مياه جوفية ملوثة: خطر يهدد صحة الملايين في سهول أنجاد بالمغرب + دراسة

المياه الجوفية كنز لا يُقدر بثمن، فهي مصدر الحياة لأكثر من 80% من سكان الكوكب. في مناطق مثل المغرب، حيث ندرة المياه واقع، تعتمد مدن وقرى بأكملها عليها لتلبية احتياجاتها اليومية، وتُعد المصدر الرئيسي لمياه الشرب لغالبية سكان الريف في سهل أنجاد. لكن هل تعلم أن هذا الكنز الثمين بات مهددًا بالتلوث؟ دراسة حديثة أجريت في سهول أنجاد بالمغرب تسلط الضوء على هذه المشكلة الخطيرة.

ماذا كشفت الدراسة؟

هذه الدراسة، التي نُشرت في مجلة “Scientific Reports” عام 2025، قامت بتقييم جودة المياه الجوفية في سهل أنجاد باستخدام مؤشر تلوث المياه الجوفية (PIG) ومؤشرات ميكروبيولوجية حيوية. وقد أُجريت حملتان لأخذ العينات في عام 2023، خلال الموسم الرطب والجاف، وشملت 45 عينة في كل حملة.

مياه جوفية ملوثة: خطر يهدد صحة الملايين في سهول أنجاد بالمغرب + دراسة插图

نتائج مقلقة للمياه الجوفية:

تلوث كيميائي ومعادن مرتفعة: كشفت التحليلات الكيميائية أن غالبية الأيونات التي تم دراستها، مثل الكلوريد (Cl-) والصوديوم (Na+)، تجاوزت الحدود الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO). على سبيل المثال، تجاوزت قيم المواد الصلبة الذائبة الكلية (TDS) حدود منظمة الصحة العالمية في أكثر من 86% من العينات، مما يشير إلى أن غالبية المياه الجوفية في المنطقة ذات نسبة تمعدن عالية. كما أن مستويات النترات تجاوزت المعايير في حوالي نصف العينات، خاصة في الجنوب وحول مدينة وجدة.

مؤشر التلوث (PIG): أظهر مؤشر تلوث المياه الجوفية (PIG) أن أكثر من 80% من العينات تقع ضمن فئتي التلوث “الطفيف” و”المنخفض”. ومع ذلك، فإن مستويات التلوث هذه تزداد بشكل ملحوظ خلال موسم الجفاف. أيونات الصوديوم والكلوريد تُظهر ارتباطًا وثيقًا بقيم مؤشر PIG، مما يعني أنها تساهم بشكل كبير في تلوث المياه. وهذا يشير إلى عمليات التملح المكثفة، خاصة في الجزء الشمالي من المنطقة.

تلوث بكتيري يهدد الصحة: كشف الجانب الميكروبيولوجي عن تحدٍ أكبر. أظهرت التحليلات وجود بكتيريا القولون الكلي (TC)، والقولون البرازية (FC)، والمكورات المعوية (IE) في المياه. متوسط مستوياتها كان أعلى في موسم الجفاف مقارنة بالموسم الرطب. والأخطر من ذلك هو أن الغالبية العظمى من عينات المياه الجوفية غير صالحة للاستهلاك البشري وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، حيث تجاوزت حدود هذه الجراثيم في أكثر من 90% من عينات القولون الكلي والبرازي، وأكثر من 50% للمكورات المعوية.

لماذا يحدث هذا التلوث؟ يعود تلوث المياه الجوفية في سهل أنجاد إلى مزيج من العوامل الطبيعية والبشرية.

الأنشطة البشرية: الممارسات الزراعية المكثفة، مثل الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة والسماد، تساهم في تسرب الملوثات إلى المياه الجوفية. كما أن عدم وجود شبكات صرف صحي في بعض المناطق يزيد من خطر التلوث بسبب تسرب النفايات من خزانات الصرف الصحي.

العوامل الطبيعية: تشمل ذوبان المعادن والصخور الموجودة في التربة مثل الدولوميت والجير والجبس.

التأثيرات الموسمية: تؤدي فترات الجفاف الطويلة وانخفاض معدلات تغذية المياه الجوفية إلى تركيز الأيونات الذائبة، مما يزيد من مستويات التلوث، خاصة التلوث البكتيري بسبب انخفاض حجم المياه المتاحة ونقص التخفيف الطبيعي.

المخاطر الصحية: التلوث الكيميائي والميكروبيولوجي للمياه يحمل مخاطر صحية وخيمة:

من الأملاح والمعادن: المستويات المرتفعة من المواد الصلبة الذائبة (TDS) يمكن أن تغير طعم الماء وتسبب آثارًا ملينة، وتشكل خطرًا على مرضى الكلى. زيادة الصوديوم يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية.

من النترات: ترتبط النترات بحالة تُعرف بـ”متلازمة الطفل الأزرق” (ميتهيموغلوبين الدم)، وقد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الجهاز الهضمي وأمراض الغدة الدرقية، وتؤثر على الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، خاصة لدى الرضع والنساء الحوامل.

من البكتيريا: وجود بكتيريا القولون والمكورات المعوية هو مؤشر على تلوث برازي خطير، يمكن أن يسبب أمراضًا مثل الكوليرا والتهاب المعدة والأمعاء والدوسنتاريا وحمى التيفوئيد.

نحو إدارة مستدامة: تؤكد الدراسة على الضرورة الملحة لتنفيذ حلول معالجة فعالة ووضع خطط إدارة مستدامة للحفاظ على هذه الموارد المائية على المدى الطويل. تشمل التوصيات الرئيسية:

تبني ممارسات زراعية مستدامة: مثل تقليل استخدام الأسمدة الكيميائية وتشجيع الري الفعال بالمياه ذات الجودة المتحكم بها.

تعزيز اللوائح التنظيمية لاستخدام الأراضي: فرض قيود على البناء بالقرب من مصادر المياه الجوفية المعرضة للخطر.

تطبيق تقنيات إدارة الموارد المائية: مثل إعادة التغذية الاصطناعية للمياه الجوفية والمراقبة المستمرة لمستويات الملوحة والتلوث البكتيري.

استعادة الأراضي الرطبة المتدهورة: للحفاظ على وظائف تغذية المياه الجوفية والترشيح الطبيعي.

رفع الوعي وتوفير التدريب: توعية المزارعين ومديري المياه حول تأثير الممارسات الزراعية على جودة المياه الجوفية.

باختصار، هذه الدراسة تقدم معلومات حيوية حول تلوث المياه الجوفية في سهل أنجاد، وتمكن صناع القرار والسكان والعلماء من تحديد مصادر المياه الآمنة والمناطق المعرضة للخطر بشكل أفضل. إنها دعوة للتحرك الفوري لحماية هذا المورد الحيوي لضمان مستقبل صحي ومستدام للجميع.

المصدر المعتمد: [Boukich, O., Ben-tahar, R., Gharibi, E. et al. Assessment of groundwater pollution using PIG index and microbiological indicators in the Angads plain, Morocco. Scientific Reports, volume 15, Article number: 26412 (2025).] s41598-025-99956-z

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!