ملك عظيم لشعب عظيم


عبد السلام المساوي
تذكرنا المشاهد التي نراها اليوم بالاجماع الشعبي الكبير الذي ساد المغرب أيام المسيرة الخضراء ، وأيام أزمة كورونا ، ونحن نرى هبة وطن بأكمله على قدم رجل واحد وبهدف واحد : الانتصار للوطن .
جلالة الملك يفرح عندما يفرح شعبه ، ويبكي عندما يبكي شعبه .
جلالة الملك يحزن عندما يتألم شعبه .
جلالة الملك جعل خدمة شعبه عقيدة وممارسة .
جلالة الملك يقدم نموذجا في الحكمة والبعد الإنساني والتضامني في الشدائد .
جلالة الملك يتبرع بدمه ، و يزور مصابي الزلزال في المركز الاستشفائي الجامعي “محمد السادس” بمراكش.
جلالة الملك قال في الكثير من خطبه أنه يشعر بأبناء المغاربة كما يشعر بأبنائه .
جلالة الملك قال ” يعلم الله أنني أتألم شخصيا ، ما دامت فئة من المغاربة ، ولو أصبحت واحدا في المائة ، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة ” .
ملك ينصت لنبض شعبه .
لم يكن لدينا فيها شك في الماضي .
وليس لدينا فيها شك في الحاضر .
ولن يكون لدينا فيها شك في المستقبل .
هذا الملك ينصت لصوت شعبه .
إنه السبب الذي يجعل إيماننا بالمغرب يتعمق يوما بعد يوم .
إنه السبب الذي يجعلنا نشعر باستمرار ، ودوما وأبدا – ومهما استكثرها علينا الحاقدون ، بأننا محظوظون .
إنه السبب الذي يجعلنا نواصل المسير مطمئنين أننا سنصل مهما قال لنا الغاضبون من هاته الثقة بالنفس المغربية ، ومهما استكثروا علينا الإيمان بهذا الوطن وبهذا الشعب وبهذا الملك .
اليوم صدق المغاربة والمغربيات . اليوم تحققت نبوءات من سكنهم المغرب قبل أن يسكنوه . اليوم الكل يقول برافو جلالة الملك .
اليوم حتى صحافة الأجانب ، تلك التي كان يجد عندها بعض ” المخالطين ” مبررات الكذب علينا ومسوغات ايهامنا تقول : لقد أدهشنا هذا البلد ، لقد أبهرنا ملكه وشعبه …عندما نقول هذا الكلام الذي نردده في اليوم الواحد عشرات المرات ، نقوله لأننا نؤمن به . هو قرارة تفكيرنا … هو عمق ايماننا …. هو المغرب الذي يسري في العروق مسرى الدماء .
يترك المغرب للآخرين الكلام ويفضل الفعل .
يترك المغرب للآخرين الخطب والشعارات ، ويمر الى صلب الموضوع ، ويقدم لشعبه ولكل من يحبون شعبه ولكل من لا يحبون شعبه أيضا الدروس تلو الدروس …
شعور الفخر والاعتزاز عام وشامل بين كل من يحملون المملكة المغربية في قلوبهم ، وملك البلاد يمشي واثق الخطوة .
الكلمات هنا تتوقف ، لكي تفسح المجال لشعور هو مزيج من فخر واعتزاز وانبهار بقدرة هذا البلد الجنوبي على التفوق على نفسه دوما وأبدا .
الكثيرون يستكثرون علينا هذا الاعتزاز بالذات وهاته الثقة بالنفس التي تسمح لنا بأن نفعل ما نريد وقتما نريد .
في مقدمة هؤلاء الكثيرين هناك جيران لنا في الشرق حباهم الله بمال وفير وبطاقات طبيعية أوفر لكن لم يعرفوا يوما كيف يستعملونها لخدمة شعبهم .
من ضمن الكثيرين أيضا أناس بعيدون عنا يعتبرون أنه لا يحق لهذا البلد ” الجنوبي والصغير والفقير ” أن يعتبر نفسه قوة إقليمية صاعدة وأن يعتمد على ذكائه لتعويض نقص المقدرات المالية لكي يصنع لنفسه مكانا تحت شمس التقدم العالمي كله .
كتب المغاربة ، ويكتبون حاليا سطرا ذهبيا جديدا من أسطر كتابهم الأكبر المسمى ” المغرب ” ، يعطون به الدليل مجددا على أنهم ” أمة المغرب ” ، و ” دولة المغرب ” ، التي وجدنا من سبقونا يغنون لها عن سابق تجربة واقتناع ، وأنهم لم يظهروا فجأة ، ولا نبتوا من عدم .
هذه العراقة فينا أصل ثابت يجعلنا لحظة ” المعقول ” غير قادرين إلا على الصعود إلى الأعلى لكي نلقن الكل الدرس المغربي ، ولكي نعلن على رأس الأشهاد أن هذا الشعب الطيب البسيط هو فعلا أغنى شعوب الأرض قلبا وأصلا وانتسابا لوطن يسري فينا جميعا مسرى الدم في العروق .
خلال جلسة العمل التي ترأسها جلالة الملك لمتابعة الوضع بالمناطق المنكوبة عقب الزلزال ، أعرب حفظه الله عن ” خالص شكر المملكة المغربية تجاه العديد من الدول الشقيقة والصديقة التي أعربت عن تضامنها مع الشعب المغربي في هذا الظرف الصعب ، والتي أعرب العديد منها عن استعداده لتقديم العون والمساعدة للمغرب في هذه الظروف الخاصة ” .
وفي إطار مقاربة متوافقة مع المعايير الدولية في مثل هذه الظروف ، يتم اتخاذ السلطات المغربية في ضوء تطور الوضع ووفقا للاحتياجات المحددة على الأرض .
وقد سمح هذا النهج بالسيطرة على الوضع الحالي ، وذلك بفضل الالتزام المستمر للسلطات المغربية وتعبئتها المنسقة ، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الجغرافية للمنطقة المتضررة من الزلزال ، قامت السلطات المغربية في مرحلة أولى بعمليات تمهيدية لتطهير الطرق من أجل السماح بإيصال المساعدات الدولية بنجاح .
في هذه الحالة ، تريد السلطات المغربية أولا التأكد من أي مساعدة دولية يجب أن تتدخل تكون منظمة ومحددة بشكل جيد ، لمنع أي اختلاط . فأفضل مساعدة ليست مساعدة كبيرة ، بل مساعدة مفيدة وفعالة ومنسقة بشكل جيد .
وبهذا المنطق ، قام المغرب بدمج عروض الدعم المقدمة من اسبانيا وقطر والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة ، وتركز جميع هذه العروض بشكل حصري على البحث وإنقاذ ضحايا الكوارث ، من خلال فرق متخصصة ومستقلة .
وتعمل الفرق التي أرسلتها هذه البلدان جنبا إلى جنب مع نظيرتها المغربية لفائدة الساكنة المتضررة .
ومع تطور عمليات التدخل ، يمكن أن يتطور تقييم الاحتياجات المحتملة إلى مراحل أخرى قد تؤدي إلى اللجوء إلى عروض الدعم للاستجابة للاحتياجات المحددة المحتملة .
لكن ما يفعله ماكرون ، هذه الأيام ، عبر قنواته وجرائده وصحافييه وحوارييه وأجهزته ، لا يحمل أي اسم آخر غير العار الذي يجلل سيرة أمة فرنسية حاربت مئات السنين ، وضحت بالأرواح والدماء ، لرفع لواء الحرية والمساواة والأخوة بين الشعوب ، ثم ابتلاها القدر ، في نهاية عهدها ، بقادة يمعنون في تمريغ هذه القيم على مرأى من العالم .
إنها الفضيحة ، حين تغمض فرنسا العين على فاجعة إنسانية في الحوز وتارودانت وورززات وأكادير ، وتدير ظهرها إلى قوافل الموتى والمعطوبين والمكلومين والمنكوبين والعالقين تحت الدمار والنائمين في العراء ، ولم تهتم سوى بترميم ” أنانية ” صغيرة خدشها اعتذار مؤدب المغرب ، بعدم قبول عرض بالمساعدة في الإنقاذ .
لقد ترك الصحافيون والقنوات والجرائد والمواقع الإلكترونية و ” بلاطوهات ” النقاش وتقارير المخابرات كل شيء ، وتفرغوا إلى ” العنجهية ” المغربية ، وأفحموها تحليلا وتقييما وأمطروها أسئلة ونقاط استفهام ، إلى درجة أن بعض “المنشطين ” لم يصدقوا أن دولة مستقلة وذات سيادة يمكن أن تقبل عروض مساعدات وقت الأزمات ، كما يمكن أن ترفضها .
فرنسا ماكرون لم تستوعب ، ولا تريد ذلك ، بأن عهدا من علاقات الحجر والاستعمار والأغلال والوصاية ، ولى إلى غير رجعة ، وحل محله عهد الدول والحكومات ذات السيادة ، التي تحدد حاجياتها بشكل مستقل ، دون تدخل من أحد .
إن رفض المساعدات الفرنسية ، كما فهمه العالم باستثناء ماكرون ، لا يخضع لأي حسابات أخرى ، غير ترتيب الأولويات والحاجيات على أرض تعرضت إلى أكبر الهزات عنفا في القرن الواحد والعشرين .وعوض أن يتنازل الإليزيه عن كبريائه ، ويحترم دولة ذات حكومة وقرار وسيادة ، اختزل الموضوع كله في رفض مغربي ، وحاول أن يصنع منه رأيا فرنسيا ودوليا معاديا للرباط ، من بوابة التحليل الإعلامي والسياسي المغرض ، الذي يفيد أن المغرب لا يكترث بنداءات المساعدة من الخارج .
والحال أن ما تروج الآلة الدعائية الفرنسية لا أساس له من الصحة ، في وجود برنامج متحكم فيه لاستقبال الوفود والفرق والمساعدات من الخارج ، حجب الحاجيات المرصودة على الأرض، بدليل وجود عدد من الفرق الأجنبية والعربية بالمناطق المنكوبة .
ربما لم تتوفق فرنسا في توفير ما نحتاجه فعلا ، لكنها ، توفقت ، للأسف ، في زرع الأحقاد والضغائن ، بدل زرع ابتسامة وسط الدمار .
المغاربة شعب متضامن بطبعه ، ويكفي أن نرى كيف تجند المواطنون في كل المدن للتبرع بالدم ولتوفير المؤن الغذائية والدواء والأغطية لكي نفهم أن هذا الشعب سيلعق جراحه وسيدفن شهداءه وسيقف على رجليه بشرف وكرامة وعزة نفس .
هو أفضل عزاء تلقيناه في المصاب الجلل العظيم الذي مسنا الجمعة : شعبنا أمسك قلبه بين يديه ، وقدمه هدية للوطن ، وقال : ” يموت الأفراد ويبقى المغرب حيا ، تنهار الجبال على رؤوس الناس ، ويبقى المغرب واقفا ، ندفن موتانا بكل حرقة وألم ويبقى المغرب حيا إلى النهاية .”
والأكيد أن المغرب ، الذي يعي جيدا قيم التضامن ، يرحب بتدفق كل هذا التعاطف والتضامن القادم من بلدان في جميع مناطق العالم . ويشهد هذا الزخم على التقدير الذي يحظى به المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة .
وهذه الطفرة التضامنية هي أيضا ثمرة للالتزام التضامني للمغرب نفسه . وللمساهمات الإنسانية العديدة التي قدمها المغرب تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية .
الكثيرون يعرفون معاني النبوغ المغربي ، ويعرفون أن الكائن المولود في هاته الأرض حين يريد شيئا يصله ، وأن ملك البلاد هو رمز لهذا النبوغ ، وأن جلالته عندما يقرر الوصول الى شيء ما فإن الوصول هو الحل الوحيد في المسار كله .
إن الحكاية المغربية ابتدأت بالكاد وأنها لن تنتهي ، عكس حكايات أعداء هذا الوطن الذين يتلقون يوميا الصفعات تلو الصفعات ، والذين يتأكدون يوما بعد الاخر أن من يعادي هذا البلد سيكون مصيره هو الشعور بخيبة الأمل اليوم وغدا وفي باقي الأيام .
إننا أمام ملك يرفض الخضوع للأمر الواقع ، ولا يقبل سوى بالمجابهة والمواجهة للتحديات ذات الطابع الاستراتيجي سواء في المجال الاقتصادي والاجتماعي والأمني والدبلوماسي مع مواكبة مستمرة لمتطلبات ما يستجد من أحداث ومخاطر يومية تحيط ببلدنا ، الأمر الذي جعل المواطن يجد في الملك على الدوام ملاذا يلجأ إليه حينما تقفل أبواب السياسات العمومية والقطاعية ويدخل البرلمان في حالة من نكران للواقع وتعجز المؤسسات الوسيطة عن خلق بدائل .
على المتتبع للوضع المغربي ، خصوصا الأجانب غير المطلعين على تاريخ المغرب جيدا ويسارعون الى انتقاد الملكية والنظام ، أن يعلموا أن الملكية في المغرب نظام عرف تجارب وأخذ دروس التاريخ .
لقد قدمت دولتنا ، عبر مؤسساتها السيادية منذ سنوات ، نموذجا لسياسة خارجية مستقلة تستند الى مبادىء وأسس واضحة تهدف من خلالها الى الدفاع عن المصالح العليا للوطن بكل حزم ووضوح ، لكن دون المس بحقوق ومصالح الشعوب الأخرى ، وظهر أن ملك المغرب بعزمه الصادق ، الذي لا يلين ، نجح في صنع رصيد ضخم من المصداقية الدولية ، حتم عليه مواصلة الاضطلاع بدور قدر للملكيات المغربية أن تضطلع به منذ عقود بل منذ قرون .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى