من يملك حق صياغة هوية المغاربة؟ أبو زيد المقرئ الإدريسي يفتح نقاشاً عميقاً حول الهوية والتحديات المعاصرة

الرباط – 9 ماي 2025
في خضم التحولات العالمية والتحديات الثقافية، يبرز السؤال الملح: من يملك حق الكلام عن هوية المغاربة وصياغتها؟ في حوار فكري عميق، مع قناة أثر تولك، يطرح أبو زيد المقرئ الإدريسي، المفكر والسياسي المغربي البارز، رؤية نقدية حول مفهوم الهوية المغربية، مؤكداً أنها ليست ملكاً لفرد أو سلطة بعينها، بل نتاج تاريخ طويل وحوار حضاري تشكله العناصر الدينية، اللغوية، والثقافية.

هذا الحوار، الذي يجمع بين التأمل الفلسفي والتحليل السياسي، يكشف عن رؤية متكاملة للهوية المغربية، ويحذر من تهديدات الفرنكفونية، التطبيع، والعولمة القيمية التي تهدد جوهر هذه الهوية.

الهوية المغربية: خمس ركائز وترتيب دقيق

يقترح الإدريسي نموذجاً تحليلياً لفهم الهوية المغربية يقوم على خمس ركائز أساسية، مرتبة بعناية لتعكس الأولويات الثقافية والروحية للمغاربة: الدين، اللغة العربية، التقاليد النافعة، المعارف النافعة، والانفتاح. هذا الترتيب ليس اعتباطياً، بل يعكس رؤية متجذرة في التاريخ المغربي.

فالدين، بوصفه النواة، يتمثل في الإسلام المغربي بثلاثيته المميزة: المذهب المالكي، العقيدة الأشعرية، والتصوف الجنيدي. أما اللغة العربية، فهي ليست مجرد أداة تواصل، بل ركيزة تربط المغاربة بتاريخهم، تراثهم، وقرآنهم، وتشكل درعاً ضد محاولات الفرنكفونية التي يصفها الإدريسي بـ”الخيانة الثقافية”.

التقاليد النافعة، بحسب الإدريسي، هي تلك العادات التي تعزز التماسك الاجتماعي دون الوقوع في فخ الخرافات أو التبذير، بينما المعارف النافعة تشمل العلوم التي تخدم المجتمع دون أن تضر بقيمه. أما الانفتاح، فهو البعد الذي يسمح للمغاربة بالتفاعل مع الثقافات الأخرى دون التفريط في هويتهم، مستشهداً بتجربة القرآن الكريم الذي احتضن كلمات من لغات أخرى دون أن يفقد طابعه العربي.

تهديدات الهوية: الفرنكفونية والتطبيع

يحذر الإدريسي من تهديدات خطيرة تواجه الهوية المغربية، أبرزها سياسات الفرنكفونية التي يراها أداة استعمار ثقافي تهدف إلى تهميش اللغة العربية. خلال مسيرته البرلمانية التي امتدت 24 عاماً، خاض معارك شرسة ضد القوانين التي تعزز الفرنسة، مثل الفقرات المثيرة للجدل في القانون الإطار للتعليم، التي رأى فيها تهديداً للهوية الوطنية.

يستشهد الإدريسي بفشل إنشاء أكاديمية محمد السادس للغة العربية، رغم تسجيلها في الدستور، كدليل على نفوذ اللوبي الفرنكفوني داخل المؤسسات.

كما يعبر عن رفضه القاطع للتطبيع مع إسرائيل، معتبراً إياه تهديداً للهوية المغربية أكثر مما هو تهديد لفلسطين. في هذا السياق، يربط الإدريسي بين القضية الفلسطينية والقضية الوطنية (الصحراء المغربية)، نافياً أي تعارض بينهما. يستند إلى مواقف قادة الحركة الوطنية مثل علال الفاسي وعبد الخالق الطريس، الذين ربطوا بين التحرر من الاستعمار ودعم فلسطين كجزء من وحدة الأمة الإسلامية. “من يروج للتعارض بين القضيتين هو وكيل مرتزق”، يقول الإدريسي، مؤكداً أن دعم فلسطين يعزز القضية الوطنية المغربية.

دور العلماء والحركة الإسلامية

يؤكد الإدريسي على الدور المحوري للعلماء في صون الهوية المغربية، لكنه يميز بين أدوارهم المتنوعة: منهم من يتأمل في “برج عاجي”، ومنهم من ينخرط في الميدان. مستلهماً نموذج أبي بكر الصديق الذي قاد من العاصمة، وخالد بن الوليد الذي قاتل في الميدان، يرى أن العلماء يجب أن يجمعوا بين الإرشاد عن بُعد والانخراط المباشر في قضايا الأمة.

كما يشيد بدور حركة التوحيد والإصلاح، التي ينتمي إليها، في تعزيز التدين المغربي المعتدل، بعيداً عن مفهوم “البيعة” التنظيمية، مع التركيز على الشورى والدعوة إلى الله.

تحديات العولمة والوعي

في مواجهة العولمة القيمية، التي يراها تهديداً للأسرة والقيم الدينية، يدعو الإدريسي إلى وعي عميق بالتحديات المعاصرة. ينتقد ازدواجية الغرب في التعامل مع حقوق الإنسان، مشيراً إلى التمييز في التعاطي مع أزمات مثل أوكرانيا وغزة.

كما يحذر من “الاضطراب الهوياتي” الذي يصيب المجتمعات عندما تفقد بوصلتها الثقافية، داعياً إلى تعزيز التعليم، القراءة، والثقافة كأدوات لبناء هوية متكاملة تجمع بين الانتماء الوطني، الإفريقي، والإسلامي.

خاتمة: هوية متجذرة ومستقبل واعد

يقدم أبو زيد المقرئ الإدريسي رؤية متكاملة للهوية المغربية، مؤكداً أن صياغتها مسؤولية جماعية تستند إلى التاريخ والثقافة، وليست حكراً على أحد. في مواجهة التحديات الراهنة، من فرنكفونية وتطبيع وعولمة، يدعو إلى وعي جماعي يحمي الركائز الأساسية للهوية: الدين واللغة العربية.

هذا الحوار ليس مجرد نقاش فكري، بل دعوة للأجيال الجديدة لتحمل مسؤولية الحفاظ على هوية مغربية أصيلة، منفتحة، ومتماسكة في وجه عواصف التغيير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى