ملَك: رحلة فنية ملهمة ودفاع عن قضية التوحد

في عالم غالبًا ما يساء فهمه، تبرز قصة ملَك، الفتاة المغربية البالغة من العمر 15 عامًا والمصابة باضطراب طيف التوحد، كنموذج ملهم للإبداع والصمود. من خلال لوحاتها الملونة وشغفها بالفن البصري، لم تكتفِ ملك بالتعبير عن ذاتها، بل أصبحت صوتًا مدافعًا عن قضية التوحد، مستخدمةً فرشاتها لرسم جسر من التفاهم بينها وبين العالم. قصتها، التي نوقشت في برنامج إذاعي أو تلفزيوني على قناة الأولى المغربية في برنامج “صدى الابداع“، تسلط الضوء على دور الفن كأداة للتواصل، وأهمية الدعم الأسري، والتحديات التي تواجهها في بيئة المدرسة.

منذ سن مبكرة، وجدت ملك في الفن ملاذًا يمنحها السعادة والحرية. تستلهم أعمالها من فنانين عالميين مثل بيكاسو وهنري ماتيس، ومن أسماء مغربية بارزة كشعيبية ومحمد بناني. تحلم ملك بأن تصبح “بيكاسو المغربية”، وتعبر عن هذا الطموح بلوحات نابضة بالحياة تعكس عواطفها وأفكارها. تتركز أعمالها غالبًا على الوجوه، سواء وجه والدتها أو أصدقائها، مرسومة بألوان زاهية كالأحمر والأخضر والأزرق والأصفر.

إحدى لوحاتها المميزة، التي أُنجزت بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بالتوحد، تصور شخصيتين تربطهما قلب أزرق، تمثلان ملك وصديقًا لها من مجتمع التوحد. هذا العمل ليس مجرد لوحة، بل رسالة تضامن وصداقة. كما شاركت ملك من خلال برنامج “صدى الإبداع” بلوحة تقسم الوجوه إلى مربعات، معبرةً عن مشاعر متنوعة كالفرح والحزن والضحك والتوتر. هذه القدرة على التعبير عن العواطف تمثل إنجازًا كبيرًا، خاصة أن فهم العواطف ومشاركتها يشكل تحديًا للأشخاص المصابين بالتوحد.

وراء كل لوحة ترسمها ملك، هناك دعم لا يتزعزع من عائلتها، وبالأخص والدتها التي تشاركها شغف الرسم وتساعدها في تطوير موهبتها. الأم، التي وصفت بأنها مصدر إلهام وثقة، لا تقتصر مساهمتها على الفن، بل تمتد إلى دعم ملك في دراستها وتحفيزها على تحقيق أحلامها. يؤكد البرنامج أن هذا الدعم، إلى جانب جهود والدها، ساهم في “تغيير نوعي” في مسار ملك، مما مكنها من تحسين مهاراتها الاجتماعية والتواصلية. هذا الدور الحيوي للأسرة يبرز كعامل أساسي في تمكين الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

كطالبة في السنة الثانية إعدادي بمدرسة عمومية، تبذل ملك جهودًا كبيرة لتحقيق النجاح الأكاديمي، لكنها تواجه تحديات جمة. تشكو من صعوبة التركيز في الساعات الأخيرة من اليوم الدراسي، ومن سرعة شرح الأساتذة الذي يجعل الفهم صعبًا. كما تعاني من تحديات اجتماعية، حيث يتجاهلها بعض زملائها أحيانًا، مما يؤثر على تفاعلها. البرنامج الدراسي المكثف والضوضاء في الفصول تضيفان إلى هذه العقبات، خاصة مع حساسيتها الصوتية المرتبطة بالتوحد.

رغم ذلك، تُظهر ملك شجاعة في التواصل مع معلميها، حيث تعبر عن حاجتها للمساعدة وتلقى استجابة إيجابية. إلى جانب دعم والدتها في الدراسة، تستفيد ملك من برنامج متخصص في مركز يركز على تنمية مهاراتها الاجتماعية والتواصلية. هذه الجهود المشتركة مكنتها من تحقيق تقدم ملحوظ، يتجلى في قدرتها على المشاركة في نقاشات علنية والدفاع عن قضية التوحد.

ما يجعل قصة ملك استثنائية هو تحولها من فتاة تواجه صعوبات التوحد إلى مدافعة عن قضيتها. من خلال فنها، تنقل ملك أفكارها ومشاعرها، وتساهم في تعزيز الوعي بالتوحد. لوحاتها لا تعبر عن هويتها فحسب، بل تناهض الصور النمطية وتدعو إلى تقبل الآخر. مشاركتها في منصات النقاش تبرز قدرتها على التواصل ومشاركة رؤيتها، مما يجعلها نموذجًا للشباب الذين يسعون لتحقيق ذواتهم رغم التحديات.

ملك ليست مجرد فنانة موهوبة، بل رمز للأمل والمثابرة. رحلتها الفنية، المدعومة بحب عائلتها والبرامج المتخصصة، تُظهر كيف يمكن للفن أن يكون جسرًا للتواصل والتعبير عن الذات، خاصة للأشخاص ذوي التوحد.

تحدياتها في المدرسة تذكرنا بالحاجة إلى بيئات تعليمية أكثر شمولية، بينما دفاعها عن قضيتها يلهم الجميع لتقدير التنوع البشري. ملك، بفرشاتها وألوانها، ترسم ليس فقط لوحات، بل عالمًا أكثر تسامحًا وتفهمًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى