مقابلة إدريس لشكر: الاتحاد الاشتراكي بين المعارضة الحازمة والمسؤولية الوطنية

تابعنا باهتمام بالغ مقابلة إدريس لشكر، الأمين الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (USFP)، في برنامج “نقطة إلى السطر” على القناة الأولى المغربية، والتي من خلالها حاول ادريس لشكر تقديم رؤية شاملة لمواقف الحزب حول قضايا وطنية ودولية رئيسية. كما عكس استراتيجية الحزب في الجمع بين النقد الحاد لسياسات الحكومة والمساهمة البناءة في المشاريع التشريعية ذات الأولوية، مع التركيز على تعزيز قاعدته الشعبية استعدادًا للانتخابات المقبلة. في هذه الورقة سنحاول القيام بمقاربة تحليلية متواضعة.

1. السياسة الخارجية المغربية: تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة

تسلط المقابلة الضوء على العلاقات المغربية-الأمريكية كأحد الركائز الأساسية للدبلوماسية المغربية. يؤكد إدريس لشكر على العمق التاريخي لهذه العلاقات، مشيرًا إلى أن المغرب كان أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة عام 1777، مما يعزز مكانة المغرب كشريك استراتيجي موثوق.

هذا التأكيد ليس مجرد استعراض تاريخي، بل يهدف إلى إبراز استقرار هذه العلاقات بغض النظر عن التغيرات السياسية في الولايات المتحدة، كما يتضح من دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لها.

نذكر هنا أنه خلال ديسمبر 2020، أعلنت الولايات المتحدة دعمها للموقف المغربي بشأن الصحراء كجزء من اتفاق تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، مما عزز الشراكة الاستراتيجية.

كما أن الاتفاقيات الثنائية، مثل اتفاقية التبادل الحر (2004) والتدريبات العسكرية المشتركة (مثل “الأسد الإفريقي”)، تؤكد الأهمية الاقتصادية والأمنية لهذه العلاقة.

يعكس موقف لشكر استراتيجية الاتحاد الاشتراكي في دعم الدبلوماسية المغربية كعامل استقرار وطني، مع إبراز دور المغرب كلاعب إقليمي مؤثر.

2. قضية الصحراء: دبلوماسية ملكية استباقية

تبرز المقابلة الدور المحوري للدبلوماسية الملكية في معالجة قضية الصحراء، حيث يشيد لشكر بالتحول في النهج من “إدارة النزاع” إلى السعي نحو “حل نهائي” بقيادة الملك محمد السادس. هذا التحول يتماشى مع المواقف الرسمية المغربية التي تروج لمقترح الحكم الذاتي (2007) كحل واقعي، مدعوم من دول مثل فرنسا وإسبانيا وعدد متزايد من الدول الإفريقية.

إشارة لشكر إلى عام 2025 كأفق زمني محتمل لحل النزاع تعكس تفاؤلًا حذرًا، يستند إلى التقدم الدبلوماسي الأخير، مثل فتح قنصليات دولية في العيون والداخلة (أكثر من 20 دولة حتى 2025).

انتقاد لشكر لجبهة البوليساريو ولدور الجزائر كطرف رئيسي في النزاع يتماشى مع الخطاب الرسمي المغربي، الذي يطالب بإشراك الجزائر في المفاوضات بشكل مباشر. هذا الموقف يعكس استراتيجية المغرب في الضغط على الأمم المتحدة لتفعيل طاولة المفاوضات، مع ضمان تمثيل شامل للصحراويين، بما في ذلك القبائل الموالية للمغرب.

هنا، يظهر الاتحاد الاشتراكي كداعم قوي للدبلوماسية الملكية، مع الحفاظ على خطاب وطني موحد حول هذه القضية.

3. الجدل حول دعم استيراد المواشي: نقد للاختيارات الحكومية

يشكل موضوع دعم استيراد المواشي محور النقد الأبرز في المقابلة، حيث يسلط لشكر الضوء على ما يعتبره إخفاقات حكومية في الشفافية والتخطيط الاستراتيجي. ينتقد الحزب تخصيص أموال طائلة لدعم استيراد الأبقار والأغنام من الخارج (خاصة من إسبانيا)، بدلاً من دعم الفلاحين والكسابة المغاربة.

هذا النقد يعكس قلقًا اجتماعيًا واقتصاديًا واسعًا، حيث تُظهر الإحصائيات ارتفاع معدلات البطالة في القطاع الزراعي، الذي يشغل حوالي 38% من القوى العاملة المغربية (حسب تقارير البنك الدولي لعام 2023).

يستند نقد لشكر إلى تناقضات في الأرقام المقدمة من الحكومة، مما يكشف عن ضعف التنسيق بين الوزراء المعنيين. على سبيل المثال، تذبذب التصريحات حول حجم الدعم (ما بين 500 مليون ومليار درهم) أثار شكوكًا حول مصداقية الحكومة. يربط لشكر هذا الاختيار السياسي بتفاقم البطالة، مشيرًا إلى أن دعم الفلاحة المعيشية كان سيخلق فرص عمل ويحد من نزيف الشباب نحو الهجرة أو العطالة.

هذا النقد يتماشى مع خطاب الاتحاد الاشتراكي التاريخي الذي يركز على العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الهشة.

4. المبادرات البرلمانية وملتمس الرقابة: استراتيجية معارضة حازمة

كما ان اللقاء ابرز استراتيجية الاتحاد الاشتراكي في المعارضة من خلال دعمه المتأخر لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول ملف استيراد المواشي، مع تفضيله لملتمس الرقابة كأداة رقابية أكثر فعالية.

هذا الموقف يعكس إدراك الحزب لمحدودية تأثير لجان التحقيق في ظل أغلبية حكومية قوية، حيث تُظهر التجارب السابقة (مثل لجنة تحقيق حول أسعار المحروقات في 2018) أن هذه اللجان غالبًا لا تؤدي إلى نتائج ملموسة.

دعوة لشكر إلى ملتمس الرقابة، وهو آلية دستورية نادرة الاستخدام في المغرب، تُظهر رغبة الحزب في تصعيد الضغط على الحكومة، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية لعام 2026.

هذا الخيار يعكس استراتيجية سياسية تهدف إلى تعبئة الرأي العام وإحراج الحكومة، مع تعزيز صورة الاتحاد الاشتراكي كحزب معارض جاد وقادر على تحدي الأغلبية.

5. المشاريع التشريعية: معارضة بناءة

على الرغم من موقفه الناقد، يُظهر لشكر التزام الاتحاد الاشتراكي بمسؤولية وطنية من خلال دعمه لمشاريع تشريعية رئيسية، مثل مدونة الأسرة، قانون المسطرة الجنائية، والقانون التنظيمي للإضراب.

هذا الموقف يتماشى مع توجيهات الملك محمد السادس، الذي دعا إلى تسريع إصلاح هذه النصوص في خطاباته الأخيرة (مثل خطاب العرش 2024).

مساهمة الاتحاد الاشتراكي في هذه المشاريع، من خلال رئاسته للجنتي العدل والتشريع في البرلمان، تعكس نهجًا براغماتيًا يهدف إلى تحقيق توازن بين النقد الحكومي والمساهمة في استقرار البلاد.

هذا التوجه يعزز مصداقية الحزب كقوة سياسية مسؤولة، قادرة على تجاوز الخلافات الحزبية لخدمة المصلحة العامة.

6. وضعية الاتحاد الاشتراكي: استعادة الزخم الشعبي

يُظهر لشكر تفاؤلاً حذرًا بشأن وضعية الحزب، مشددًا على ديناميكيته التنظيمية وقربه من القضايا الشعبية. دعوته للقيادات السابقة للعودة إلى الحزب تُظهر وعيًا بتحديات الانقسامات الداخلية التي شهدها الاتحاد الاشتراكي في العقود الأخيرة.

كما أن تركيزه على العمل الميداني عبر هياكل الحزب في مختلف الجهات يهدف إلى استعادة ثقة القاعدة الشعبية، خاصة في ظل تراجع شعبية الأحزاب التقليدية لصالح حركات شعبوية أو مستقلة.

تجنب لشكر الخوض في تفاصيل الانتخابات المقبلة يعكس استراتيجية حذرة تهدف إلى تفادي التسرع في الوعود السياسية، مع التركيز على قضايا ملموسة مثل التشغيل والتعليم والصحة.

هذا النهج يتماشى مع التحديات الاجتماعية الحالية، حيث تُظهر استطلاعات الرأي (مثل استطلاعات المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية 2024) أن 65% من المغاربة يرون في البطالة والفقر أولويات وطنية.

الخلاصة

تُظهر مقابلة إدريس لشكر استراتيجية الاتحاد الاشتراكي في الجمع بين النقد الحاد للحكومة والمساهمة البناءة في المشاريع الوطنية، مع السعي لتعزيز قاعدته الشعبية.

على المستوى الدولي، يدعم الحزب الدبلوماسية الملكية في قضية الصحراء ويبرز أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة.

داخليًا، يركز على نقد الاختيارات الحكومية، خاصة في ملف استيراد المواشي، ويتبنى خطابًا يدعو إلى العدالة الاجتماعية وحماية الفلاحين الصغار. دعوته لملتمس الرقابة تُظهر تصعيدًا في المواجهة مع الحكومة، بينما يحافظ على نهج بناء في التعاطي مع التشريعات الكبرى.

في سياق استعداداته للانتخابات المقبلة، يسعى الاتحاد الاشتراكي إلى استعادة زخمه الشعبي من خلال التركيز على قضايا الفئات الهشة والعمل الميداني.

هذا التوازن بين المعارضة الحازمة والمسؤولية الوطنية يعكس محاولة الحزب لتجديد دوره كقوة سياسية مؤثرة في المشهد المغربي، في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى