مضامين فكر مقاومة التغييروأثرها على تطوير الأعمال لرفع كفاءة المؤسسات


إن تطوير الاعمال والتحسين المستمر لأداء المؤسسات بمختلف تنوعها كالمؤسسات السيادية أو الخدمية، سواءً حكومية، أو غير حكومية، يزيد من فرص النمو المستدام، ويوسع محاور العمل للتنافس بين المؤسسات لبلوغ مستوى عالٍ في المكانة والرقي، إن تطوير الاعمال والتحسين المستمر لأداء المؤسسات بمختلف تنوعها كالمؤسسات السيادية أو الخدمية، سواءً حكومية، أو غير حكومية، يزيد من فرص النمو المستدام،
ويوسع محاور العمل للتنافس بين المؤسسات لبلوغ مستوى عالٍ في المكانة والرقي، وتعظيم القيمة لتكون في مستوى تنافسي ضمانًاللاستدامة، إلا أن عند الشروعفي أية عملية للتطوير أو تأسيس سياساتأعمال جديدة تتماشى مع تغيرات العصر الحالي والمتزايدة، تواجه تحديات كبيرة من أهمها: محدودية التفكير لدى بعض الأشخاص الرافضين للتغيير، وبالتالي ينتج عن هذه العقلية مقاومة التطوير والتجديد لمخاوف عدة من بينها: عدم إدراك المجهول القادم من عملية التغيير، والخوف من انعدام تحقيق المصالح الشخصية، وغيرها من التخيلات التي توهم رائد فكرة التطوير بقلب الموازين التي قد تنسف كل أفكاره، وتحبط أعماله، وهذا السلوك ربما يعد فطري نجده عند معظمنا في مختلف المجالات، ومقاومة التغيير لم تعد محصورةً في نطاق الإدارة والتنظيم فقط، بل تعدت ذلك بكثير، وأصبحت ظاهرة تلتف من حولنا في حياتنا اليومية ومساراتنا الحياتية والاجتماعية، ومن هنا فإن هاجس التغيير يرسم صورة أكثر تعقيداً في مخيلتنا،ويعد معضلة أمام التقدم والازدهار ومواكبة التطورات.
فالتغيير أضحى ظاهرة طبيعية وباعتيادية متسارعة كنتاج مفروض في زمن التغيرات والتحولات الهائلةالمستمرة لمواكبة العصر في ظل التنافسية المتسارعة التي لا تهدأ حركتها ولا يتوقف نبضها، وبذلك فإن رافضيه خوفاً من المستقبل وغموضه سيكتب لهم بأن يكونوا محصورين في زوايااليأس تنتج عنها تحديات تعوق التغيير، وتكون ناجمة عن عدم فهم سيكولوجية التغيير والتعامل معه وفقاً للواقع المعاش، ومن هذا المنطلق تظهر أهمية فهم سيكولوجية التغيير عبر تبني أسس ومنهجيات سابقة للتغيير بذاته لضمان نجاحه.
كما أنه يوجد ارتباط وثيق بين التغيير والتطوير إلا أنه هناك فارق كبير بين مفهومي التغيير والتطوير، حيث يعرف التغيير بأنه وسيلة إدارية وأداة من أدواتها، أما التطوير فهو وظيفة إدارية، وكثيرًا ما يرتبط مفهوم مقاومة التغيير بالجانب الإداري الذي يتطلب تنفيذ الرؤى والاستراتيجياتالمعاصرة بإشراف الإدارة العليا، فعند البدء بسلسلة عملية الإصلاحات استعدادًا لتنفيذ الالتزامات المعتمدة في الخطط والبرامج،تظهر عمليات المقاومة للتغيير كنتيجة معتادة للاطمئنانلما هو مألوف، والتوجس من المستقبل الغامض الذي من الممكن أن يتطلب كفاءات وظيفية عالية المستوى غير مقدور عليها، ويكون ذلك بشكل فردي أو اتفاق جماعي لعناصر الإدارة التقليدية محاطًا بالسرية التامة، وفي بعض الأحيان تكون المقاومة علنيةً في شكل حرب باردة البقاء فيها للأجدر.
ولقوى مقاومة التغيير تصنيفات، متمثلة في جماعات فكرية بأنماط متعددة موضحة كما يلي:
-1الفرقة المعارضة: وهي الفرق الأشد ضررًا على عمليات التغيير، وترفضه شكلًا ومضمونًا بسبب تعارض المصالح.
-2 الفرقة المناهضة: وهي فرق متعارف عليها بخاصية استنكار كل ما يعرض للتطوير.
-3 فرقة التصفير: وهي فرق تبحث عن التكبيل بالقواعد والقوانين والتفسيرات الوضعية.
-4 فرقة المماطلة: وهي فرق توصف بالتأجيل إلا لمقتضيات رغباتها ومصالحها الشخصية.
-5فرقة التهميش: وهي فرق أكثر ما توصفبالسلبية؛ نتيجة لقصور فكري، وبالتالي يكونون مقيدي التصرف من قبل الغير.
-6فرقة التشبث بالقديم: وهي الأكثر شيوعًا في المجتمعات، وترتبط نفسيًا بوجدان الذكريات وعاطفيًا بالمواقف ذات الخيالات البهيجة.

ويعد “علم إدارة التغيير” أحد فروع العلوم الإدارية الحديثة، ويعتمد فلسفيًا على مبادئ وقواعد تنظم عملية تحويل المؤسسات القائمة من وضع إلى وضع آخر؛ بهدف زيادة فاعليتها في تنفيذ استراتيجياتها المحددة، وتتطلب عملية التغيير تحويلات وتعديلات ثقافية وهيكلية،
أما المؤسسات الناشئة فهي تتمتع بمرونة أكبر في تبني عملية التغيير والبناء المؤسسي الصحيح منذ البداية، وذلك بإمكانها تصميم هياكلها وعملياتها التي تتناسب مع رؤية المؤسسة واستراتيجياتها، وبذلك يمكنها تجنب الإشكاليات التي تواجهها المؤسسات القائمة.
والإدارة العليا هي القوة الدافعة والمحرك الأساسلعنصر التغيير باعتبارها ربان الرحلة، وبمقدورها رصد مبرر وأسباب التغيير، واستخدامها لإقناع الآخرين بضرورة التغيير، وبالتالي يجب أن تتبنىعملية التغيير نهجًا علميًا، يتم ذلك من خلال اعتماد”علم إدارة التغيير” كمرحلة مسبقةلأي إجراءات تتعلق بالتغيير، وذلك يتطلب فهمًا لعوامل وسيكولوجية التغيير، كأفضل الوسائل تتبعًا لإحداث عملية التغيير من خلال تخفيف المقاومة المحتملة وتقليصهاباستخدام أسس فعلية ومنهجية للتعامل معهاوحلحلة إشكالياتها.
وعملية التطوير والتحسين المستمر تبدأ بتوجيه الاهتمام بعناية إلى التغيير والتفكير فيه مليًا، وأهم خطوة في بدء عملية التغيير هو الاعترافبالحاجة إلى التغيير؛ ولهذا عندما تقرر المؤسسات إجراء عملية التطوير والتحسين المستمر لأدائها بناءً على المنظور العلمي، يجبعليهاوضع إجراءات احترازية للتعامل مع المقاومة للتغيير، على أن يكونهناك تعاون وتبادل المعرفة والخبراتبين الخبراء التنفيذيين والاختصاصيينوالأكاديميين بإشراف مستشارين ذوي خبرة في الممارسات الناجحة؛ ضماناً للوصول إلى مستوى النجاح المنشود.
كما أن إدارة التغيير تستهدف عناصر محددة في المؤسسات،ويمكن أن يكون التغيير شاملًا لمختلف الأعمال والأنشطة، وذلك من خلالدمجعمليات مختلفة أو استحداث عمليات جديدة أو إلغاء عمليات غير فعالة، بالإضافة إلى ذلك تحظىالقوى العاملة بأهمية بالغة في سياق التغيير، ويكون ذلك إما بالتدريب أو الترقية أو الفصل أو التسريح حسبالمتطلبات والاحتياجات،ويعد تبنيالتحديث التكنولوجي للمؤسسة، وتطبيق سياسات تشغيلية جديدة، وتغيير الهيكلية الإداريةمن الأمور الأساسية في عملية التغيير. يمكن أن تسهم في تعزيز كفاءة وفاعلية المؤسسة ومواكبتها للتحديات الحديثة.
والعالم “كيرت ليفن” كعالم نفس اجتماعي وتطبيقي حديث، أبدى اهتمامًا واسعًا في دراسة عمليات التغيير ونظرياتها العلمية، حيث قدم في نموذجه لتحليل عملية التغيير ثلاث مراحل رئيسة، وهيكما يلي:
▪︎ المرحلة الأولى: مرحلة التحلل والتخلي عن الأسلوب الإداري القديم:تعتبر هذه المرحلة وفقًالرؤية “كيرت ليفن” مرحلة حساسة وتحويلية صعبةلعملية التغيير؛ لأنها تتطلب التخلص من نمط الإدارةالسابق والاعتزال عنه، وتبني أساليب ومفاهيم جديدة تتناسب مع تطلعات المستقبل المنشودة، ولن يتحقق ذلك إلا باقتناع الإدارة العليا بعملية التغيير وتأييدهم له، باعتبارهم يلعبون دورًا قويًاوحاسمًا كقوة دافعة لإقناع الفريق بأهمية التغيير وضرورته.
▪︎ المرحلة الثانية: مرحلة التغيير: تشملمرحلة التغيير بذاتها عدة إجراءاتتحويلية، تتضمن تلك التعديلات في الهيكل التنظيمي، وإدارة الموارد البشرية بمختلف مستوياتها، وإعادة النظر في العمليات والإجراءات المتنوعة في المؤسسة.
▪︎ المرحلة الثالثة: مرحلة تبنى التغيير وتثبيته والمحافظة عليه:تهدف هذه المرحلة إلى استقرار المؤسسة من خلال تبني التغيير الذي تم تنفيذه وتثبيته والحفاظ عليه بشكل دائم في هذه المرحلة، وتتم ترجمة الصورة المتكاملة لعملية التغييرمن الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي.
ومن أنجع الأساليب التي تتبعها المؤسسات لإحداث التغييرتولي الإدارة العليا وحدها المسؤولية الرئيسة للتغيير، وتجنب تفويض السلطة للعاملين، إذ تعتبر الأفضل من بين الخيارات الأخرى كإشراك وتفويض سلطة التغيير للعاملين بالمؤسسة، ومن المفيد أيضًا الاستعانة بالخبراء والاستشاريين من خارج المؤسسة لدعم الإدارة العليا في هذا الصدد، حيث يمكن لهؤلاء الخبراء أن يقدموا الخبرات والمعرفة اللازمة، ويعززون القدرات التنفيذية للإدارة العليا في تنفيذ التغيير ومراقبته.
ولا شك في أنللإدارة العليا أساليب متنوعة لمقاومة التغيير باعتبارها هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ أي تغيير أو تحويل في المؤسسة، من الممكن تضمين هذه الأساليب في العديد من النقاط الأساسية التالية:
-1 التعليم المستمر المتمثل في التدريب الاستراتيجي الذي يساعد الإدارة العليا على الحصول على رؤية واقعية للتغيير، وفهم تحدياته
-2 إشراك الجميع، وذلك من خلال تشجيع مشاركة جميع أفراد المؤسسة وتفعيلها في تنفيذ الخطط النابعة من الرؤى والاستراتيجيات؛ لأجل استفادة الإدارة العليا من الأفكار والمساهمات المتنوعة حول المتطلبات الواجبة للتحول التي تتوجب التغيير.
-3ممارسة صلاحيات الإدارة العليا باستخدام القوة بغرض التغيير بالإلزام والقسر ، وهو يعد الأسلوب الأقوى في مقاومة التغيير؛ لكونه الأسرع استجابة وأداءً، ولكنه على المدى البعيد قد يكون الأضعف في حلقات أساليب مقاومة التغيير، لأنه قد يؤدي إلى عدم التعاون من قبل، وربما الوصول إلى الاحتجاج.
وإن معالجة مقاومة التغيير واجبة لأهميتها وضرورة التفكير فيها تعد مرحلة أساسية لأي مبادرة للإصلاح والتطوير في المؤسسة، ومن خلال ما ذكر نستخلص أن تطوير الأعمال يتطلب التغيير،وفي الوقتنفسه التغيير يتطلب إرادة ذكية من السلطة العليا للمؤسسة، باعتبار أن قرار التطوير الاستراتيجي يصدر من الأعلى، وسيواجه في بعض الأحيان مقاومة، التي من الممكن التغلب عليها من خلال قوة وصرامة السلطة العليا.
ففي مختلف المجالات وعلى المستويات كافة، تتم عمليات تطوير الأعمال بدعم فنيإقليمي أو دولي، وتتم عمليات نقل المعرفة بأسس منظمة، وبذلك فإن التعاون الدولي يتطلب وصول الأطراف المهتمة إلى مستوى معين في المكانة على المستوى الوطني أولاً لتيسير التقارب، وتحقيق النجاح المرجو، وعادة ما يتم قبول عملية التغيير كنتيجة لمواكبة الوقائع الجديدة والتحولات الجذرية في بعض الأحيان لمواكبة التطورات والمسير مع الركب من خلال إجراء التعديلات الملزمة في وقتها المحدد؛ لذلك يتطلبالتعامل مع أهمية التغيير اتخاذ إجراءات التحديات وأي تطورات بشكل مهني وفعال.
تعتبر عمليات تطوير الأعمال في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي ذات أولوية قصوى؛ لأنها تمس جميع المجالات، وتعد قطاعًا حساسًا، حيث تعد مخرجاتهمصدرًا لتكوين رأس المال البشري القادر على التكيف مع التحولات والتطورات العالمية المستجدة،بالإضافة إلىذلك؛فإنها تعد المرحلة الأخيرة قبل دخول سوق العمل، وبناء على ذلك؛ فإن المقاومة للتغيير في هذا المجال تعتبر الأكثر صعوبة وتحملًاوالأشد وطأة من أي مجال آخر.

ونستشهد في هذا المقال بكتاب “القيادة في ثقافة التغير”، للمؤلف مايكل فولان، العميد السابق في معهد أونتاريو للدراسات التربوية، في جامعة تورنتو، الذي يتضمن أفكارًا عميقةوشاملة حول قيادة التغيير في المؤسسات التعليمية،
ويصف التحديات والصعوبات المرتبطة بتنفيذ وتطبيق استراتيجيات التغيير، وطريقة تحقيق ذلك، كما أشار المؤلف إلى أهمية السلطة العليا في قيادة مرحلة التطوير المستمر للمؤسسات التعليمية باعتبارها العصب الحيوي والركيزةالتيتؤثر بشكل مباشر في جميع المجالات، وتحقيق هذه المرحلة يتطلب إجراءات قيادية فعالة للتغيير بمهنية؛ للوصول إلى الأهداف المنشودة في ظل التطورات المتسارعة على مستوى العالم.

نستنتج من هذا المقال إن العالم يشهد تغيرًا سريعًافي جوانب الحياةكافة، ويعتمد بشكل كبير على العلوم والمعارف والقدرات كمصدر للرأس المال المعرفي؛ الأمر الذي يتطلب تطويرًا دائمًا للأعمال في المؤسسات عبر تبني خطط وبرامج تشمل سلسلة من المراحل التحويلية؛ التي تنتج تلقائيًا مقاومة للتغيير، وبالتالي يتطلب التعامل مع هذه المقاومة كمرحلة أولى قبل الشروع في أي مبادرات تطويرية؛
خاصة التي تتطلب تحولات جذرية، أما فيما يتعلق بالمؤسسات الناشئة تكون فيها حدة مقاومة التغيير منخفضة؛ مما يجعلها أكثر أملًا وإجداءً في تحقيق الأهداف، ونؤكد أيضًا على أن للإدارة العلياللمؤسسات الدور الأساس في نجاح أي برامج أو مبادرات تحويلية تهدف إلىتطوير هذه المؤسسات والرقي بها.
تحرير
د.أسامة عمار كشادة
أستاذ جامعي – جامعة الزاوية ، ليبيا