منظور حزب الحرية والعدالة الاجتماعية في إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني

لمناقشة موضوع التربية والتكوين عموما ومنظومة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر خاصة فإن حزب الحرية والعدالة الاجتماعية يرى أنه لا بد من  طرح مجموعة من الأسئلة ، المتعلقة بماهيتها وأهميتها ،لدى أي منتظم حر , يستغل خيرات وطنه , عن طريق القدرات الذاتية والمؤهلات البشرية المتوفر عليها ,ويوزعها توزيعا عادلا يراعي جميع فئات المجتمع ، وحماية كل دولة لنفسها من هجرة الأدمغة المعتبرة بمثابة رأسمال لامادي،

فما هي أهمية التعليم العالي، داخل برامج مختلف السياسات العمومية التي تهندسها وتنهجها مختلف الدول، المتقدمة والناشئة ؟

وماهي مختلف الإشكاليات التي يعاني منها الجسد الجامعي المغربي كمكون أساسي لمنظومة التعليم والتربية والتكوين  ؟

وماهي أهم الإصلاحات التي يراها حزب الحرية والعدالة الاجتماعية ممكنة ,من خلال زاوية تحليله لمختلف  الأبعاد ؟

للتعاطي مع هذا الموضوع وبإختصار شديد ، فإن حزب الحرية والعدالة الإجتماعية ،بعد إستقرائه للموضوع من مختلف جوانبه وبعد الاطلاع على كافة مناحيه من خلال صيرورته التاريخية يؤكد أنه :
لا يمكن إنجاز التحول الديمقراطي الحقيقي والرقي بالذوق العام للمجتمع، ونشر ثقافة حقوق الإنسان أو بناء نظام اقتصادي تنافسي منتج للثروة، وضمان إشعاع البلد في محيطه الإقليمي والدوليدون تمتيع المواطن بتعليم جيد فعال مدعم وموجه من طرف الدولة.

 لكن ما يلاحظ أن التعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب يعيش أزمة حقيقية مردها تعثر مسلسل الإصلاحات المتتالية  وغياب الوسائل الكفيلة بتنفيذه، فالتعليم العالي لا يحتاج إلى مخططات استعجالية فارغة المحتوى، ولا فرص أمامها للنجاح، بقدر ما يحتاج إلى تعبئة وطنية شاملة لكل مكونات الوطن، كون التعليم العالي والبحث العلمي أحد المؤشرات الأساسية التي تقيس مدى تقدم المجتمعات ونجاعة السياسات المتبعة التي تؤثر على نواحي الحياة المختلفة.
ولقد شهدت الجامعة المغربية منذ تأسيسها إلى اليوم ارتفاعا متزيدا في عدد الطلبة المسجلين بمختلف كلياتها ومدارسها،ومعاهدها , كما ازداد عدد الأطر العاملة بها سواء التربوية أو الإدارية، وتوسع حجم بنياتها ومؤسساتها، وارتفع حجم الميزانيات المرصودة لها، وبرز الأمل في أن تشكل قطبا اقتصاديا واجتماعيا مهما بالجهة التي تنتمي إليها.
وبعيدا عن المنظورات الاختزالية التي يروجها البعض، يمكن القول بأن أزمة التعليم العالي بالمغرب ، أزمة بنيوية شاملة متعددة الأبعاد والدلالات ولها امتداد مجالي وزمني، أزمة لا يمكن فهمها إلا بربطها بأزمة النظام التربوي – التكويني بصفة عامة، ومن جهة أخرى ربطها بالنظام المجتمعي العام الذي تخترقه عناصر الأزمة على مختلف الأصعدة والمستويات.
وكما يعلم صانعوا السياسات العمومية للدولة , فقد خضعت الجامعة كغيرها من مؤسسات التعليم العالي بالمغرب لمقتضيات الإصلاح الجامعي ، ومن زاوية نظرنا ودون الوقوف كثيرا على التشخيص أو تحليل سياقات هذا الإصلاح ومضامينه وكيفية تنزيله والآثار الناجمة عنه ، ودون الأخذ في أهم محطات المسار الإصلاحي الذي خضعت له الجامعة المغربية وأثره على تشكيل سيرورة التعليم العالي وما أفرزته من أزمات ومشاكل.
ويتوقف نجاح مؤسسات التعليم العالي على مدى نجاحها في ربط شبكة من العلاقات مع محيطها الخارجي، بحيث تستفيد من شروط عامة يوفرها لها المحيط، وتستجيب لمطالب محددة يطلبها منها المحيط سواء في المجال العلمي أو الاقتصادي أو الثقافي و   ضعف الاندماج في المحيط الاقتصادي والاجتماعي؛ ويتجلى ذلك في عدة تجليات:
–  بطالة الخريجين: ويدور سجال عقيم بين من يحدد سبب ذلك في هشاشة التكوين الذي تقدمه مؤسسات التعليم العالي، وبين من يحدده في محدودية الطاقة الاستيعابية للمحيط الاقتصادي.

   قلة الأبحاث والدراسات التي تقدمها الجامعة لفائدة الفاعلين الاقتصاديين.
    قلة طلبات القيام بخدمات من قبل مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لانعدام الثقة في القدرة البحثية لمؤسسات التعليم العالي

– ضعف الدور الثقافي للتعليم العالي؛ رغم جهود الأساتذة في هذا المجال، من حيث قلة المشاركة في المناسبات الثقافية، وغياب تام للوسائل التثقيفية التي تمكن الجامعة من القيام بدورها نتيجة هيمنة المقاربة الأمنية في التعامل مع مكونات الحقل الجامعي.
لكن استحضار البعد الإدماجي للجامعة، لا ينبغي أن يفهم منه « مهننة » الجامعة بحيث تصبح عبارة عن أوراش للتكوين المهني، بل لا بد من رؤية استراتيجية مبنية على حسابات موضوعية مدروسة تستجيب للحاجات الاجتماعية والثقافية.   
قلة عدد الباحثين بالنسبة لعدد السكان؛ نظرا لطغيان التصور الإداري الذي يحصر مهام التعليم العالي في تلقين المعرفة، وزيادة الأعباء على كاهل الأساتذة الباحثين (عدد ساعات التدريس، الأعمال الإجرائية من حراسة وتصحيح …)، وسوء الوضعية الاجتماعية للباحثين.

ضعف المساهمة في التنمية الجهوية: ولا سبيل إلى ذلك إلا بتوفر شرطين؛

إطار قانوني يدلل العقبات أمام سياسة جهــوية للنظام التعليمي بصفة عامة والتعليم العالي بصفة خاصة،
توفير بنيات للتعليم العالي بمختلف الجهات.
 إن أسباب الأزمة التعليمية بالجامعة المغربية ارتأى حزب الحرية والعدالة الاجتماعية  أن يلخصها فيما يلي:

 عدم إشراك الفاعلين الأساسيين في الإصلاح, فمحاولة فرض إصلاحات تربوية من القمة أو من الخارج لم تلق بديهيا أي نجاح، والبلدان التي توجت فيها عملية الإصلاح بقدر من النجاح هي البلدان التي استحثت لدى المجتمعات المحلية ولدى الآباء والمدرسين التزاما قويا ساده حوار مستمر وأشكال مختلفة من المساعدة الخارجية، سواء أكانت مالية أم تقنية أم مهنية: فأهمية المجتمع المحلي في أية استراتيجية لتطبيق الإصلاحات بنجاح أمر جلي ». وهذا يقتضي تفعيل الديمقراطية في الحياة الجامعية من خلال إشراك الأطراف الأساسية في رسم سياسيات التعليم العالي وإجراءاته.

هيمنة النموذج الفرنسي على التجارب الإصلاحية التي عرفتها الجامعة المغربية، وعدم الأخذ بالتجارب الإصلاحية الشبيهة والناجحة خاصة في الدول الآسيوية كالصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا.

غياب الإرادة الحقيقية لدى صناع القرار في النهوض بالمنظومة التعليمية عامة وبالتعليم العالي خاصة، نتيجة سيطرة الهواجس الأمنية بشكل كبير، ما يعيق الرقي بالتعليم العالي نحو  منظومة تحفظ الكرامة الإنسانية، وتؤهل الجامعة لتكون مصدرا أساسيا لإنتاج النخب وتقوية الاقتصاد وتأهيل مجالات التكوين التي تشكل حاجة للسوق وللإدارة والفكر.

 ضعف التكوين المستمر لدى الأساتذة والإدارييــن.

 عدم ملائمة البنيات المتوفرة والعدة البيداغوجية والتأطير البيداغوجي مع الزيادة المتتالية في عدد الطلبة المسجلين

عدم تنويع مصادر تمويل الجامعة، والاقتصار على الميزانية العامة للدولة.

سوء الوضعية الاجتماعية للطلبة والعاملين بالتعليم العالي، ومساهمة البيروقراطية الإدارية في سوء الخدمات الجامعية المقدمة.

  شكلانية الاستقلالية الممنوحة للجامعة سواء على المستوى الإداري أو العلمي أو البيداغوجي، وذلك بالنظر أساسا إلى تركيبة مجالس الجامعات والمؤسسات والاختصاصات المخولة لها.

هكذا إذن يتبين أن أزمة التعليم العالي بالمغرب عامة و متعددة المظاهر والجوانب، ويبدو أنها متداخلة العناصر ومترابطة الأبعاد إلى الحد الذي يعتبر فيه كل مظهر سببا ونتيجة لمظاهر أخرى. وإن كان لهذه الأزمة الشاملة جذور فإن لها عواقب وامتدادات تربوية وثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية منها: تدني مستوى تكوين المواطن عموما، وتدني تشبثه بقيمه وحضارته وحبه لوطنه، وتدني المكانة الاجتماعية والاقتصادية لمؤسسات التعليم العالي خاصة الجامعة في محيطها، وتفاقم بعض الظواهر الاجتماعية وأخطرها الأمية والبطالة وهجرة الكفاءات.

وكنتيجة لذلك تبلور الإصلاح الجامعي الجديد في سياقات متعددة أهمها السياق الخارجي المرتبط بالتقارير الدولية خاصة تقرير البنك الدولي أواسط التسعينيات، بعد التأكيد على أن التحديات تفرض تربية الاستعداد المهني العام والاستعداد للتغير المهني، والسمة التكاملية بين العلوم الإنسانية والتطبيقية، وتطوير البنيات التحتية لتتكيف مع التطور المذهل للمعرفة، وتطوير المناهج والبرامج بجعلها أكثر تحفيزا على روح الإبداع والمبادرة والتفكير والانتقال من استهلاك المعرفة إلى إنتاجها , وبلورة سياق داخلي للإصلاح الجامعي الجديد وذلك تماشيا مع مخطط  المشروع المصادق عليه 2015-2030 حول اصلاح التعليم.

ولذا فان حزب الحرية والعدالة الاجتماعية يؤكد على  ضرورة الإصلاح من خلال تبني المداخل التالية  :

  • Ø       الشمولية في التصور والمنهج والتطبيق.
  • Ø       إشراك كافة الفاعلين والمتدخلين في الحقل الجامعي في صياغة وبلورة المشاريع الإصلاحية، وتفعيل الديمقراطية الجامعية.
  • Ø       تمتيع الجامعة بالاستقلال المالي والإداري والتربوي والعلمي، ونهج منطق الانتخاب بدل التعيين.
  • رصد تمثلات الفاعلين خاصة الأساتذة والطلبة بين الفينة والأخرى من مجريات الإصلاح، لتحديد الثابت والمتحول لديها.
  • التركيز على استيعاب الطالب لمقتضيات الإصلاح بشكل جيد وانخراطه الفعال في تنزيله.
  • التنسيق بفعالية بين التعليمين الثانوي والعالي.
  • تفعيل التقطيب الجهوي في الحقل الجامعي، وخاصة في البرامج والمناهج.
  • التنسيق بين مؤسسات الجامعة وتفعيل دور الجامعة على المستوى الجهوي.
  • تبادل الخبرات مع الجامعات الوطنية والأجنبية الأخرى.
  • الربط بين حاجات الطالب ومتطلبات سوق الشغل وبين المناهج والبرامج الموضوعة للتدريس الجامعي.
  • خلق التواصل الفعال والمستمر بين مكونات الحقل الجامعي.
  • تشجيع البحوث الميدانية التي تقوم بها أطراف خارج الجامعة لصالحها.
  • خلق تعاقد اجتماعي ضمني بين مكونات الجامعة ونشر ثقافة الاختلاف والحوار بدل اللجوء للصراع والمقاربة الأمنية.
  • Ø       فتح الجامعة على محيطها السوسيواقتصادي والثقافي.
  • تخصيص مجهود مالي إضافي لتنمية البحث العلمي.
  • Ø     تحسين الوضعية الاجتماعية للفاعلين في الحقل الجامعي، وتجويد الخدمات الجامعية المقدمة، مع ترشيد النفقات والاستعمال الأمثل للموارد المتاحة بشرية أم مادية.
توقيع  ميلود موساوي أمين عام حزب الحرية والعدالة الاجتماعية                                                                                                                 

 

وقد تم إخبار كل من:

  السيد مدير الديوان الملكي

السيد رئيس الحكومة

السيد وزير الداخلية

السيد رئيس مجلس النواب

السيد رئيس مجلس المستشارين

السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي

بهذه المذكرة وذلك لكل غاية مفيدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى