول عملية تصون مصالح المهنيين وتضمن استمرارية هذا الموروث في إطار مشارك وتشاركي.

إن تجاهل هذا النداء قد يفتح أبواب التصعيد، كما حذر المهنيون في اجتماعاتهم الأخيرة، لكنه يفتح أيضاً باباً للتعاون إذا تم الاستجابة له بجدية.

في النهاية، هذه اللافتة ليست مجرد عنوان لوقفة احتجاجية، بل رمز للتمسك بالحقوق والذاكرة. نحن، في النقابة، ندعو كل عمال ووجدة وأبناء الشرق إلى التضامن مع هؤلاء المناضلين، فدفاعهم عن سوق باب سيدي عبد الوهاب هو دفاع عن كرامة العمل للجميع. الجمعة القادمة ليست نهاية، بل بداية لمعركة أكبر من أجل وطن يحترم تراثه ويحمي عماله. الاتحاد المغربي للشغل يقف معكم، وصوتكم صوتنا جميعاً.

نقله خط أحمر: بائعو السمك في وجدة يقفون سداً أمام تهميش تراثهم المهني والحضاري插图

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!